الحب اختيار، والكاريزما منة من الله يمنحها من يشاء، ورضا الناس وقبولهم لا يٌصنع ولا يشترى وإنما هو مطر قدرى، ونخيل ربانى. أقول قولى هذا واستغفر الله للذين يزمروّن ويطبلون ويفرعِنون الفريق عبد الفتاح السيسى الذى لا يحتاج نفاقهم ولا ينتظر حملاتهم ودعاياتهم ولافتاتهم . إن مثل هؤلاء كمثل سدنة كل حاكم، وشلة كل نظام شرقى يقودونه نحو التسلط ويدفعونه إلى الاستبداد. يرون كل ما يفعل حقاً، وكل ما يقول صوابا، ويعتبرون كل من يختلف مع ممدوحهم عميلاً وجاسوساً وخائناً للوطن والشعب. ينزهونه كنبى ويوقّرونه كولى ويقدسونه كإله. يتحدثون باسمه فى كل محفل، ويحرضون على معارضيه فى كل مشهد، ويصفقون يصفقون يصفقون حتى تتلوى أكفهم ألما ومللا. هؤلاء لا يحتاجهم «السيسى» ولا يفيدونه. هم مسامير صدئة فى جوانب منبره. أرزان عالقة بحلته المهيبة، غبش متناثر فوق نظارتيه، تشويش متكرر على مسمعه. رجال أعمال بلا أعمال سوى التطبيل والتهليل لكل من يحكم أو يسعى نحو مقعد الحكم. أقلام مرتزقة تؤجر ضمائرها وقلوبها لمَن يدفع، وأنصاف موهوبون يبحثون عن الشهرة من خلال اسم الرجل. راقصة مسفة ترقص بخلاعة تحت صورة الرجل لتسرق نجومية وهمية وتدعى «وطنية» خيالية. لقد هالنى أن يسقط رجل دين عفيف اللسان فى شراك حملة المباخر ليقول فى مؤتمر علنى أن «المشير السيسى أرسله الله إلينا كما ارسل سيدنا موسى إلى فرعون». لا تثريب على الرجل فيما لم يفعل، ولا ظلال من سوء تطاله، لكن الصمت تجاه «زفات» التأليه قد يحوّل المشهد إلى ما يكره الناس، وما يمقتون، كما أن عليه أن يدرك أن هؤلاء «الهتيفة» سيطلبون منه فيما بعد «سداد الفواتير» أو رد الجميل. حتى لو كان «السيسى» هو الرجل المنتظر، حتى لو كان الخير بيمينه، حتى لو كان الأصلح والأفضل والأكثر قبولا، حتى لو كان هو المفتاح السحرى لأزمات الوطن، فالمدح الزائد يفضى إلى الديكتاتورية، والديكتاتورية الحادة تقود إلى التخلف والضياع. لم يكن الذين كبروا من أهل الفساد والرابحون مدركين أن الناس وعت، وأن الشباب صار لهم رأى وفكر واختيار. تصور هؤلاء أن التاريخ يقف وأن الطريق أمامهم لصناعة مبارك جديد أو ناصر حديث وأن ذات اللعبة مقبولة من الناس. تصوروا أن الشاعر ابن هانىء مازال قادرا على اللعب فى دماغ البسطاء مثلما كان يحدث قبل قرون عندما قال للخليفة: «ماشئت لا ماشاءت الاقدارُ / فاحكم فانت الواحد القهار ُ / وكأنما أنت النبىُ محمدٌ / وكأنما أنصارك الأنصارُ». حسبوا أن أغنية المبدع الراحل صلاح جاهين «بالاحضان» وكلماتها الساذجة «وزعيمك خلاكى زعيمة» يمكن أن تترجم لمصر الجديدة التى تصنع هى زعماءها ولا تنتظرهم ليحولوها إلى «زعيمة». ليسوا عبيدا لكنهم اختاروا أن يكونوا عبيداً.. طبلوا وزمروا وهللوا، واعتادوا التصفيق والانحناء، لكن الانحناء مُر كما يقول عمنا الجميل أمل دنقل، والله أعلم.