\r\n ويذكر سقوط بلير بسقوط إيكاروس، فلقد دخل رئيس الوزراء البريطاني في 2 مايو 1997 الى 10 داوننغ ستريت، بعد أن سحق المحافظين، وحظي بأغلبية في البرلمان وكان يُنظر إليه في أوروبا بتقدير من قبل قادة متشبثين بغالبية هزيلة. وكان قد ارتبط بصداقة وثيقة العرى مع بيل كلينتون. \r\n \r\n كانت ثورته على أهبة الاستعداد للانطلاق. لكن بلير رغب بإلغاء النظام الانتخابي المشابه للنظام الأميركي، الذي يعتبر فيه المرشح الفائز هو من يتلقى غالبية الأصوات، وفرض مكانه نظاماً نسبياً على النمط الأوروبي. \r\n \r\n كما أراد تحالفاً مع الحزب الديمقراطي الليبرالي، أي الحزب الثالث في البلاد، بهدف إنشاء كتلة من يسار الوسط تشغل السلطة خلال قرن من الزمن، وتقنع البريطانيين بإحلال اليورو مكان الجنيه الاسترليني ودفع بريطانيا إلى «قلب أوروبا» وإلى الاتحاد الأوروبي. كما وعد بتحويل الخدمات العامة إلى أفضل خدمات في القارة وبسحق الجريمة. \r\n \r\n وكانت شعبيته كبيرة إلى درجة أنهم قلائل جداً هم الذين تجرأوا على القول إن «ذلك لن يجدي». لكن بعد مضي سبع سنوات، يبدو أن أياً من تلك الأهداف لم يتحقق، مما جعل خيبة أمل الشعب عارمة.لقد امتثل بلير لنصائح مستشاريه، الذين قالوا إنه لا يحتاج إلى الديمقراطيين الليبراليين، فاستبعدهم. وكان واثقاً أشد الثقة من انتصارات لاحقة انتظرها لإقناع زملائه الذين غيروا النظام الانتخابي.وأفادت استطلاعات الرأي أنه سيكون جنوناً اقتراح استفتاء شعبي لإلغاء الجنيه الاسترليني. \r\n \r\n وعلى الرغم من تحصيل المليارات عن طريق الضرائب، إلا أن الخدمات العامة تُظهر تحسينات طفيفة وشحيحة. أما الهجرة غير القانونية والجريمة، فإنهما من المشكلات العصيّة على الحل. \r\n \r\n لكن إذا كانت هناك من كلمة يمكنها تفسير هبوط بلير، فتلك الكلمة هي العراق. ففي عام 2002، قايض هذا الحرباء البشرية علاقته الوثيقة مع بيل كلينتون لقاء صلة مع جورج دبليو بوش. والعلماء ارتعشوا من وقع المفاجأة. فلقد كان تحول بلير كلياً. وبعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، انعكس تضامن بلير مع الولاياتالمتحدة في 70% من دعم الشعب البريطاني واستمرت استطلاعات الرأي تعكس شعبيته المرتفعة عندما أرسل قوات بريطانية إلى أفغانستان لدعم الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وهُزمت حركة طالبان، وتحول أسامة بن لادن إلى هارب، وأغلقت معسكرات التدريب في أفغانستان وقيادة القاعدة إما قتلت أو اعتقلت، ولم يكن لدى البريطانيين أي شكوى. \r\n \r\n ثم جاءت قضية العراق، حيث لم يناقش أحد الطرح القائل بأن صدام حسين كان مسخاً وقاتلاً وأن أبناءه وقادته كانوا وحشيين. لكن التدخل العسكري من أجل الإطاحة به قام على اتهامات بلير التالية: كان صدام شريكاً في الإرهاب مع «القاعدة»، وكان يملك أكبر ترسانة تسلحية بيولوجية وكيماوية، وكان بإمكانه أن يُطلق أسلحة في غضون 45 دقيقة لتصل إلى القواعد البريطانية في قبرص، وكان قد حاول الحصول على اليورانيوم من النيجر. \r\n \r\n الكثير من أعضاء البرلمان العماليين عارضوا المشاركة البريطانية فيما بدا هاجساً شخصياً يخص البيت الأبيض، ورفض الديمقراطيون الليبراليون مساندة الحرب، ودعم المحافظون بلير والولاياتالمتحدة، لكنهم حذراهما من أنه من الأفضل أن تكون اتهاماتهما جدية. ومع أن البرلمان ساند الحرب، إلا أن 38 نائباً عمالياً صوتوا ضد رئيس وزرائهم. \r\n \r\n وتجسدت الحملة العسكرية كضربة صاعقة، لكن بعد مرور شهر على النصر، بدأت تظهر أولى همسات الحقيقة، همسات تحولت إلى صراخ، إذ لم يكن هناك صلات بين صدام و«القاعدة»، ولم يكن هناك أسلحة دمار شامل، ولا أية بعثة عراقية للنيجر للحصول على اليورانيوم. لم يكن هناك سوى نعوش عائدة للوطن من العراق ملفوفة بالأعلام. \r\n \r\n البريطانيون لا يخشون الحرب، لقد أرسلوا مراقبيهم إلى البوسنة وسيراليون وكوسوفو ومقدونيا وأفغانستان، لأن بلير قال لهم إن ذلك هو ما كان يجب فعله. ومع أنه لا يسعدهم التعرض للخسائر، إلا أنهم يعرفون كيف يحبسون دموعهم، ويكرهون من يخدعهم. \r\n \r\n هل تلقى بلير معلومات مزيفة أم أدرك منذ البداية أن المسألة كلها كانت أكاذيب؟ ذلك هو السبب الذي يمكن أن يقرر مصيره الانتخابي. علماً بأن بلير يصر على أنه كان يجهل أن ما كان يقوله لنا لم يكن صحيحاً، لكنه يرفض الاعتذار عن كونه أخطأ. \r\n \r\n وعلى خلاف الكثير من الأميركيين، فإن البريطانيين ليسوا متدينين بشكل معلن. وبالتالي فإن التعاليم المسيحية التي يُطلقها بلير لتقويم العالم، بدأت تبدو كطرح ديماغوجي. \r\n \r\n لقد تم تداول شائعات مدسوسة لاستبدال توني بلير ليحل محله غوردون براون، وزير المالية. وإذا كانت الانتخابات في يونيو 2005، فلربما يكون من المتأخر جداً تبديل الحصان.ويحاول بلير الحصول على فترة حكم ثالثة، لكن لديه ثلاث نقاط، ضعف، وضع الخدمات العامة، الذي سيبقى مريعاً بكل تأكيد، وكونه لا يزال متعصباً للاتحاد الأوروبي في بلد فقد حماسه لبروكسل، وكون العراق لا يزال يلقي بظلاله على السياسة الداخلية. \r\n \r\n \r\n