\r\n فيما كانت القوات الخاصة الفرنسية تدخل حي القصبة. لكن ذلك الكولونيل ذا العقلية السينمائية يبدو انه لم يشاهد ذلك الفيلم حتى النهاية، الفرنسيون انتصروا في معركة القصبة لكنهم خسروا الحرب.الذكرى الخمسون لبداية حرب التحرير الجزائرية حلت أخيراً، ففي نوفمبر 1954 بثت جبهة التحرير الجزائرية بيانها داعية «لاستعادة الدولة الجزائرية» . \r\n \r\n ونفذت مجموعة من الهجمات المسلحة على أهداف فرنسية. وزير الداخلية الفرنسي الاشتراكي حينها فرانسوا ميتران رد على هذا التطور بالقول «ان المفاوضات الوحيدة الممكنة هي الحرب». وبعد ثماني سنوات من الحرب الدموية مهد اتفاق ايفيان الطريق أمام استقلال الجزائر عن فرنسا. \r\n \r\n واسرائيل التي تغوص أعمق فأعمق في مغامراتها الاستعمارية في الضفة الغربية وقطاع غزة يمكن لها أن تتعلم بعض الدروس الحاسمة من التجربة الجزائرية. وعلى الرغم من الاختلافات المهمة بين الصراعين الجزائري الفرنسي والفلسطيني الاسرائيلي، فإن أوجه الشبه صارخة من مشاهد القوات الخاصة الفرنسية في حي القصبة مروراً بالعبارة الشهيرة «العربي الطيب هو العربي الميت» وحتى وعد «المليون شهيد» التي تتكرر كلها في الصراعين على السواء. \r\n \r\n غير أن التوازيات المهمة تتجاوز هذه النقاط. النزاع الأكثر التهاباً في اسرائيل اليوم يتمثل في قضية المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة، وفيما إذا كانت اسرائيل مستعدة لتفكيك المستوطنات على نحو له معنى. وتهديد المستوطنين بالعنف ضد القوات الاسرائيلية التي قد تحاول اخلاءهم وزعمهم أن اجتثاثهم من جذورهم سيكون «ترحيلاً غير قانوني وجريمة ضد الإنسانية» تدفع بالكثيرين للتساؤل عما إذا كان هذا الاخلاء ممكناً. \r\n \r\n القضية الجزائرية الفرنسية تقدم إجابة واضحة: حين تكون الحكومة مستعدة لتطبيق مثل هذه السياسات، يمكنها أن تنجح.المستوطنون الفرنسيون كانوا موجودين في الجزائر منذ القرن التاسع عشر وفرنسا كانت تعامل الجزائر وكأنها أحد أقاليم الدولة الفرنسية وليس مجرد مستعمرة . \r\n \r\n \r\n وأن «الجزائر هي جزء من فرنسا بقدر ما هو اقليم بروفانس جزء منها على نحو يعكس المواقف الاسرائيلية تجاه الضفة الغربيةوغزة على الرغم من ان (باستثناء القدسالشرقية) اسرائيل لم تعلن أبداً ضم الاراضي التي احتلتها عام 1967. أجيال من المستوطنين الفرنسيين ولدوا ونشأوا في الجزائر. \r\n \r\n وحين وجدوا ان وجودهم هناك بات مهدداً، شكلوا ميليشيا سرية، وقاموا بمناوشات مسلحة مع القوات الفرنسية، بل حاولوا اغتيال شارل ديغول. لكن حين قررت الحكومة الفرنسية قبول استقلال الجزائر، وأخلت الأراضي التي تحتلها، ابتلع المستوطنون حماسهم وشدوا رحالهم وعادوا الى الوطن الذي أتوا منه. \r\n \r\n بالطبع، المستوطنون الفرنسيون في الجزائر لم يجمعهم الشعور الديني كما هي الحال بين بعض المستوطنين الاسرائيليين الذين يتحدثون عن «يهودا والسامرة». غير أن معظم المستوطنين الاسرائيليين قد جذبهم الى الضفة الغربيةوغزة المنح الحكومية والمساكن الحكومية الرخيصة، ليست لديهم مثل هذه العقلية. \r\n \r\n فتحت خطابة قادة الاستيطان غير المنتخبين، فإن تشبث معظم المستوطنين بمساكنهم في المستوطنات يشبه تشبث المستوطنين في الجزائر، وحين تقرر الحكومة الاسرائيلية تقديم تعويضات سخية للمستوطنين ستعيد معظمهم إلى داخل حدود 1967 وحين اتباع الاستراتيجية الصحيحة فإن تلك الاقلية المتعصبة دينياً ستبقى معزولة. \r\n \r\n الدرس الحاسم الآخر المستمد من حرب الجزائر عبثية استخدام القوة العسكرية لمحاولة سحق انتفاضة شعبية هادفة للتحرر الوطني. الفرنسيون في الجزائر، حال الاسرائيليين اليوم، وظفوا ممارسات متزايدة في وحشيتها في محاولتهم الحفاظ على سيطرتهم: جندوا العملاء وعذبوا المشتبهين ودمروا البيوت. وتماماً مثلما يفعل الاسرائيليون، حاولت فرنسا تقديم نفسها على انها ضحية للارهاب للمجتمع الدولي الذي أخذ يفقد صبره باضطراد. \r\n \r\n وحين تنامت المقاومة كانت فرنسا تلجأ ايضاً لسياسات «الضرب على أيدي» الإرهاب. كان الرد الفرنسي على «تمرد» جبهة التحرير الوطني الجزائرية هو الاعتماد على القوة العسكرية الساحقة والتمكن من هزيمة المقاومة مؤقتاً. في 1957 لجأ الجنرال الفرنسي راؤول سالان ايضاً لبناء جدار أمني على الحدود الجزائرية مع المغرب وتونس. \r\n \r\n غير ان النصر العسكري الفرنسي لم تمكن ترجمته الى نجاح سياسي وإنما كل ما فعلته هو زيادة التأييد الشعبي للمقاومة. بعض الاسرائيليين يجادلون اليوم بأن الفرنسيين قد استخدموا طرقاً أكثر وحشية في الجزائر. ومع ذلك فإن هذه الاجراءات على الرغم من لا قانونيتها ولا أخلاقيتها كانت بوضوح فاشلة. \r\n \r\n إن النصر في معركة الجزائر لم يجعل الاحتلال أكثر قابلية للاستدامة أبداً. غير أنه ترك وصمة وجرحاً في الضمير الجماعي الفرنسي لأجيال. «ان الفساد الاخلاقي لمجتمعنا نتيجة للاحتلال» الذي يشتكي منه الاسرائيليون، كانت له أبعاد عميقة جداً في الثقافة والمجتمع الفرنسيين والجدل بشأنه لا يزال دائرة. الجزائر حصلت على استقلالها من فرنسا، مثلما ستستقل فلسطين. \r\n \r\n والسؤال الآن كما كان حينها يخص التكاليف فقط التي ستدفع من الموارد والأرواح على الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. إن هناك ايضاً استنتاجات اخرى يمكن التوصل إليها من اعادة النظر في التجربة الجزائرية، فالتواضع هو سمة ينصح التحلي بها لكل من يتحدث عن شعب خاضع للاحتلال واستراتيجياته التحررية، خصوصاً حين تأتي من جانب القوة المحتلة. \r\n \r\n لكن الجزائر المدمرة حالياً، الممزقة بين قيادة جبهة التحرير الوطنية السابقة الفاسدة والمتشددين يمكن القول انها تضرب جذورها في القتال من أجل الاستقلال حين كان الجزائريون يهاجمون المدنيين الفرنسيين في المطاعم والباصات. \r\n \r\n والجزائريون حال الفلسطينيين اليوم، جادلوا بأن العنف ضد المدنيين كان السبيل الوحيد الأخير المتاح لهم. وعن ذلك يقول قائد جبهة التحرير الوطني «اعطونا دبابات وطائرات وسنتخلى عن الترويع» فالترويع في كلا الحالتين كان يستخدم ليس ضد الطرف الآخر فحسب، بل وضد طرفهم ايضاً في ملاحقة العملاء والذي تحول الى ذريعة لعنف داخلي اكثر ضراوة. غير ان ثمن العنف الضاري يمارس من جانب المقاومين والمحتلين ايضاً. \r\n \r\n الجزائريون عمقوا ثقافة الترويع في استقلالهم. والاستعداد للاستقلال لا يتطلب قتالاً ضارياً ضد قوات الاحتلال فحسب، بل ونسخة عملية من مجتمع ونظام حكومي عقب التحرير. وهذا لا يعني ان على الفلسطينيين الا يهتموا بالخطب التي توجه اليهم عن الديمقراطية والفساد من جانب اسرائيل والولايات المتحدة. \r\n \r\n فجورج بوش وارييل شارون هي نموذجان مثاليان عن انعدام العدل وغياب الديمقراطية، غير ان حركات التحرر الاخرى قد توفر لهم بعض الاشارات. فالتزام المؤتمر الوطني الافريقي بممارسة القدر الأدنى الممكن من العنف ضد المدنيين في الصراع ضد نظام التفرقة العنصرية هذا الالتزام لم يفلح فحسب في كسب التأييد الدولي بل وارسى اسس مجتمع أفضل بعد التحرير. \r\n \r\n جبهة التحرير الوطنية الجزائرية قدمت نموذجاً ألهم الفلسطينيين الذين رأوا كيف يمكن لحركة متواضعة التجهيز ان تهزم قوة عظمى. لكن ان كان لنجاح الصراع الجزائري من اجل التحرر ان يكون مصدراً للإلهام، فإن الجزائر المستقلة هي ايضاً نذير لهم. \r\n \r\n غير انه تبقى هناك اوجه خلاف بين الصراعين الجزائري الفرنسي والفلسطيني الاسرائيلي، الفرنسيون عقب مرحلة من البحث عن الحقيقة تمكنوا من اتخاذ قرار الرحيل وعدم النظر للوراء. مثل هذا الخروج احادي الجانب هو ما يريده معظم الاسرائيليين. مع ذلك فإن الفانتازيا الاسرائيلية حول اقفال الباب على الفلسطينيين وعدم رؤيتهم ثانية ليست سوى وهم. \r\n \r\n الاسرائيليون والفلسطينيون محكومون قدرياً بالتاريخ والسياسة والاقتصاد والجغرافية بأن تكون حياتهم ومستقبلهم متداخلين. وبدلا من السعي وراء بحر يفصل بين الجانبين في غمرة التوصل لتسوية تقوم على دولتين، سيكون هناك الحد الادنى من التعاطف كما ان القدس ومخيمات اللاجئين ستبقى قضية قابلة للانفجار حتى في اكثر السيناريوهات تفاؤلاً. \r\n \r\n وهذا قد يكون دافعاً للجانبين للتعلم من مناسبة ذكرى سنوية حلت قريباً: في هذا العام يمر عقد على تحقيق حكم الاغلبية في جنوب افريقيا التي قامت لجنة الحقيقة والمصالحة فيها بالكشف عن الفظائع التي ارتكبت بطريقة تهدف لتحقيق المصالحة والتعايش الممكن تحقيقه. هذا هو الاتجاه الذي يجب علينا ان نتحدث فيه في الشرق الاوسط. \r\n \r\n