وضعت نتيجة الانتخابات الوطنية الهندية، والتي حقق فيها حزب «بهاراتيا جاناتا» المعارض، الولاياتالمتحدة في وضع لا تُحسد عليه. وسُرعان ما سيصبح رئيس الحزب الفائز، ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، وهو الذي كانت واشنطن قد رفضت في عام 2005 منحه تأشيرة لدخول البلاد، متذرعة بقانون يحظر زيارات المسؤولين الأجانب المسؤولين عن انتهاكات فاضحة للحرية الدينية. وكان مودي، وهو رئيس وزراء ولاية غوجارات في حينه، قد اتُّهِم بعدم اتخاذ ما يلزم لوقف الاضطرابات الطائفية في عام 2002، والتي خلفت ما لا يقل عن ألف قتيل، غالبيتهم من المسلمين. ومن المتوقع أن يكون من تداعيات فوز حزب «بهاراتيا جاناتا»، نشاط في العلاقات بين واشنطن ونيودلهي، وهي العلاقات التي تضررت في الأشهر الأخيرة. ورغم ذلك، ثمة حلقة مفقودة في الحديث عن العلاقات الأميركية الهندية، فرغم التصريحات الصاخبة عن شراكة عميقة في السنوات الأخيرة، فإن العلاقة بين البلدين تعاني منذ عقود، ودخلت في أزمة سحيقة في ديسمبر الماضي عندما تم اعتقال الدبلوماسية الهندية «ديفيان خوبراجيد» وتفتيشها ذاتياً في نيويورك. وكانت العلاقة الثنائية بين واشنطن ونيودلهي متأزمة بشكل كبير طوال سنوات الحرب الباردة، عندما وقعت الهند على معاهدة صداقة مع موسكو. وبينما أدت الإصلاحات التحررية في الهند في بداية تسعينيات القرن المنصرم، إلى تهدئة العلاقة بين البلدين، فإن عقوداً طويلة من غياب الثقة والعداء حالت دون مزيد من التحسن. ويُساور نيودلهي القلق بشأن جهود واشنطن الرامية إلى تعزيز علاقاتها مع باكستان، ويتهم كل طرف الآخر بتبني سياسات حمائية. وإلى ذلك، تعتقد نيودلهي أن الولاياتالمتحدة لا تقدر نفوذ الهند المتزايد عالمياً، رغم أن واشنطن تريد من الهند بذل المزيد لتعزيز الاستقرار الإقليمي. ولم يحل ذلك دون سعي الدولتين لتعزيز العلاقات، وخلال الأعوام التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، تحدث بوش الأب ورئيس الوزراء الهندي «مانموهان سنغ» عن شراكة إستراتيجية، ووصفا اتفاقية التعاون النووي المدني بين بلديهما بأنها حجر الزاوية في هذا التقارب. ومن جانبه، أعرب الرئيس أوباما عن اعتقاده بأن العلاقات الأميركية الهندية ستكون واحدة من الشراكات المحددة للقرن الحادي والعشرين. لكن تلك الطموحات أخفقت، لاسيما أن الاتفاق النووي الذي صاحبه صخب إعلامي لم يحقق سوى النزر اليسير، إذ تعتقد الشركات الأميركية أن الهند تقدم بتدابير حماية غير كافية. وقد سعى أوباما من أجل استعادة حسن النية بإيماءات رمزية، فكان عشاءه الرسمي الأول معد لسنغ، وفي عام 2010 صادق على فكرة المقعد الهندي الدائم في مجلس الأمن الدولي. ورغم ذلك، أحبطت عوامل أخرى، من بينها انشغال الولاياتالمتحدة الكبير بالحرب في أفغانستان وحادث الدبلوماسية الهندية خوبراجيد، الجهود الرامية لتعزيز العلاقة بين الجانبين. وقد آن الأوان من أجل خفض التوقعات وبدء الإقرار بوجود عقبات ووقف الحديث عن شراكة استراتيجية. وليس المقصود من ذلك التقليل من أهمية العلاقة، خصوصاً أنه سيكون من الحماقة أن تتغافل واشنطن عن تعزيز علاقتها مع الديمقراطية الأكبر في العالم، كما أن الهندوالولاياتالمتحدة تتقاسمان قيماً مشتركة ومصالح استراتيجية، تشمل القلق المشترك بشأن التسلح النووي لباكستان ونهوض الصين. وإضافة إلى ذلك، ثمة قصص نجاح ميزت العلاقات بين البلدين، من بينها العلاقات الاقتصادية القوية والتعاون البحري وما يربو على ثلاثة ملايين أميركي هندي. وفي الحقيقة، يمكن أن تساعد حكومة هندية بقيادة حزب «بهاراتيا جاناتا» على إعادة الزخم إلى العلاقة بين البلدين، وقد أشار مودي بالفعل إلى أن الدولتين حليفتان بالفطرة، وبالنظر إلى شهرته كإصلاحي اقتصادي جريء، فإن مودي مؤهل تماماً للتعامل مع التوترات المتعلقة بالجانب التجاري في العلاقة. ورغم ذلك، لن تُطوى مسألة رفض تأشيرة مودي في عام 2005 وغضبه بشأنها بسهولة، وفي حين أشار المسؤولون الأميركيون إلى أن رئيس الوزراء الهندي الجديد لن يواجه أية مشكلات في زيارة الولاياتالمتحدة، فإنه سيكون على واشنطن إزالة كافة العقبات الرسمية، بما في ذلك زيارة دبلوماسية رفيعة المستوى إلى نيودلهي. والأكثر أهمية، على واشنطن أن تعين سفيراً جديداً لدى الهند بعد أن استقالت نانسي بول العام الجاري، ولابد أن يكون السفير الجديد اسماً بارزاً حتى يكون له قبول في الهند، وليكن في مستوى نيكولاس بيرنز، الدبلوماسي رفيع المستوى الذي تفاوض على الاتفاق النووي مع نيودلهي. وما من توقيت أنسب للمصالحة، إذ أبرزت رحلة أوباما الأخيرة إلى آسيا التزام البيت الأبيض المستمر بإعادة التوازن إلى المنطقة. ولا شك في أن تمدد النفوذ الإقليمي المتزايد للصين، سيؤدي إلى التأكيد على المصالح الأميركية الهندية الأساسية. وفي هذه الأثناء، يوفر الانسحاب الأميركي من أفغانستان فرصة حيوية للانخراط بصورة أفضل مع الهند التي باتت ضحية في الأعوام الأخيرة للرؤية الاستراتيجية الأميركية التي هيمنت عليها العلاقات بين «أفغانستانوباكستان». ولعله من غير المقدر أن تكون الولاياتالمتحدةوالهند شريكين استراتيجيين، لكن يمكنهما، وينبغي لهما، أن تتمتعا بعلاقات جيدة، بغض النظر عن من هو موجود في سدة الحكم. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية