أيام تمر والدماء تسيل.. الغضب يتصاعد والعناد فى القصر يتزايد.. الجريمة واضحة ومكتملة الأركان.. والمجرمون حاضرون.. والمحرضون ظاهرون.. لكن الدولة غائبة.. سلطة وحكما وإدارة ومؤسسات.. الكل غاب تواطؤاً أم تكتيكاً.. المحصلة واحدة وهى أن «اللى اختشوا ماتوا».. أصبحت البجاحة دستورا.. والبلطجة عرفا.. والقتل شريعة.. والإهانة أسلوب حياة.. تجرع المشايخ من خمر السلطة وأمضوا يعربدون فى حانة السياسة فارتدى الفساد ثوب الفضيلة.. تأخذهم العزة بالإثم، وفى عيونهم نشوة الانتصار وهم يرقصون رقصة الموت على جثة الوطن.. معهم رأينا ما لم نرَه مطلقا.. رأينا المسلم يتم تكفيره لأنه ليس من تيارهم السياسى.. والمسيحى غريب فى بلده.. والمطلوب أن نكون جميعا خداما وعبيدا فى قصور السلطان. نظام الحكم الإخوانى، ولا أقول الدكتور مرسى؛ فالحقائق باتت واضحة وهى أن مصر تُحكم من المقطم.. من مقر مكتب الإرشاد، وصل إلى نقطة اللاعودة مبكرا مع المجتمع المصرى الذى يرفض أن يكون الإخوان جزءا منه ويريدون أن يطوعوه ويرغموه بكل ما امتلكوا من قوة لكى يكون المجتمع بكل فصائله وأفكاره وتياراته وأهدافه جزءا منهم هم.. مجرد شعبة من شعب الجماعة يؤمر فيطيع.. ما هذا الجبروت؟ تحدث الدكتور مرسى متأخرا وكأنه لم يغنَ فيها.. مضت كلماته جوفاء بلا مضمون.. فأمد النار بحطب جديد.. الكل أصبح غاضبا.. الكل يشعر بالإهانة، ومن فى مصر لم يُهَن؟ «الشعب اتهان.. القضاء اتهان.. الإعلام اتهان.. الفن اتهان.. حتى علم مصر اتهان» ورفعت على أرض مصر أعلام لا نعرفها. وأمريكا متواطئة وضامنة وحامية، لكن من يقرأ التاريخ القريب يعرف أن «المتغطى بالأمريكان عريان».. خرجت الناس من البيوت ولن تعود.. وهذه موجة جديدة من الثورة.. تحمل نفس الأهداف ولكن تغيرت ديموغرافيتها وتبدلت أطرافها.. الثوار سهمها.. والحكماء قادتها.. والشعب المكبوت حاميها. نعم، واشنطن قوية وتحمى حلفاءها.. نعم التيارات الإسلامية أكثر قوة وتنظيما.. لكن إذا الشعب أراد يوما الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.. هذه ليست شعارات ولكنها دروس نقشها هذا الوطن على جبين الغلابة الذين لا يملكون من حطام الدنيا إلا مصر.. وما أروعه وأعزه ملك.. وما أجمل أن يموت المصرى وهو ينطق باسم بلاده ويمسك بعلمها الذى لم يعد متناسقا فى ألوانه.. بعدما طفح السواد وجار على الأبيض.. وطفحت حمرة الدماء وجارت على الأبيض.. ولكن أبدا يأبى النسر أن يغادر العلم، ما زال قويا مؤمنا بقوة هذه الأرض وصلابة شعبها.. يحتقر كل من يقتل أبناءه.. ويحجز اسمه فى مزبلة التاريخ. سندافع عن وطننا ومستقبله مهما كان الثمن.. قد نقتل ولكننا لسنا أغلى ممن قتلوا واستشهدوا وهم يقولون مصر، على رمال سيناء الطاهرة وفى ميادين الحرية المهيبة.. قد نسجن ولكننا سنكتب على حيطة الزنزانه كلمة مصر.. كلمة من ثلاثة أحرف ولكنها كل ما نملك، والموت أهون علينا من ضياعها.