خرّجت مشاهير.. 16 معلومة عن المدرسة السعيدية بعد فيديوهات الشرطة المدرسية    بدء الدراسة في مراكز «الأسرة والطفولة» بقرى «حياة كريمة» ب9 محافظات    مطروح تنفذ محاكاة لتجربة مواجهة السيول    المستعمل والجديد.. معركة تكسير عظام في السوق| من يكسب الرهان؟    عيار 21 بكام ؟.. أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    مصر تعلن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بعد وقف إطلاق النار    وزير الخارجية: نطالب بمزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية    الخارجية الفلسطينية تُرحب باعتراف فرنسا بدولة فلسطين    تحذيرات دولية لإسرائيل من ضم أجزاء ب«الضفة الغربية»    الإمارات أمام مؤتمر نيويورك: ندعم جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر لوقف إطلاق النار في غزة    الرهان الباريسى وديمبلى وكرة الذهب    لاعب غزل المحلة يغادر المستشفى بعد الاطمئنان على حالته الصحية    الزمالك يسعى للاستمرار في المنافسة على حساب «الجونة»    إبراهيم المصري: لست ضد كامل أبو علي.. وغير راضٍ عن اسكواد الفريق    مصدر أمني ينفي تعرض قيادي إخواني محبوس لانتهاكات بمركز الإصلاح والتأهيل    بالصور.. مصرع زوجين وإصابة نجلها إثر انقلاب سيارة ملاكي في ترعة بالبحيرة    «توخوا الحذر».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء    «ساعدني».. قاضٍ يعترف باستخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار حكم قضائي    مفتي الجمهورية يستقبل وفدًا من القضاة الشرعيين الماليزيين    ختام مبهر للدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي (قائمة الأعمال الفائزة)    سميح ساويرس يصارح جمهوره: 3 قرارات ندمت عليها في حياتي    آمنة على أطفالك.. استشاري تغذية يوصي باستخدام «لانش بوكس» من هذا النوع    بعد وصول سعر الكيلو ل25 جنيهًا.. 6 بدائل رخصية ل الطماطم موجودة في كل مطبخ    أكبر مشكلة تؤثر على تركيز الأطفال.. خبيرة تكشف تأثير ال «ريلز» على المخ    الاعتداء على باسم عودة وتدوير "أبو الفتوح" ونائبه بالتزامن مع قرار العفو عن "عبدالفتاح"    الداخلية توضح حقيقة صورة جرافيتي متداولة في الدقهلية عبر مواقع التواصل    الداخلية تضبط شبكة تمارس أعمالًا منافية للآداب عبر تطبيق هاتفي في الإسكندرية    نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بفوز صعب على بيسا    منتخب الشباب يفوز على نيو كاليدونيا بثلاثية استعدادا للمونديال    شرم الشيخ تستضيف كأس العالم للدارتس 2027 وتعزز مكانتها كوجهة سياحية عالميا    وزير الثقافة يُكلف أحمد مجاهد مديرًا تنفيذيًا لمعرض القاهرة للكتاب في دورته ال57    من أبرز وجوه ثورة يناير ..العفو عن علاء عبد الفتاح.. انفراجة سياسية أم استثناء مفروض بضغوط غربية؟    بالصور.. ختام أولمبياد الشركات ببورسعيد بمشاركة 23 ألف رياضي    تنفيذًا لتكليفات محافظ الجيزة.. سكرتير عام محافظة الجيزة يتفقد المركز التكنولوجي بالعمرانية    مستشفى مبرة المعادي ينجح في علاج ثقب بالقلب باستخدام تقنية التدخل المحدود    مع بداية العام الدراسي الجديد.. كيف نشجع أطفالنا على حب التعلم؟    نتنياهو اعتبره "مكافأة لحماس"…صدمة في دولة الاحتلال بعد اعتراف بريطانيا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينية    رئيس جنوب إفريقيا: إسرائيل أطلقت العنان للعقاب غير المتكافئ للشعب الفلسطيني    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    نسرين عكاشة: والدى لم يكن ضد السادات لكن كان هناك اختلافات في بعض الأفكار    طارق فهمي: مصر تركز على حل الدولتين والعودة إلى المرجعيات الدولية    د.حماد عبدالله يكتب: العلاقات المصرية الأفريقية قديمًا !! { 3 }    أحد المقربين لم يكن صريحًا معك.. توقعات برج الحمل اليوم 23 سبتمبر    ارتفاع طن اليوريا المخصوص 1293 جنيها، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    بالعلامة الكاملة.. نابولي يفوز بصعوبة على بيزا وينفرد بصدارة الدوري    القبض على "مستريح السيارات" بحدائق القبة بعد استيلائه على 50 مليون جنيه من المواطنين    مصرع 3 عناصر إجرامية في مداهمة أمنية بالبحيرة    مدبولي: لن يتحقق الأمن لإسرائيل عبر القوة العسكرية ومحاولة فرض الأمر الواقع    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    صناع الخير ترسم البهجة في أول يوم دراسي بمدرسة كفر الأربعين الإبتدائية بالقليوبية    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    بعد خفض الفائدة.. اعرف أعلى عائد على شهادات الادخار في البنوك    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    5 خطوات لتسجيل طلاب الثانوية الأزهرية بتنسيق التعليم العالي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واكتملت خيوط اللعبة
نشر في الشعب يوم 20 - 07 - 2013

أعتقد أنه قد بات واضحا للعيان أن الرئيس محمد مرسي ونظام حكمه قد حيكت حولهما لعبة - لا أريد استخدام مفردات أخرى أشد قسوة – محكمة متعددة الأطراف منها ماهو داخلي وما هو خارجي بهدف إسقاط وتشويه النموذج الإسلامي في الحكم وإجهاض التجربة الديمقراطية الرشيدة الوليدة في مصر. وبدءا ذي بدء أود الإشارة إلى أنني غير معنيّ هنا بالحديث عن الرئيس مرسي بشخصه ولا عن نظام حكمه كنظام بعينه؛ وإنما أتحدث هنا عن قسمات المشهد ووقائعه وخلفياته بغض النظر عن ماهية الأشخاص فمستقبل الأمة ومصيرها فوق الجميع.
لن أتناول الأمر إذا من زاوية الشرعية الدستورية وقواعد الديمقراطية، التي كانت تحتم في رأيي بقاء الرئيس مرسي في موقعه كرئيس للبلاد حتى نهاية ولايته القانونية؛ مع الضغط السياسي عليه لتدارك الأخطاء - لا الخطايا كما تُصور الآن - السياسية والإدارية التي شابت إدارته للبلاد والتي لا ينجو من مثلها أي حاكم أو نظام سياسي في العالم من شرقه إلى غربه خصوصا في أعقاب الثورات ودون أن تُتخذ ذريعة لتبرير مثل هذا الذي جرى ويجري على أرض وطننا الغالي مصر. ولتسمح لي عزيزي القارئ أن أسوق إليك عددا من الشواهد البسيطة الواضحة ذات الدلالات القاطعة على أن ما هو ماثل أمامنا اليوم ما هو إلا لعبة حيكت خيوطها ببراعة واقتدار لكي تلتف هذه الخيوط حول عنق الوطن فتهز أركانه وتعبث بمصيره كوطن يُرجى له التقدم والسؤدد والريادة واستقلال القرار:
1- من المضحكات المبكيات أن يدعو الداعون إلى ضرورة تنحي، أو بالأحرى تنحية الرئيس محمد مرسي عن المشهد السياسي قبل أن تُحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية من الأساس. ففي سابقة لم يحدث مثلها ولا حتى في جزر الموز دعت بعض القوى والشخصيات الوازنة، مثل الدكتور حسن نافعة، الذي يُدرس لأبنائنا في الجامعة قيمة الدستور وضرورة احترام قواعد الديمقراطية كدعامات أساسية لبقاء وقوة واستقرار المجتمعات المعاصرة، أقول دعت هذه القوى والرموز الدكتور محمد مرسي للانسحاب من جولة الإعادة أمام الفريق أحمد شفيق لصالح المرشح الخاسر حمدين صباحي؛ في مشهد هزلي يشير بلا أدنى ريب إلى أن النية كانت مبيتة من بداية الأمر، وقبل أن يرتكب الرئيس مرسي مازُعم بأنها خطايا وجرائم في حق الوطن !!!
2- لقد بدأ الحديث عن فشل الدكتور مرسي في إدارة شئون البلاد، وبالتالي وجوب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بعد مُضيّ بضعة أسابيع فقط من توليه مسئولية بلد مهلهل مهترئ الأوضاع إلى حد كارثي؛ وهو أمر معيب وشاذ لم يحدث له مثيل في أضعف ديمقراطيات العالم وأكثرها هشاشة وأترك للقارئ الكريم تفسيره والتعليق عليه.
3- كان من أبرز مطالب المعارضة (السابقة!) قبل عزل الرئيس مرسي تشكيل حكومة جديدة محايدة لغرض رئيس هو القيام على أمر الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ ومن المعلوم أن أكثر الوزارات المعنية بعملية الانتخابات هي الداخلية وفي سياق خاص كذلك الذي نعيشه تُضاف إليها وزارة الدفاع أيضا؛ والأمر الذي يبعث على الريبة وربما الجنون في آن هو بقاء وزيري الداخلية والدفاع ضمن حكومة الدكتور الببلاوي فعن أي تغيير وأية حكومة كانوا يتحدثون؟؟؟!!!
4- إن من أكبر المشكلات الحياتية التي أعلنت جموع المعارضين من أبناء الشعب المصري تذمرها منها؛ بل وكانت هي الشرارة التي أشعلت الفوضى في الشارع المصري مباشرةً أزمتان هما نقص كميات الوقود وانقطاع التيار الكهربائي عن مختلف أنحاء البلاد يوميا لبعض الوقت؛ ومن الغريب في الأمر أن تبدأ الأزمتان في الانفراج السريع والتام غداة الإعلان عن عزل الرئيس مرسي، بل ومن عجب العجاب أن يحتفظ وزيري الكهرباء والبترول بموقعيهما في حكومة ما بعد الإطاحة في بادرة، على ما يبدو، على مكافئتهما عن حسن بلائهما، ولست أدري في الواقع أأقول بلائهما في إخماد الأزمة أم في إشعالها، فهل ثمة من يستطيع عقله هضم هذه الألغاز واستيعابها؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!
5- كان هناك انفلات أمني واضح نتيجة تقاعس تام وإضراب مقنَّع وغير مقنع من أجهزة الأمن التي كان واضحا أنها لم تكن تريد التعاون مع الدكتور مرسي؛ وأذكّركم هنا بأن غالبية الأقسام الشرَطية قد أُغلقت بالجنازير غير مرة على يد ضباطها وجنودها، كما أضرب عدد من قطاعات الداخلية عن العمل عدة مرات وعلى رأسها قطاع الأمن المركزي، بينما نرى اليوم أن جميع أذرع الداخلية قد عادت لممارسة جميع مهامها دون حدوث أي جديد سوى الإطاحة بالدكتور مرسي مع بقاء وزيرها الذي كان عزله من منصبه شعارا وطنيا!!!
6- أُعلن في حينه أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي هو الذي شق البلاد نصفين، وكرّس للدكتاتورية وبأنه لم يكن يحق له إصدار إعلانات دستورية من الأساس؛ بينما لم يعترض أحد من أصحاب هذا الرأي على الإعلان الدستوري الذي أصدره المستشار عدلي منصور والذي لا يختلف كثيرا عن ذاك الذي أصدره الرئيس مرسي، كما قام المستشار منصور بتعيين نائبا عاما جديدا بذات الطريقة التي اتبعها الدكتور مرسي والتي أشعلت الدنيا من حولنا، بينما نزل ما فعله المستشار منصور بردا وسلاما على أفئدتهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
و ... و ... وغير ذلك الكثير ولكنني لن أسترسل أكثر من هذا ففي ظني أن الأمر بات واضحا؛ وسوف أنتقل الآن للحديث عن أطراف اللعبة وأركانها داخليا وخارجيا، والأسباب التي دفعتهم للإقدام على فعلتهم، ودور كل من هذه الأطراف في تنفيذ هذه العملية الشنيعة التي ضربت بلادنا في مقتل.
1- أبدأ بالطرف الخارجي المتمثل في الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الصهيوني والدول الغربية الكبرى إضافةً إلى الروس وصمت مريب من بعض القوى الرئيسة الأخرى وعلى رأسها الصين؛ وغني عن البيان أن هذه القوى مجتمعة يسوؤها أن ترى الشعوب الإسلامية قوية عزيزة مكتفية بإمكاناتها مستقلة بقرارها ذات منعة وشوكة. وفي ظني أن هذه القوى الشيطانية قد ملّت من معادلة إطلاق يد أذنابها من حكام البلدان الإسلامية لقمع الإسلاميين وما يُكسبهم ذلك من تعاطف جماهيري واسع جعل قطاعا عريضا من الجماهير يتشوّف ليومٍ يُمسك فيه أبناء التيار الديني بتلابيب السلطة في بلادهم فيسوسونها بشرع الله ويدفعون بها نحو استقلالية القرار والعزة والكرامة. وفيما أرى فقد اتخذت هذه القوى قرارا بتغيير نهجهم مع الإسلاميين على نحو يُفضي في نهاية المطاف إلى القضاء - حسب ظنهم - على أية فرصة لصعودهم مستقبلا على سلّم السلطة في بلادهم؛ وذلك عن طريق العمل على فتح الطريق أمامهم للوصول إلى سدة الحكم في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد كفيلة وحدها بإفشال جهودهم ثم الإطباق عليهم من الجانب الآخر عن طريق الحروب والدسائس التي تتولى تنفيذها أذرعهم الطويلة في الخارج والداخل من أدوات إعلامية وبعض ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني كالجهات الحقوقية المشبوهة في أغلبها، وجهات رسمية سرية وعلنية نافذة، بالإضافة إلى ما بات يُعرف بمكونات "الدولة العميقة"، وكذلك بالحصار الاقتصادي وغيره حتى تكفر الجماهير بتجربتهم في الحكم وبذلك يتم القضاء على تواجدهم السياسي نهائيا. حدث هذا مع حركة حماس في فلسطين قبل بضع سنوات ويحدث في مصر وتونس اليوم ولا يزال مستمرا في السودان ويُحضّر له في ليبيا وسوف يستمر هذا النهج حتى يستنفد الإسلاميون رصيدهم الإيجابي لدى شعوبهم، بل وربما غرقت هذه الشعوب في حروب أهلية طاحنة كنتيجة لهذا المخطط فيسهل على هذه القوى الشيطانية تفتيتها وابتلاعها إلى الأبد - بحسب تقديراتهم - والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
2- معظم دويلات الخليج، وأخص بالذكر منها السعودية والإمارات والكويت، والحديث هنا عن الأنظمة والحكومات لا الشعوب بالطبع، هذه الأنظمة قد ارتعدت فرائصها حينما وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في مصر وأصبح من الممكن نجاح تجربتهم، وحينما دشّنت مصر كبرى الدول العربية عهدا جديدا يقوم على الديمقراطية ودولة المؤسسات؛ وذلك خوفا من انتقال "عدوى" الثورة والديمقراطية والطموح إلى حكم إسلامي رشيد إلى مجتمعاتهم فتهز أركان ملكهم وتدك حصون استبدادهم واستئثارهم بخيرات بلادهم واستعبادهم لشعوبها فكان القرار.
3- أما الأطراف الداخلية فتتمثل فيما يلي:
أ‌- قيادات القوات المسلحة - وأكرر القيادات - تلك القوات التي نفخر بها جميعا والتي بناها الشعب المصري بقوت يومه؛ هذه القيادات تربّت للأسف على كراهية الإسلاميين لعقود طويلة كما رسخ في وعيهم - أي القادة - أنهم أصحاب الحق المطلق في السلطة دون غيرهم وأنهم الأقدر على تسيير دفة الحكم في البلاد فهم والسلطة وجهان لعملة واحدة سواء أكان ذلك بشكل مقنّع أو سافر للعيان. فالكبرياء، الذي أراه في غير محله، يجعل بزاتهم العسكرية تتأبى على أداء التحية العسكرية، بما ترمز إليه هذه التحية، لرئيس مدني؛ حتى وإن خرج إلى السلطة من رحِم صناديق الاقتراع، وليس من اليسير تغيير هذه "العقيدة العسكرية" لدى قيادات جيشنا الباسل بين عشية وضحاها فكان ما كان وما نعيش تبعاته اليوم.
ب‌- الطرف الداخلي الثاني في المعادلة هو الطرف المدني، ويمثله هنا بشكل أساس التيار العلماني الذي لا يقل كراهية للإسلاميين عن قيادات الجيش. فأبناء هذا التيار لا يعترفون بأهلية التيار الديني لتولي شئون الحكم، بل وينحصر دور الدين لديهم بين جدران المساجد وفي الحياة الخاصة لأفراد المجتمع كلٌ حسب فهمه لدينه. ولا يُلام أبناء التيار العلماني على فهمهم للدين أيا كان وأيا ما يكون اختلافنا معهم حوله، إلا ان ما يُلامون عليه هو عدم قدرتهم على رؤية أبناء التيار الديني يُمسكون بزمام الأمور في بلادنا وإن أتت بهم الديمقراطية التي نادوا بها لعقود وعقود فكانوا أول من بدأ يغزل خيوط اللعبة.
ت‌- ثمة أطراف أخرى أهمها مكونات الدولة العميقة ورموز النظام المباركي الفاسد وأصحاب الحظوة فيه والذين يسعون للعودة إلى الواجهة مرة أخرى، بالإضافة إلى أصحاب المصالح المرتبطين بهذا النظام. هؤلاء لا يستطيعون العيش والتنفس في بيئة نظيفة تقوم على العدالة والمساواة ونبذ المحسوبية والغش والوصولية وشهوات التسلط والوجاهة والإثراء الفاحش من دماء الشعب المصري الكادح؛ ومن بينهم للأسف أعضاء ينتمون إلى هيئات اجتماعية رفيعة، يضاف إلى ذلك كله جهات لها وزنها النوعي في المجتمع كان مبارك - عليه من الله ما يستحق عاجلا وآجلا - قد منحها امتيازات وقوة مبالغ فيها بدرجة أخلت بالتوازن المجتمعي، وكادت أن تؤدي إلى فتنة لا تُحمد عقباها وذلك لكسب تعاطفها وإرضاءً للغرب الذي يُمسك بهذه المسألة كورقة ضغط قوية في يديه يمكن استخدامها ضد حليفه مبارك إذا أساء الأدب مع أسياده أو تقاعس عن الانصياع لأوامرهم ذات يوم - وهو ما لم يحدث أبدا. ولا تفوتنا طبعا الإشارة إلى عشاق السلطة وعبيدها والذين يلهثون خلف كرسي الحكم حتى ولو على أشلاء وطنهم.
ث‌- ثمة طرف آخر لا نستطيع تصنيفه أو وضعه على قدم المساواة مع الأطراف السابقة من حيث المشاركة في غزل خيوط اللعبة؛ وأدق توصيف له هو أنه قد جرى توظيفه واستغلال عفوية القطاع العريض منه في توجيههم صوب النقطة التي حددتها الأطراف الرئيسة والفاعلة في هذا الإطار؛ ما أعنيه هنا هو تلك الكتلة الجماهيرية الضخمة التي نزلت إلى الشوارع والميادين بشكل أساس يوم 30 يونيو للمطالبة بإسقاط حكم الدكتور مرسي. وفي اعتقادي أن هذه الجماهير لم تكن متوحدة من حيث الأسباب التي دفعت بهم للسير في الطريق الذي رُسم وخُطت معالمه بمنأى عنهم؛ فبعضهم قد شارك في التظاهرات احتجاجا على تردي الخدمات والأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أُريد لها أن تتردى فعلا ودون أن يكون لديهم رصيد من الصبر لحين بلوغ الاستقرار الداخلي وإصلاح ما أُفسد عبر عقود وعقود وما أكثره. كما شارك البعض الآخر بدافع موقف أو فكرة تولدت لديه خلاصتها تخوف متوهَّم وكراهية بُثت في نفوسهم تجاه أبناء التيار الديني؛ وفي العموم فقد تأثر الجميع بما ألقته وسائل الإعلام الموجَّهة والمؤدلجة في روعهم. وأكاد أجزم بأن هذه الجماهير هي أكبر وأبرز من لعب دور "الزوج المحلِّل" في الحياة السياسية المصرية على مر العصور.
تماهت مصالح هذه الأطراف جميعا والتقت إراداتها - وهي إرادات فاعلة بلا شك - حول هدف واحد فكان القرار الذي بأ تنفيذه سرا ومباشرةً إثر الإعلان عن نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أتت بالرئيس مرسي إلى سدة الحكم؛ ثم تضافرت جهود هذه الأطراف وتواصلت دون كلل أو ملل عبر توزيع دقيق ومنظم للأدوار وبتنسيق كامل فيما بينها جميعا فكان لهم ما أرادوا، حتى إشعار آخر.
ثمة عاملين إضافيين ساعدا على نجاح ما يبدو أنه ناجحا حتى اليوم يتمثل أولهما في الأخطاء التي ارتكبها نظام الحكم نفسه وأؤكد على أنها أخطاء سياسية وإدارية وليست "جرائم" كما يُراد لها أن تُصوّر الآن. وعلى سبيل المثال فإنه بغض النظر عن قانون ما لَك وما عليك أو قانوزن الحق والواجب وما تمليه آليات العمل الدستوري والديمقراطي فقد كان "قانون" المواءمات السياسية يقتضي تغيير النهج المتبع قليلا تغييرا تكتيكيا لتفويت الفرصة على المتربصين وهم كُثُر، ومن ناحية أخرى لتحقيق نفع أكبر للبلاد يشعر به المواطن ويتمتع بثمرته بعد رحلة عذاب طويلة مع الفقر والضيق ومكابدة الحرمان.
أما ثاني هذين العاملين فهو التركة الثقيلة المرعبة التي ورثها الرئيس مرسي ونظامه عن الأنظمة العفنة التي سبقته وعلى الأخص تلك السنوات الثلاثين العجاف التي رزحت مصر خلالها تحت الحكم الأسود لآل مبارك وعصابتهم. ومن سوء الطالع أن مفردات هذه التركة لا تقتصر فقط على الجوانب المادية والحياتية المهترئة والأوضاع المعيشية الخانقة في مجملها والتي ليس أكثرها سوءا حجم الديون التي تلتهم فوائدها فقط ربع الناتج القومي للبلاد سنويا؛ وإنما طالت بشكل نسبي واضح شخصية الإنسان المصري حيث امتدت آياد آثمة وتوغلت في أعماقها فأصابت "خامة" هذا الإنسان وعقله بل وحتى عاطفته وأحدثت فيهم خسائر وكدمات بالغة يستحيل علاجها ومحو آثارها في زمن قصير ودون كبير عناء.
تلكم هي القصة باختصار، وهذه هي المقدمات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المأساوي الذي نقف فيه جميعا على حافة الهاوية والتي ندعوا المولى جل في علاه أن يُنجي منها وطننا، فبيده وحده تصريف المقادير وإليه المصير.


*كلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.