قامت الثورة المصرية ففاز التيار الإسلامي وتحديداً الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بنصيب الأسد في كل شئ ، كما حدث في انتخابات الشعب والشوري والرئاسة وحتي الاستفتاء علي الدستور .. ولكنهم خسروا بالتدريج نسبة لابأس بها من تعاطف الناس معهم خلال هذه المراحل أيضاً وذلك طبقاً للنتائج وتحليلها العلمي وليس طبقاً للتخمينات ووجهات النظر ، كما دخلوا في صدام مع عدد من القوي السياسية ، وأعضاء السلطة القضائية.. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن .. وماذا بعد ؟! .. هل يتحقق الاستقرار بعد اقرار الدستور ؟ أم ستدخل البلاد في موجة جديدة من الصراعات والصدامات بين الاسلاميين والقوي السياسية وسلطات الدولة؟.. والإجابة موجودة أمامنا حاضرة وظاهرة في النموذج التركي الذي أسس له نجم الدين أربكان رئيس حزب الرفاة ، وكتب شهادة ميلاده الرسمية السياسي المخضرم أردوغان الذي ساهم في انطلاقته الحقيقية كان أربكان رغم خبرته الطويلة صدامياً ، وهو ما أجّج الحرب ضده من قبل خصوم تركيا الحضارية، حيث طالب - وبشدة - بتجريم الماسونية ومنعها وإغلاق محافلها في تركيا، وأعلن عداءه للكيان الصهيوني الذي اغتصب الأرض وهجّر الشعب الفلسطيني واستولي علي أراضيه ، وفي عام 1980م تقدم بمشروع لقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ودخل في صدامات متكرره مع قيادات الجيش التركي والقوي العلمانية في ذلك الوقت مما قضي علي تجربته قبل أن تبدأ .. وجاء أردوغان رئيس الوزراء التركي الحالي مع صديقه عبدالله جول وكلاهما تربي في مدرسة أربكان ليقدما فكرا جديدا من خلال حزب العدالة والتنمية نموذجاً لتيار »اسلامي« عقلاني قادر علي أن يدير بلداً كبيراً بدون أن ينتهي به الي العزلة والدمار والتخلف.. لقد تجنب أردوغان أن يواجه التطرف العلماني بتطرف إسلامي، الأمر الذي منح تجربته فرصة حياة أفضل قياسا بتجربة نجم الدين أربكان الذي سبقه بطرح مشروع إسلامي لقيادة تركيا لقد مارس حزب العدالة والتنمية في تركيا عملية التغيير الاجتماعي بشكل تدريجي يمكن أن نصفه بالعبقري ، وبما يحول دون الصدام مع المؤسسات العلمانية كالجيش، والقضاء، والسلطة التنفيذية، وفروع كل ذلك في مؤسسات التعليم، وبقية مؤسسات الدولة. وهو ما يؤهل التجربة التركية لأن تكون نموذجًا يُحتذي في الكثير من البلدان التي شهدت تحولات سياسية مؤخراً وخاصة في دول الربيع العربي وعلي الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة أن يختارا بين أسلوب القيادتين إما صدام أربكان فتنتهي تجربتهم في مهدها ، أو مرونة وعبقرية أردوغان فنبني مصر الجديدة التي نحلم بها.