إن الغموض الكئيب الذي أحاط برحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم ،370 التي اختفت في الثامن من مارس/ آذار وعلى متنها 239 راكبا، ربما يُحَل ولو جزئياً في غضون بضعة أيام . فالآن تطوف مركبات البحث تحت الماء في نطاق مساحة يبلغ عرضها بضعة كيلومترات فقط وسط جنوب المحيط الهندي الرحب، على بُعد نحو 2000 كيلومتر شمال غرب بيرث . هذا هو المكان المرجح الذي نَفَد عنده وقود الطائرة "البوينغ 777" فسقطت وتحطمت، وفقاً لتحليل أجرته شركة "إنمارسات" من المملكة المتحدة وخبراء طيران بريطانيون للإشارات المتواصلة المرسلة بطريقة أوتوماتيكية من الطائرة إلى مركبة الفضاء التابعة لشركة إنمارسات في مدار حول الأرض . والأمر الأكثر إثارة للتفاؤل أنه حيث تصدر الإشارات، التي يفترض أنها كانت آتية من جهاز تحديد المواقع المثبت بمسجلات الطيران على الطائرة (الصندوق الأسود)، تم التقاط إشارات في الخامس من إبريل/ نيسان وعلى مدى الأيام التالية من قِبَل جهاز أمريكي لرصد نبضات السونار يجري سحبه بوساطة سفينة "درع المحيط" التابعة للبحرية الأسترالية . وتقول سلطات الدفاع الأسترالية التي تتولى تنسيق عمليات البحث الآن إن اكتشاف حطام ربما يقبع على عمق 5 .4 كيلومتر على قاع البحر سوف يكون أشبه بالعثور على إبرة في كومة قش . ومن الواضح أن أية عملية استخراج لاحقة سوف تظل تشكل تحدياً كبيراً . ولكن المسؤولين على ثقة من أنهم وجدوا كومة القش على الأقل . خلال الأيام الأولى من البحث، حدثت كل الأخطاء التي من الممكن أن تحدث من البيانات التي تم تجاهلها أو أسيء فهمها إلى الاتصالات الضعيفة والموارد الرديئة التنسيق السيئة التخصيص مع استمرار التركيز على مسار الطائرة المقرر من كوالالمبور إلى بكين . وكان الإحباط شديداً حتى عندما تحول البحث إلى المحيط الهندي، بعد فشل موارد بحرية وجوية هائلة في العثور على أي أثر لحطام على السطح . ولكن رغم الإحباطات السابقة، بل وربما الإحباطات الأكبر المقبلة، فإن القصة الأكبر والأكثر أهمية في البحث عن الطائرة الماليزية المفقودة هي التصرفات الصائبة التي تمت . فببساطة، كان الأمر استعراضاً رائعاً للكيفية التي تعمل بها الاستجابة لمأساة إنسانية على التوحيد وليس التفريق، وتعزيز دافع التعاون بدلاً من المواجهة . وقد شهدت تلك الأحداث على الحس السليم لدى هؤلاء الذين زعموا لسنوات في مجموعة متنوعة من السياقات الآسيوية والعالمية أن عمليات البحث البحرية والإنقاذ والإغاثة من الكوارث تشكل فرصة مثالية للبدء في خلق آليات بناء الثقة التي تهدف إلى إرساء الأساس لمنع الصراعات وحلها . فقد شمل البحث قدراً غير مسبوق من التعاون الدولي، أولاً في بحر الصينالجنوبي ثم في المحيط الهندي، من مجموع 26 بلداً . والأمر غير العادي هنا هو أن العديد من هذه البلدان (مثل الصينواليابان والفلبين وماليزيا وكوريا الجنوبية وفيتنام) كانت مشتبكة في نزاعات إقليمية وغير ذلك من النزاعات، في حين كانت بلدان أخرى (وخاصة الصين والولايات المتحدة) تتبادل الشكوك بشأن الدوافع والنوايا الجيوسياسية لكل منها . الواقع أن التعاون الوثيق من جانب أستراليا طوال عملية البحث مع الصين التي يشكل مواطنوها نحو ثلثي ركاب الطائرة المنكوبة، التي كانت مواردها البحرية والجوية مكرسة على نحو متصل لدعم الجهود المشتركة آتى ثماره بشكل مباشر . وهي الثمار التي تمثلت في الزيارة الناجحة للغاية التي قام بها رئيس الوزراء توني آبوت إلى الصين في وقت سابق من هذا الشهر . فقد تم التوصل إلى اتفاقية تجارية بالغة الأهمية، وتم التغاضي عن احتضان حكومة آبوت الجديدة على نحو مستهجن ومحرج للزعامة الأمريكية في المنطقة، والخطأ الساذج الذي ارتكبته بوصف اليابان باعتبارها "صديقنا الأفضل في آسيا" (الصيغة الصحيحة في هذه الحالات هي "ليس لدينا صديق أفضل من . . .") . من المغري أن نقترح أن أمن أستراليا في الأمد البعيد قد يكون من الممكن ضمانه حتى بدرجة أكبر من خلال إنفاق بضعة ملايين من الدولارات على أجهزة تحديد المواقع بالنبضات الصوتية والغواصات غير المأهولة، بما تحمله من أجهزة السونار وآلات التصوير، وبعض البنية الأساسية البحرية الجادة لدعمها، بدلاً من التفكير في إنفاق 20 إلى 40 مليار دولار لتجديد وتوسيع أسطول الغواصات القتالية الأسترالي الذي أصابته الشيخوخة . وليس من قبيل السذاجة التامة، كما قد يبدو الأمر، أن نتصور أن تعزيز السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادي بالكامل، فضلاً عن الأجزاء الأخرى من العالم المضطربة بالقدر نفسه، ممكن من خلال تكريس المزيد من الموارد والجهود لدعم الاستراتيجيات الأمنية المشتركة بدلاً من الاستراتيجيات العسكرية التقليدية . إن البحث عن الأمن مع الآخرين وليس ضدهم، والتركيز على السبل التعاونية لتحقيق المنافع العامة العالمية والإقليمية، يبدو أكثر إنتاجية من إطلاق العنان للمشاعر القومية الفظة والتخطيط لوسائل متطورة وباهظة التكاليف لتدمير بعضنا بعضاً . إن البحث عن طائرة رحلة الخطوط الماليزية رقم 370 أظهر بشكل مصغر حجم المكاسب التي قد تتحقق لنا من خلال التعاون السلمي . ولابد أن يساعدنا هذا أيضاً في تركيز اهتمامنا على كم المكاسب التي قد نخسرها في عالم اليوم العالم الأكثر ترابطاً وتشابكاً من العالم الذي انفجر في عام 1914 إذا فشلنا في تطبيق هذه الدروس على علاقاتنا الدولية الأوسع نطاقا . إن العالم يصبح مكاناً أكثر أماناً وتعقلاً عندما تبحث الدول عن أرضية مشتركة نستطيع جميعاً أن نعمل معاً انطلاقاً منها . نوع المقال: سياسة دولية