أوربان: بروكسل قررت أن على أوكرانيا مواصلة النزاع    موعد مباراة الترجي وفلامنجو في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    تجهيز المجازر وساحات الصلاة.. التنمية المحلية تكشف استعدادات المحافظات لعيد الأضحى    العقوبة المتوقعة على العامل الذي أشهر سلاحا أبيض في وجه زبائن المطعم بمدينة نصر    ترامب: لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم    زلزال بقوة 6.2 ريختر يضرب الحدود التركية.. والمصريون يشعرون به للمرة الثالثة في شهر    زلزال بقوة 6.6 على مقياس ريختر يضرب جزيرة رودس اليونانية    الحوثيون يقصفون دولة الاحتلال.. مستوطنون في الملاجئ وتعليق الطيران    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب منطقة الحدود بين جزر دوديكانيز وتركيا    مديرية الطب البيطري بالوادي الجديد تطرح لحومًا بلدية ب280 جنيها للكيلو    مروان عطية: لم نعرف بقرار الإدارة قبل مباراة الزمالك بساعة ونصف.. وألعب مصابا    لقطات من حفل زفاف سيد نيمار لاعب الزمالك    صرف 11 مليون جنيه منحة ل 7359 عامل في الوادي الجديد    الدولار ب49.64 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 3-6-2025    قرارات عاجلة من وزير التعليم قبل بدء العام الدراسي الجديد 2026 (تفاصيل)    تعليم الوادي الجديد: 1400 طالب مستفيد يوميًا من المراجعات بالمساجد    تامر حسني يرد على إمكانية عمل ديو مع عمرو دياب (فيديو)    دعاء الزلزال.. «الإفتاء» تنصح المواطنين بترديد هذه الأدعية في أوقات الكرب    طقس معتدل والعظمى في القاهرة 31.. حالة الطقس اليوم    بيل جيتس يُعلن استثمار 200 مليار دولار في الصحة والتعليم بأفريقيا خلال 20 عامًا    الجارديان: استهداف المدارس المستخدمة كملاجئ في غزة "جزء من استراتيجية قصف متعمدة"    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    أحفاد نوال الدجوي يبدأون مفاوضات الصلح وتسوية خلافات الميراث والدعاوى القضائية    ترامب: لن نسمح بأي تخصيب لليورانيوم في إيران    وسط تحذيرات صهيونية من دخولها . اعتقالات تطال مهجّري شمال سيناء المقيمين بالإسماعيلية بعد توقيف 4 من العريش    محامي نوال الدجوي يكشف وصية سرية من نجلتها الراحلة منى    أهم الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من ذي الحجة    مجلس الاتحاد السكندري يرفض استقالة مصيلحي    ارتفاع كبير ب840 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة (محليًا وعالميًا)    لاند روفر ديفندر 2026 تحصل على أضواء مُحسّنة وشاشة أكبر    مصدر أمني يكشف ملابسات فيديو لمركبات تسير في الحارة المخصصة للأتوبيس الترددي    رسميًا بالزيادة الجديدة.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وحقيقة تبكيرها قبل العيد    عاشور يهنئ فلوريان أشرف لفوزها بجائزة أفضل دكتوراه في الصيدلة من جامعات باريس    مستقبل وطن بالأقصر يُنظم معرض «أنتِ عظيمة» لدعم الحرف اليدوية والصناعة المحلية    سقوط «نملة» بحوزته سلاح آلي وكمية من المخدرات بأسوان    التعليم: زيادة أفراد الأمن وعناصر إدارية على أبواب لجان الثانوية العامة لمنع الغش    بمشاركة 500 صيدلي.. محافظ قنا يشهد افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول    أحمد السقا يوجه رسالة تهنئة ل ابنته بمناسبة تخرجها    بسبب لحن أغنية.. بلاغ من ملحن شهير ضد حسين الجسمي    رحمة محسن: اشتغلت على عربية شاي وقهوة وأنا وأحمد العوضي وشنا حلو على بعض    "أوقاف سوهاج" تطلق حملة توعوية لتقويم السلوكيات السلبية المصاحبة للأعياد    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    «أنا مش مغيب!».. تعليق مثير من هاني سعيد على احتفالات بيراميدز بعد مواجهة سيراميكا    قناة الأهلي: هناك أزمة في مشاركة ديانج بكأس العالم للأندية    قرار من رئيس جامعة القاهرة بشأن الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية    طريقة عمل شاورما اللحم، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    الكشف عن تمثال أسمهان بدار الأوبرا بحضور سلاف فواخرجي    تزوج فنانة شهيرة ويخشى الإنجاب.. 18 معلومة عن طارق صبري بعد ارتباط اسمه ب مها الصغير    حين يتعطر البيت.. شاهد تطيب الكعبة في مشاهد روحانية    سعد الهلالي: كل الأضحية حق للمضحي.. ولا يوجد مذهب ينص على توزيعها 3 أثلاث    4 أبراج «بيعرفوا ياخدوا قرار»: قادة بالفطرة يوزّعون الثقة والدعم لمن حولهم    أسطورة ميلان: الأهلي سيصنع الفارق بالمونديال.. وما فعله صلاح خارقًا    وزارة الإنتاج الحربي تنظم ندوات توعوية للعاملين بالشركات    القومي للبحوث يقدم نصائح مهمة لكيفية تناول لحوم العيد بشكل صحي    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باعة الساكسونيا.. وأسطوانة خمسة يونيه: فى الاحتفال "بهزيمة" مصر!
نشر في الشعب يوم 16 - 06 - 2013

لماذا لا يكتب البعض سطرا واحدا احتفالا بذكرى "جلاء" الإنجليز عن مصر ويحتفلون سنويا بذكرى "احتلال" الصهاينة لسيناء رغم أن المناسبتين فى شهر واحد هو شهر "يونيه"؟!
والدكتور يونان لبيب رزق يقول فى كتابه "تاريخ الوزارات": من العار أن يتناسى البعض أن عبد الناصر نجح فى إنهاء 147 عاما من "توارث" الأتراك لحكم مصر وإنهاء 72 عاما من الاحتلال الإنجليزى توالى على حكمنا خلالها 59 حكومة وكلها فشلت فى طرد الإنجليز أو طرد الملك!
وزير خارجية بريطانيا يقول: فى الشهور الستة التى سبقت خروجنا من مصر.. ناصر و"مخربوه" شنوا ضدنا (1542) هجوما "إرهابيا" حتى أصبح نصف قواتنا يحمى النصف الآخر.. فاضطررنا للجلاء عن مصر!
ما هى الذكرى التى وصفها مصطفى أمين "بالعطرة" وكتب أن من لا يحتفل بها لا يحمل فى قلبه ذرة حب لمصر؟!
ما الذى يحدث بالضبط؟! هل وصل "التدنى" والتجنى والاستخفاف بعقول المصريين إلى حد اتهام البعض لعبد الناصر "بالعمالة" للصهاينة.. هل وصل "التدنى” إلى حد القول بأن "هزيمتنا" فى الخامس من يونيه عام 67 كانت "تمثيلية" فعلها عبد الناصر بالاتفاق مع العدو الصهيونى؟! أين شرف الخصومة؟! هذه جريدة "روز اليوسف" التى صدرت صباح الجمعة 7 يونيه عام 2013.. خذها وتصفحها صفحة، صفحة.. وحينما تصل إلى صفحتها الأخيرة سيصدمك مثلى عنوان محزن يقول نصا: (الإخوان يتجاهلون ذكرى الإسراء ويحتفلون بالنكسة).. وفى التفاصيل، ستجد أن الجريدة قامت بجولة فى شبكة الإنترنت ورصدت خلالها جانبا مما نشرته صفحات الإخوان على "فيس بوك" تشفيا واحتفالا بما أسمته "نكسة عبد الناصر".. منها مثلا، صفحة "إحنا شباب الإخوان" التى قالت نصا: (صباح النكسة على عيون المصريين).. وصفحة "مكافحة العلمانية" التى تساءلت: (ينفع نهنئ الإخوة الناصريين بعيد ميلاد النكسة).. أما صفحة "نبض الإخوان" فقد كانت أكثر وضوحا، وقالت دون خجل: (صباحكم طاعة وتفاؤل فى ذكرى نكسة عبد الناصر).. وكأن النكسة، أو الهزيمة كانت لعبد الناصر فقط ، وليست لكل المصريين.. وأن الإخوان المسلمين لم يشعروا وقتها ب"النكسة" مثل بقية المصريين!!
لحظة من فضلك:
فى حدود علمى، لا يوجد على ظهر الأرض "بشر" يحتفلون بذكرى "هزيمة" الوطن الذى ينتسبون إليه، إلا فى مصر!!
وفى حدود علمى، لا يوجد على ظهر الأرض بشر يحرصون على الاحتفال سنويا بذكرى "احتلال" جزء من وطنهم، ولا يحتفلون بذكرى "جلاء" المحتل عن "كل" هذا الوطن، إلا فى مصر.. ومن لا يصدق، ينظر إلى هؤلاء الذين يتسابقون سنويا إلى الاحتفال بذكرى "احتلال" الصهاينة لسيناء فى (5 يونيه) من كل عام.. ويخرسون تماما، كلما حلت علينا مثلا، ذكرى "جلاء" قوات بريطانيا "العظمى” عن مصر فى (18 يونيه) من كل عام، أى فى اليوم الذى تحقق فيه الجلاء لمصر بعد (74) عاما من الاحتلال والإذلال والتبعية، مع أن المناسبتين تقعان فى شهر واحد هو شهر (يونيه).. أفهم أن يحدث ذلك أيام المخلوع لإرضاء الصهاينة والأمريكان.. ولكن لماذا يحدث هذا أيضا فى زمن الإخوان؟!! ولماذا يحرص البعض على أن يغمسوا ألسنتهم وأقلامهم فى "حبر" العجز والشماتة وتحقير الذات، ويتسابقون فى هذا الوقت بالذات، إلى ترسيخ وترويج "ثقافة الهزيمة" وإلى مشاركة الصهاينة فى الشماتة، وفى "معايرة" المصريين بهزيمتهم من الكيان الصهيونى عام سبعة وستين.
بالمناسبة: هذا كتاب مهم للغاية اسمه "ثقافة الهزيمة".. وما ذكرنى به، وبمؤلفه المفكر والفيلسوف "وولفجانج شيفلبوش".. هو كل هذا الحرص الرخيص على تشغيل تلك "الأسطوانة" المعادة والمشبوهة المسماة "هزيمة" مصر من الكيان الصهيونى فى خمسة يونيه، أو هزيمة عبد الناصر من الصهاينة فى خمسة يونيه.. بدلا من أن نسميها "عدوان" خمسة يونيه، لتذكير أبنائنا باستمرار، بالطبيعة "العدوانية" للصهاينة، وبأنهم اعتدوا علينا فى الخامس من يونيه عام 1967.. مثلما سبق أن اعتدوا علينا مع فرنسا وبريطانيا عام 1956، ويحتمل أن يعاودوا العدوان علينا مرة أخرى، وبالتالى يجب أن نستعد جيدا لمجابهة هذا العدوان الصهيونى المحتمل فى أى وقت.. متناسين عمدا أو جهلا، أن أبسط تعريف للهزيمة هو (كسر إرادتك) وهرولتك نحو عدوك، وتوقيعك معه اتفاقية "استسلام" حتى لو أسميتها اتفاقية "سلام".. وهو ما لم يفعله عبد الناصر حتى وفاته.. بل رد عليه، بإعادة بناء الجيش المصرى الذى ثأر واقتص لشهدائنا من الصهاينة فى السادس من أكتوبر عام 1973.. لكن الذين يستعذبون الشعور بالدونية.. دعاة (ثقافة الهزيمة) والتبعية، يتناسون ذلك دائما، وكأننا لم ننتصر على العدو الصهيونى فى العديد من معارك حرب الاستنزاف، أوفى حرب السادس من أكتوبر عام 1973.. أو وكأن أمريكا نفسها لم تنهزم من الفيتناميين، أو وكأن ألمانيا، أو بولندا، أو اليابان، أو فرنسا، أو الكيان الصهيونى نفسه، لم يشربوا هم أيضا من كأس الهزيمة فى هذه الحرب أو تلك.. فهل تعرف ما هو الفرق إذن بيننا وبين هذه الدول الكثيرة التى تعرضت مثلنا للهزيمة فى أحد الحروب؟! هل تعرف السبب الذى جعل شعوب وحكومات هذه الدول تنجح فى ألا تظل "أسيرة" للشعور بالهزيمة؟!
لحظة من فضلك:
فى كتابه المهم "ثقافة الهزيمة" يقول المؤرخ الفيلسوف "وولفجانج شيفلبوش" إن الفرق بين الدول الأوروبية التى تعرضت يوما ما للهزيمة فى أحد الحروب، وبين غيرها من الدول.. هو أن شعوب الدول الأوروبية (لم تسمح للهزيمة بأن تتحول إلى ثقافة عامة، وأن المثقفين الوطنيين فى بلدان أوروبا، عملوا بإخلاص على عدم استبقاء شعوبهم أسرى لثقافة الهزيمة، وعدم الاستمرار فى تشغيل أسطوانة أنهم هزموا، دون التذكير بما حققوه من انتصارات بعد هذه الهزيمة) هذا ما يقوله "شيفلبوش" بالحرف فى كتابه الشهير "ثقافة الهزيمة".. بدليل أن الصهاينة أنفسهم، حينما هزمناهم فى السادس من أكتوبر عام 1973 تعمدوا أن يسموا هزيمتهم المدوية ب(التقصير) مثلما جاء فى تقرير ما عرف وقتها بلجنة (إجرانات) التى حققت فى أسباب هذه الهزيمة.. وتعمد المجرم شارون هو الآخر، أن يسمى هزيمته وهروبه من قطاع غزة، أمام ضربات الفدائيين الفلسطينيين ب(الانسحاب الأحادى).. وكذلك هزيمة الصهاينة المخزية أمام بواسل حزب الله فى جنوب لبنان، أسماها تقرير لجنة فينوجراد (بالفشل والإخفاق!!).. لكن البعض عندنا، من فرط التصهين والخنوع والتبعية، ما زال يعيش بذاكرة "انتقائية".. ذاكرة تحتفل بذكرى "احتلال" الصهاينة لجزء من أرض مصر، هو شبه جزيرة سيناء.. ولا تحتفل مثلا بذكرى "جلاء" بريطانيا "العظمى” عن كل مصر، وليس فقط عن سيناء.. ذاكرة تحرص قبل الأكل وبعده، على تشغيل تلك الأسطوانة الصهيونية المشبوهة، المسماة (هزيمة) خمسة يونيه.. ولا تسميها (عدوان) خمسة يونيه، حتى يرسخوا فى أذهاننا على مر الأجيال أن الكيان الصهيونى "هزمنا".. بدلا من أن نتذكر باستمرار أنه كيان "عدوانى” غادر ومتآمر ولا أمان له.. وأنه اعتدى علينا مع فرنسا وبريطانيا فى العدوان الثلاثى عام 1956، وكذلك اعتدى علينا فى 5 يونيه عام 1967 ويحتمل أن يعاود هذا العدوان من جديد، وبالتالى يجب نستعد جيدا لمواجهة هذا العدوان المحتل فى أى وقت.. لكن المتصهينين والمتأمركين لا يريدون أن يغادرنا أبدا الشعور بالهزيمة، لكى تخبو فينا روح "العزيمة" وينتقل الإحساس بالعجز والتضاؤل إلى الأجيال التى لم تعاصر "عدوان" خمسه يونيه!
لحظة من فضلك:
الأوقح والأفضح: هو أن أصحاب تلك الذاكرة المشبوهة والانتقائية، من فرط الخنوع والتبعية، لا يتذكرون من "كل" تاريخ جمال عبد الناصر سوى خمسة "يونيه".. رغم أن شهر "يونيه" نفسه كما قلت، به أيضا لعبد الناصر أيام شامخة، تستحق أن نحتفل بها، وأن نستلهمها، وأن نجعلها دائما حية فى ذاكرة الأجيال.. ومن بين هذه الأيام على سبيل المثال، يوم (18 يونيه عام 1953) الذى أعلن فيها عبد الناصر ورفاقه سقوط النظام "الملكى” وتحويل نظام الحكم فى مصر إلى النظام "الجمهورى” ليحكم مصر بمقتضاه، ولأول مرة منذ آلاف السنين أحد المصريين، وهو الرئيس محمد نجيب بعد أن ظلت أسرة محمد على "التركية" تتوارث حكم مصر منذ عام 1805 وحتى عام 1952 أى طوال 147 عاما متصلة!!
وأيضا: يوم (18 يونيه عام 1956) وهو اليوم الذى شهد "جلاء" آخر جندى بريطانى من قوات بريطانيا "العظمى” عن مصر، وهو أيضا اليوم الذى تمر علينا ذكراه دون أن يتذكره أحد، فى تلفزيون أو صحف الحكومة.. وكأننا لا يجب أن نتذكر، ولا يجب أن نعيد إلى ذاكرة الأجيال، إلا ذكرى الهزيمة والاحتلال.. ومن يرجع إلى كتاب (تاريخ الوزارات المصرية) للمؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، سيعرف أن حبل هذا الاحتلال البريطانى البغيض التف حول رقبة مصر منذ عام 1882 وحتى عام 1956 أى طوال (74) عام كاملة.. وخلال سنوات الاحتلال هذه، تعاقب على حكم مصر (59) حكومة وفدية وغير وفدية، وكلها فشلت فى طرد الاحتلال البريطانى من مصر.. وبعد كل هذه السنوات من الاحتلال والإذلال والتبعية.. وتحديدا فى 19 أكتوبر عام 1954.. نجح عبد الناصر ورفاقه، فى "إرغام" بريطانيا "العظمى” على توقيع اتفاقية تقول مادتها الأولى حرفيا: (تجلو قوات صاحبة الجلالة جلاء تاما -هكذا بالحرف- عن الأراضى المصرية خلال عشرين شهرا من تاريخ التوقيع على هذه الاتفاقية، وهو التاسع عشر من شهر أكتوبر عام 1954).. أما كيف نجح عبد الناصر فى "إرغام" بريطانيا العظمى على تنفيذ الجلاء خلال (19) شهرا فقط وليس عشرين شهرا كما نصت الاتفاقية.. فها هو "سلوين لويد" وزير الخارجية البريطانية وقتها، وفقا لرواية الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه نفسه (تاريخ الوزارات المصرية).. ها هو الوزير سلوين لويد، يقف فى مجلس العموم البريطانى ويكشف السر وراء ذلك قائلا بالحرف: (عدد الهجمات التى تعرضت لها قواتنا فى منطقة قناة السويس خلال الشهور الستة، التى سبقت توقيعنا على اتفاقية الجلاء مع ناصر، وصل إلى 1542 هجوما "إرهابيا".. وأصبحت معظم التقارير السرية التى تأتى من سفارتنا فى القاهرة، تقول إن نصف قواتنا فى منطقة القناة، يحمى نصفها الآخر من هجمات المخربين المصريين!!).
أيضا، ها هو اللورد ستانسجيت -عضو مجلس اللوردات البريطانى- يقول هو الآخر فى نفس كتاب الدكتور يونان: (القاعدة البريطانية فى منطقة القناة أصبحت فى عهد ناصر لا تصلح لنا عسكريا، لأن أعمال الكراهية التى تتعقب قواتنا هناك تجعل آمنها مهددا كل يوم، وبالتالى لا معنى ولا فائدة لبقائنا على أرض مصر فى وجود ناصر ومخربيه!!).
لحظة من فضلك:
تلك هى بالحرف شهادة المحتلين البريطانيين بعضمة لسانهم، فى حق عبد الناصر و"مخربيه!!"..
كما وردت فى كتاب الدكتور يونان لبيب رزق، والتى قال فيه أيضا إنه من "العار" وعدم الموضوعية أن ننسى كل ذلك وغيره لعبد الناصر ورفاقه، ولا نتذكر لهم سوى "إخفاقهم" فى التصدى ل"عدوان" الصهاينة علينا فى خمسة يونيه عام 67.. أما الشهادة التى أدلى بها عبد الناصر نفسه، فى الخطاب الشهير الذى ألقاه عقب توقيعه على اتفاقية الجلاء، عرفانا بدور وبفضل هؤلاء الذين أسمتهم بريطانيا وقتها بالمخربين، وتسميهم أبواق الصهاينة والأمريكان حاليا بالإرهابيين.. فيقول عنهم عبد الناصر نصا: (أيها الأخوة المواطنون.. كتائب الفدائيين الأبطال كانت ترابط فى كل طريق يسلكه المحتل، وعلى رأس كل جسر يعبره الإنجليز، لتقذف الرعب فى قلوب المحتلين الانجليز وتهددهم بالموت فى كل لحظة يتواجدون فيها على أرض مصر، كتائب من الفدائيين الأحرار خرجوا للاستشهاد فى سبيل الوطن بلا ضجة ولا ضوضاء، لا تذكر الصحف أسماءهم ولا تقص شيئا من أخبارهم.. ذلك لأنهم لم يخرجوا طلبا للشهرة أو المظهرية، وإنما إيمانا بالفداء والتضحية.).. ليس هذا فقط، كل ما قاله عبد الناصر، لكنه بعد أن نجح هو (ومخربوه!!) فى إرغام بريطانيا العظمى، ودفعها للتوقيع على اتفاقية "الجلاء" أذاع على الشعب فى اليوم نفسه، بيانا شهيرا قال فيه نصا: (أيها الأخوة المواطنون.. إننا نعيش الآن لحظة مجيدة فى تاريخ الوطن.. ذلك لأننا، ومنذ اللحظة الأولى، قد وضعنا الهدف الأكبر من أهدافنا، وهو جلاء الإنجليز عن مصر، موضع التنفيذ.. وأبشركم بأننى وقعت الآن بالأحرف الأولى، اتفاقا ينهى الاحتلال وينظم عملية جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر الخالدة، وبذلك تعود أرض الوطن لأبنائه حرة عزيزة، بعد أن قاست تحت الاحتلال البغيض أكثر من سبعين عاما.. أيها المواطنون.. إننى الآن أسرح بخاطرى عبر أسوار الحياة، وأنظر إلى الذين جاهدوا من أجل هذا اليوم، ولم يمتد بهم العمر ليعيشوه.. إننى الآن -أيها الأخوة- اتجه إليهم بقلب شعب.. أتجه إليهم بوفاء جيل.. أتجه إليهم، وإلى هؤلاء الزعماء الذين كافحوا من قبلنا.. أتجه إلى أحمد عرابى، وإلى مصطفى كامل، وإلى محمد فريد، وإلى سعد زغلول، وإلى كل الذين وهبوا أرواحهم ودماءهم لتراب الوطن.. أتجه نحوهم، وأحذو حذوهم، وإليهم جميعا أقول: هذا نصركم، وثمرة كفاحكم، ولن نضعف ولن نتخاذل، وسوف نمضى فى شموخ على الطريق).
لحظة من فضلك:
ها هو جمال عبد الناصر، لا يحتكر الجهاد لنفسه.. هاهو عبد الناصر يرجع الجلاء والانتصار الذى تم فى عهده، إلى (كل هؤلاء الذين جاهدوا من قبله، ولم يمتد بهم العمر ليعيشوه).. وبالطبع، كان من "الأسهل" على عبد الناصر وقتها، ألا يخاطر بتنظيم وشن هجمات وعمليات "فدائية" ضد قوات بريطانيا العظمى.. كان يكفيه فقط، أن يجلس على مائدة المفاوضات، ويطلق بعض التصريحات، ويسافر إلى العواصم والمؤتمرات.. مثلما كان يفعل أغلب من سبقوه.. ومثلما يفعل حاليا معظم حكام الأمة العربية، سواء عن حسن نية، أو عن سوء قصد، ثم (يؤبد) فوق عرش مصر.. وعلى ذكر مصر، وجلاء الإنجليز عن أرض مصر.. الكاتب الراحل مصطفى أمين كتب هو الآخر على صفحات الأخبار فى (12 يونيه) عام 1958 ما يلى بالحرف: (ستة أيام فقط، وتحل الذكرى العطرة.. ستة أيام ويحتفل كل من فى قلبه ذرة حب لمصر، بالانتصار العظيم الذى تحقق على أيدى زعيمنا المحبوب جمال عبد الناصر، وهو جلاء المستعمر البريطانى عن أرض مصر.) هذا هو ما قاله الراحل مصطفى أمين بالحرف.. فلماذا إذن لم يحتفل المرتزقة والمتصهينون بهذه الذكرى "العطرة" فى 18يونيه من أى عام؟! هل لأن جلاء قوات بريطانيا "العظمى” عن مصر تحقق على أيدى عبد الناصر ورفاقه؟! أم لأن هؤلاء المصريين الصهاينة، لا يحملون فعلا فى قلوبهم (ذرة حب لمصر!!) كما قال الرحل مصطفى أمين؟!
هذا عن ذكرى (18 يونيه) على سبيل المثال.. أو بالضبط، هذا عن ذكرى واحد فقط من أعيادنا الوطنية، التى أصبحت "انتقائية" ونفاقية ولا يحرص البعض فى زمن الأمركة، على أن تظل "حية" فى الذاكرة المصرية.. وفى تاريخ مصر كما نعلم، وفى تاريخ عبد الناصر أيضا، ذلك الرجل الذى لا يتذكر له البعض سوى خمسة يونيه بالذات، فى تاريخ هذا الرجل أيام عديدة مجيدة يحفها النور، وتستحق أن نتذكرها ونتدبرها، وان نستلهمها دائما على مر العصور.
منها مثلا: يوم (23 يوليو) عام 1952 الذى خاطر فيه عبد الناصر ورفاقه بأرواحهم، وفجروا فيه ثورة يوليو، والذى لو فشلت الثورة يومها، ربما أعدمهم الملك فاروق فى ميدان عام، وربما كان الاحتلال البريطانى جاثما على صدر مصر حتى الآن.. ومنها أيضا، يوم (26 يوليه) عام 1956 وهو اليوم الذى أعلن فيه عبد الناصر تأميم قناة السويس، وخاضت فيه الإرادة المصرية أشرف وأشرس معارك الاستقلال الوطنى حتى نجحت فى استرداد القناة، وأصبحت أهم مصادرنا الحالية للحصول –يوميا- على العملة الأجنبية.. ومنها أيضا، يوم (9 سبتمبر) الذى أصدرت فيه ثورة يوليو قوانين الإصلاح الزراعى عام 1952 لصالح الفقراء والمعدمين، تحقيقا للعدالة وتذويبا للفوارق والطبقات بين الأغنياء والفقراء.. ومنها أيضا يوم (23 ديسمبر) ذكرى عيد النصر الذى انتصرنا فيه على العدوان الثلاثى عام 1956.. ومنها أيضا يوم (9 يناير) 1960 الذى بدأنا فيه ملحمة بناء السد العالى، بأموال وأيدى المصريين.. وأيام وشهور ومناسبات أخرى عديدة مجيدة، لا يقترب منها حاليا هؤلاء المرتزقة والمتصهينون العرب، كأنها "الجرب".. ولا يحرصون على أن تظل ماثلة دائما فى ذاكرة الأبناء.. مثلما يحرصون سنويا وبلا حياء، على إحياء ذكرى خمسة يونيه بالذات.. إما بالتغنى بقوة العدو وتحقير الذات.. وإما بالتحول إلى ندابين وندابات!!
بقى أن نعرف: العلاقة بين باعة الساكسونيا و"أسطوانة" خمسة يونيه.. باعة الساكسونيا، فى قاموس التعبيرات الشعبية هم: (من يقومون بمقايضة الملابس المستعملة والأحذية القديمة بالأطباق والأوانى الخزفية الرديئة، القابلة للكسر).. وسماسرة الأمريكان والصهاينة فى مصر، يشتركون مع باعة الساكسونيا فى المقايضة والتدليس.. بما فى ذلك مقايضة الوطن والأهل والكبرياء، ودماء الشهداء، بأشياء زائلة و"قابلة للكسر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.