منذ 40 عاما وحتى قبيل مقتله كان الغرور هو سيد الموقف فى شخصية "معمر القذافى" فكانت كل تصرفاته تقول أنه شخص غير طبيعى يحب الإعلام والظهور مهما كلفه ذلك من خسائر وما أكثر أمثال "القذافى" فى عالمنا العربى،وليت الجميع ينظر إلى ما حدث للقذافى نظرة متفحص بعيدة عن التحليلات السياسية المعقدة،هذا لأن الأمر ليس فى حاجة إلى فلسفات عقيمة فمنذ أن قاد الشاب الفقير بائع الخضروات "محمد البوعزيزى" فى تونس ثورة الربيع العربى وأصبح كل حاكم عربى يتحسس رأسه ولا يدرى أحدهم متى يطيح بها الشعب،فبعد ثورة تونس وتبعتها ثورة مصر جاءت ثورة ليبيا لتعلن من جديد عن تطور خطير فى الثورات العربية حيث ما سبق مقتل العقيد "القذافى" من ثورات عربية كان عبارة عن تجربة تمت بنجاح فى تونس ومصر بطرق سلمية إلى أن أضاف الشعب الليبى عنصرا آخر دخل عالم الثورات العربية وهو استخدام شعار "دم بدم،ورصاص برصاص،والبادى أظلم"،وظل العقيد "القذافى" يركب صهوه العناد والغرور بطريقة فاضحة فضلا عن أنها جلبت له السخرية فى كل مكان من تصرفاته المجنونة بداية من طريقة كلامه ومرورا بملابسه وحتى اختبائه فى مواسير الصرف الصحى إلى أن جاء موعد مقتله وسحله على طريقة السفاح "شاوسيسكو"،ولعل الأغبياء من الحكام العرب أمثال الشاويش "على عبدالله صالح" والسفاح "بشار الأسد" يكونا قد استوعبا الدرس جيدا ويتركوا مناصبهم طوعا بدلا من أن يتركوه كرها،لقد شاهد العالم بأثره كيف أن الشعب الليبى كان يرقص فرحا لمقتل وسحل زعيمهم الذى صوره لنا الإعلام الليبى المضلل على أن الشعب الليبى كله يقف بجوار المعتوه سابقا "القذافى" المقتول حاليا شر قتلة،وعلى نفس الخطى التضليلية يقوم الإعلام السورى أيضا بلعبة خداع البصر للرأى العام الإقليمى والعالمى مصورا الشعب السورى أنه يقف خلف قيادته المتمثلة فى شخص واحد هو "بشار الأسد"،لقد أثبتت الشعوب العربية أنها أقوى من حكامها رغم الفارق المهول فى القوة بين الطرفين غير أن الأيام أثبت أن قوة الإرادة بعد الاعتماد على الله هى أقوى من قوة الدبابات والطائرات والسجون والمعتقلات،إن قتل "القذافى" وسحله لم يكن أمرا مفاجئا،بل كان أمرا متوقعا نظرا لغبائه الذى لا مثيل له،ولو كان للغباء لسانا يتكلم به لقال للقذافى: "ارحمنا من غباءك فلسنا لهذه الدرجة"،ولو كنت مكان الرئيس المحبوس "حسنى مبارك" لخرجت للناس بعد استئذان القضاء ليتعتذر للمصريين ويشكرهم أنهم تركوه دون أن "يبهدلوه" قتلا وسحلا وهذا الذى ميّز الثورة المصرية بأنها لم تكن ثورة انتقامية وتركت القصاص من المجرمين للقضاء،ولعل رسالة مقتل الأخ العقيد السيد "القذافى" تكون قد وصلت الجميع بما فيهم من يفكر أن يكون رئيسا لمصر فى المرحلة المقبلة،سألنى أحد المواطنين مستنكرا ما حدث من إهانة للقذافى فقلت له من هانت عليه نفسه كان عند الناس أهون وفوق كل هذا أن الله إذا أراد أن يذل إنسانا فلا يمكن لأحد أن يعزه "ومن يهن الله فما له من مكرم" والله سبحانه يمهل الظالم ويعطيه الفرص الكثيرة ربما يعدل عن ظلمه وإلا إذا أمسكه لم يفلته هذه إرادة الله فى الكون،ومن قديم الزمان يوم أن أغرق الله فرعون مصر لم يكن غرقه لأنه يزاحم الله فى ملكه تعالى الله فى علاه..لكن الهدف من وراء إغراقه ونجاته ببدنه ليكون لمن خلفه آية،ومنذ ذلك التاريخ استوعب البعض تلك الآية العجيبة والبعض الآخر جعل إحدى أذنيه من طين والأخرى من عجين ولم يستجب لناموس الحياة فكان مصيرهم لا يقل سوءا عن مصير الزعيم "فرعون" الذى وصلت به البجاحة ليقول: "ما علمت لكم من إله غيرى" ويخطئ من يظن أن الرسالة فقط للحكام وحدهم بل هى لكل إنسان يمشى على الأرض وبخاصة هؤلاء الذين يتصدرون العمل العام فمنهم من يعمل لله ثم للوطن ومنهم من يعمل لشخصه وما الله بغافل عما يعمل العاملون.