لقد وصلنا إلى لحظة قد تكون هي الحاسمة في الجهود الدولية الإنسانية والسياسية المجتمعة لاحتواء الأزمة السورية التي تدور بالتسلسل في فلك يناير، بحيث اجتمع في باريس أمس وزراء خارجية ما يُعرف بالمجموعة الأساسية من أصدقاء سوريا. ويتبع ذلك في 15 يناير، مؤتمر الكويت الدولي الثاني للمانحين للشعب السوري، الذي يهدف إلى الاستجابة للنداء الإنساني الذي أطلقته الأممالمتحدة لدعم سوريا. جهود دولية حثيثة تعوّل كلها على الموعد المرتقب والمأمول لمؤتمر "جنيف 2" في سويسرا 22 الجاري. لا يخفى على أحد أن طريق الوصول الى جنيف محفوفة بكثير من التعقيدات والصعوبات. فبعد 3 أعوام من الصراع الدامي الذي لم يولّد إلا الموت والدمار، قد تتشح محادثات السلام بملامح قاتمة تنذر بكثير من العوائق. نحن نحترم ونتفهم تحفظات بعض أعضاء المعارضة عن الجلوس مع والتحدث إلى الجهات التي ارتكبت جرائم فظيعة ضد الشعب السوري. لكننا على اقتناع ثابت بأن لا بديل من عملية جنيف، وأن لا مخرج آخر لتفاقم الأزمة السورية غير الحل السياسي – هذا ما أجمع عليه جميع اللاعبين الدوليين الرئيسيين. لذلك، ستستمر المملكة المتحدة في خوض معركتها الديبلوماسية للضغط باتجاه حلّ ديبلوماسي للأزمة السورية، والحض على إجراء المحادثات، مهما بدت صعبة، في محاولة لإقناع المعارضة المعتدلة أن المشاركة في "جنيف 2" إنما لا تصب فقط في مصلحتها بل في مصلحة الشعب السوري كلّه. وما بدأ يتمخض عن الأجواء التي تلف هذه الجهود، تناقل بعض الترجيحات لكون بشّار الأسد الخيار الأقل سوءاً في سوريا إزاء تنامي موجة التطرف المتصاعد، وهو أمر لا يعبر إطلاقا عن وجهة نظر حكومة المملكة المتحدة. يجب أن لا ننسى أن نظام الأسد هو الذي يتحمل المسؤولية عن جرّ سوريا إلى الهاوية وإغراق شعبها في مستنقع الحرب الضروس التي تشهدها اليوم. وعلى الصعيد الإنساني، هو الذي يقف وراء استراتيجية "الاستسلام أو الموت جوعا" التي ينتهجها والتي حرمت أكثر من 200 ألف شخص من الغذاء والدواء. نظام الأسد هو جذر المشكلة لا الحل، فبذبحه لشعبه، فقد شرعيته، وتالياً إن المملكة المتحدة ترى انه لا يمكن أن يلعب أي دور في مستقبل سوريا. أمام كل ذلك، يقف النظام والمعارضة معاً، أمام استحقاق وطني يقضي بتأمين مستلزمات الوصول إلى صيغة حل سياسي مبني على تشكيل حكومة انتقالية وطنية كاملة الصلاحيات بالاعتماد على مقررات "جنيف 1". في مقابل ذلك، إن وضع الشعب السوري أمام إما اختيار الأسد من جهة أو المتطرفين من جهة أخرى، من شأنه هذه المرة أن يضرب عرض الحائط الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي سلمي يهدف إلى بناء سوريا ديمقراطية قائمة على التعددية. كلما استمر أمد الصراع، تقلّص هامش الحل، وتضاعفت وتيرة العنف والتطرف الذي يستغله التطرف والنظام على حساب الشعب السوري، ليمتد بذيوله إلى بلدان أخرى في المنطقة، كما رأينا في الآونة الأخيرة في العراق ولبنان. وسط كل هذه البلبلة، المطلوب هو قيام معارضة معتدلة، لأن أحداً لا يريد استبدال الاستبداد في سوريا بنوع آخر من الاستبداد، وهذا هو السبب وراء تصميم المملكة المتحدة على زيادة وتعميق دعمها للرئيس أحمد الجربا و"الائتلاف الوطني" المعارض، وإقناعه بضرورة المشاركة في مؤتمر "جنيف 2". نوع المقال: سوريا سياسة دولية