يتساءل الكثير من المحللين والخبراء حول امكانية تطبيق التجربة الديموقراطية التركية الناجحة في دول الربيع العربي، حيث يتوقع البعض نجاح النموذج التركي في دول الربيع العربي، بينما يرى آخرون صعوبة تطبيقه في ظل حالة الاستقطاب بين التيارين الإسلامي والعلماني في هذه الدول. وقال راديو صوت أمريكا في تقريرأورده أمس الثلاثاء على موقعه الإلكتروني إن تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا قد تكون أحد التجارب المناسبة للتحول الديموقراطي في دول مثل تونس، التي تعد مولد ثورات الربيع العربي، وكذلك في مصر، خاصة بعد وصول تيار الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في البلدين. ونقل راديو "صوت أمريكا" عن زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي قوله إن النموذج المناسب لتطوير الديموقراطية في العالم الاسلامي هو النموذج التركي. وأضاف الغنوشي في تصريحات له في أكتوبر عام 2011، أثناء ذروة ثورات الربيع العربي التي هزت عدة دول في الشرق الأوسط "إن تركيا تعتبر بلدًا نموذجيًا بالنسبة إلينا في مجال الديموقراطية." وفي نفس العام وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون تركيا بالنموذج الساطع للتنمية الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط. وفي تصريح لها تعقيبًا على التحول الديموقراطي في ظل الثورات المتتابعة للدول العربية، قالت كلينتون إن تركيا تعد مثالاً يحتذى به لدول الربيع العربي في كيفية السير قدمًا في مسار الديموقراطية. وأضافت كلينتون "إن الشعوب في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا تسعى إلى استخلاص الدروس من التجربة التركية. ولذلك من الضروري أن تستخلص تلك الشعوب الدروس التي تعلمتها تركيا في تجربتها الديموقراطية، وأن تطبقها يوميًا." وأبرز التقرير الدراسة البحثية التي أعدها مركز بروكنجز، أحد المراكز البحثية في واشنطن دي سي، تحت عنوان طويل "الإسلام السياسي بدون الدولة المسلمة: هل يمكن أن يكون حزب العدالة والتنمية التركي نموذجًا للدول العربية الإسلامية؟" وقال التقرير إن عنوان هذه الدرسة يمكن تلخيصه في كلمات موجزة كالأتي: هل يمكن اعتبار تجربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا النموذج الديموقراطي لدول الربيع العربي. وتدور فكرة الدراسة حول الكيفية التي عمل من خلالها حزب العدالة والتنمية على تعزيز الديموقراطية، وبالتالي تهدئة المخاوف في الشرق الأوسط وفي الدول الغربية من قيام الأحزاب الإسلامية الحاكمة في دول الربيع العربي بتحويل بلادهم إلى نماذج سنية على غرار النموذج الاستبدادي الإيراني المناهض للدول الغربية. ومع ذلك تقر الدراسة بأن هناك العديد من المدن العربية رفضت النموذج التركي، بحجة أن دفاع حزب العدالة والتنمية عن العلمانية في تركيا تجعل من النموذج التركي غير قابل للتطبيق في أي مكان آخر في المنطقة، نظرًا لأن النظام الحاكم في تركيا الأن هو النظام العلماني الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك في العشرينات من القرن الماضي على أنقاض الامبراطورية العثمانية المنهارة. ومنذ ذلك الحين، يُهيمن على السياسة التركية التواصل القائم بين النموذج العلماني الإسلامي والنموذج العلماني الليبرالي، وذلك في ظل وجود الجيش كضامن للطبيعة العلمانية للدولة. ولذلك نجد أن الدستور التركي لا ينص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وكذلك لا يسمح لأي مؤسسة دينية أن تحل محل الحكومة. ومن جهته يقول مصطفى أكيول، وهو صحفي تركي ومؤلف كتاب "الإسلام بدون تطرف"، إن التجربة التركية غيرت من طبيعة الأحزاب الإسلامية التركية مما أدى إلى فوز حزب الرفاهية الإسلامي بقيادة الزعيم الراحل نجم الدين أربكان بالإنتخابات في عام 1995، وتشكيل الحكومة أنذاك. وقال أكيول إنه مع بداية الألفية الجديدة "تحرر العديد من تلاميذ أربكان مثل رئيس الوزراء الحالي من الأيدولوجية الإسلامية، وركز على النمو الإقتصادي، وبدأ في السير قدمًا في الإطار الديموقراطي العلماني للدولة التركية، وفي نهاية المطاف استطاع تقليص سلطات الجيش." وأضاف أنه يمجرد وصوله إلى سدة الحكم، استطاع الحزب القيام بثورة اقتصادية هائلة، مما أدى إلى تضاعف دخل الفرد في تركيا لأكثر من ثلاث أضعاف. النموذج التركي بين مصر وتونس ومن جهة أخرى يقول سمير شحاتة، وهو أستاذ مساعد متخصص في السياسة العربية بجامعة جورج تاون، إن النموذج التركي ليس بالضرورة أن يُطبق على بلدان الربيع العربي، وبخاصة في مصر، حيث ينظر غالبية السكان المسلمين في مصر إلى العلمانية على أنها ضد الدين الإسلامي، بالإضافة إلى أن الدستور المصري تمت صياغته تحت إشراف أغلبية برلمانية من الأحزاب الاسلامية، وفي وجود رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. ويضيف شحاتة: "على الرغم من أن الدستور التركي فصل الدين تماما عن السياسية، فإن الدستور المصري قد اشتمل على بعض المواد المتعلقة بالدين الإسلامي، حيث أعطى الأزهر، وهو أقدم مؤسسة دينية إسلامية، الحق في مراجعة الأمور المتعلقة بالشريعة الإسلامية." وصرح توفيق حامد، وهو باحث في معهد بوتوماك للدراسات السياسية في واشنطن دي سي، بأن لديه بعض الشكوك حول إمكانية تطبيق النموذج التركي في مصر. وقال حامد إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر غير منفتحة على تعديل مواقفها والتغيير في أولوياتها من الأسلمة إلى النمو الإقتصادي، بالإضافة إلى أن الدستور لا يضمن حماية كافية للمرأة أو الطوائف الأخرى من غير المسلمين، بل إنه يترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية مراقبة القوانين عن طريق علماء الدين. واضاف حامد إنه على الرغم من فوز حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بالأغلبية في انتخابات حرة ونزيهة، فإن منافسوه الأساسيين لم يكونوا من الجناح العلماني أو الليبرالي بل كانو ممن ينتمون إلى أحزاب وحركات سلفية أكثر تشددًا. وذكر حامد الترحيب الحار الذي تلقاه رئيس الوزراء التركي أردوجان من الإخوان المسلمين عند زيارته لمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أنهم شنوا هجومًا لاذعًا عليه عندما اقترح إقامة نظام علماني في مصر. وبالنسبة للوضع في تونس، قال شحاته إن تونس تعتبر أفضل استعدادًا لمحاكاة النموذج التركي، حيث لم يذكر الدستور أي إشارة إلى الشريعة الإسلامية، وكذلك التشابه بين السياسات العلمانية التي صار عليها الرئيس الأول للجمهورية التونسية حبيب بورقيبة بين عامي 1957 و 1987، وبين ما حدث في تركيا في بداية القرن العشرين، ولذلك فإن تونس تسير بخطى ثابتة نحو دولة تمنح حق المواطنة الكاملة وتوفر المساواة في الحقوق، والحريات المدنية لكافة المواطنين.