والفراعين، هى صناعة قديمة وجدت فى كل زمان ومكان ولها أسواقها الرائجة فى الغرب والشرق على حد سواء، حيث يقوم أصحاب هذه الصناعة بإنزال صفات على الحاكم تخرجه عن كونه بشر يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويبول ويتغوط، وإن كانت أمتنا العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة لها قصب السبق فى هذه الصناعة العريقة، فمثلا هذه صورة قديمة ترجع إلى عقد الخمسينيات وقت أن كان السيسي فى اللفة أو بيلعب فى......... وهى لطفل بورسعيدى يدعى محمد صبحى الأتربى يؤدى التحية للرئيس عبدالناصر، ولكن حاول صناع الطغاة إلا أن ينسبوها للسيسي كما فعل الهالك معمر القذافى عندما أراد أن يقنعنا بأن الطفل (على) الذى التقط نظارة الشهيد عمر المختار بعد إعدامه كان هو معمر القذافى. وقبل أيام نعت أحد شيوخ السلطان طاغوتين بأنهما رسل الله (يقصد وزير الداخلية ووزير الدفاع السيسي)، وآخر قال أن الله قابل السيسي (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا)، وثالث خاطب السيسي بقوله وجئت على قدر ياموسى مقتبسا من القرآن الكريم ما يحاول أن يثبت به نفاقه وخداعه، ولكن ماذا نفعل بصانعى الطواغيت والفراعنة الذين يقدسون الفرد من دون الإله، والذين يأبوا إلا أن يضفوا على بعض النكرات الممسوخة هالة من العظمة والنفخة الكدابة. وفى مصر بلد العجايب قالوا أن الملك فاروق ينحدر من آل البيت وهو سليل أسرة محمد على باشا القادم مع الحامية العثمانية من بلاد الأرناؤوط ألبانيا حاليا وتاجر الدخان المعروف، ومدح محافظ اسيوط عبد الناصر يوما قائلا له (إذا كان موسى جاء بالتوراة وعيس جاء بالإنجيل ومحمد جاء بالقرآن فأنت ياسيادة الرئس جئت بالميثاق). وكم قالوا عن الرئس السادات الرئيس المؤمن وقد قال له هنرى كيسنجر مرحبا به (أن الله خلق الدنيا فى ستة أيام وخلق السادات فى اليوم السابع ) على أنه يمكن القول أن هذه الصناعة برع فيها حتى أجدادنا فالبابليون صنعوا من النمرود طاغية يقول: (أنا أحى وأميت) والفراعنة هم الذين جعلوا الفرعون يقول: ( أنا ربكم الأعلى)(ماعلمت لكم من إله غيرى) ولما وصل لقمة طغيانه لم يعد يرى إلا نفسه حيث قال مستخفا بمن حوله (ماأريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). ومن قبل قال اليمانيون لملكة سبأ مع إنها أنثى (والأمر أليك فانظرى ماذا تأمرين)، وإن كان البعض يحاول أن يضع ذلك فى سياق الشورى، لكن من حاول ذلك فلم يصب النجعة ،ثم جاء الإسلام ليمنع تقديس الإشخاص وعبادة الأجساد، فالقرآن يقول عن سيد ولد آدم (ومامحمد إلارسول قد خلت من قبله الرسل) ويقول هو عن نفسه مهونا من شأنها (ما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة) وسار على دربه خلافاؤه الراشدون فالصديق يقول عند ولايته (إنى وليت عليكم ولست بخيركم)، وقال عمرالفاروق عندما نصحته السيدة خولة بنت ثعلبة، فقال لها أحد مرافقيه لقد أثقلتى على أمير المؤمنين فقال (لاخير فيكم إن لم تقولها ولا خير فينا إن لم نسمها). وصارت الأمة قرونا على درب نبيها، حتى بدأت صناعة الطواغيت تطل برأسها من خلال الشعراء والأدباء والمفكرين والمثقفين الذين ساهموا بنصيب وافر فى تنمية هذه الصناعة، والتى وجدت هوى فى نفوس حكام ذلك الزمان حيث قال أبو العتاهية للمهدى مادحا إياه بقوله :ألا ما لسيدتى مال أدلت فأجمل إدلالها أتته الخلافة منقادة تجرجر أذيالها . فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها. ولو رامها أحد غيره لزلزلت الأرض زلزالها. ولو لم تطعه بنات القلوب لما قبل الله أعمالها . وبلغ التطاول فى المدح مداه وإضفاء صفات الألوهية على الحكام عندما قال ابن هانئ الأندلسى للمعز لدين الله. ماشئت لا ماشاءت الأقدار فأحكم فأنت الواحد القهار. وهذه الصناعة غالبا ماتبدأ بتلفيق الصور مثل صورة هذا الطفل أووضع صورة الطاغوت على صورة ملفقة، كما وضعوا صورة السيسي على صورة غلاق كتاب سرقة أمة، أو قصة الطفل (على) ثم بعد ذلك يتم نشر صور الطاغوت على المصالح والدواويين الحكومية وإقامة التماثيل له فى الشوارع العامة، واختراع بطولات وهمية، مثل صاحب الضربة الجوية الأولى وبطل الحرب والسلام ورجل المرحلة إلى ماهنالك من الأوصاف الطاغوتية.