18يونيو.. يوم مشهود سيظل محفوراً فى أذهان الشعب المصرى، ليس فقط لأنه اليوم الأول بعد إنتهاء جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بين «مرسى» مرشح الإخوان، و«شفيق»، والذى تابع المصريون بشغف ولهفة عمليات فرز اللجان الفرعية بجميع محافظات مصر، منتظرين من سيكون الرئيس المقبل، بعد تنحى «جلاء» الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، بعد ثورة 25 يناير، إلا أن هذا اليوم الذى يقترب فيه «مرسى» من قصر الرئاسة، تبعاً لمؤشرات الفرز حتى الآن، يتزامن مع ذكرى جلاء آخر جندى إنجليزى من مصر فى 18 يونيو 1956، وهذا ما تحتفل به مصر كل عام تحت شعار «عيد الجلاء» باعتباره رمزاً للكفاح وصمود الشعب ضد الاحتلال البريطاني على مدى 74 عام. «جلاء الإنجليز» بعد استعمار دام لأكثر من 74 عاماً، لا يختلف كثيراً عن «جلاء» المخلوع مبارك، الذى ظل حاكماً للدولة المصرية لأكثر من 30 عاماً، عاش خلالها المصريون أسوا فترات عصورهم.
وقع الزعيم جمال عبد الناصر إتفاقية الجلاء مع القوات الإنجليزية فى 19 اكتوبر عام 1954، وتم جلاء آخر جندى إنجليزى فى 18 يونيو 1956، وأعقب «الجلاء» تدهور ملحوظ للإقتصاد المصرى، نظراً لإرتباط مصالح الكثير من العائلات التي كانت تعيش في مصر بالمصالح الإنجليزية فى مصر، مما انعكس بالتإلى على الحالة الاقتصادية الشرائية في المدينة بشكل واضح محسوس، ومن العجيب أن السخط على المعاهدة كان يسود بين معظم أفراد الجاليات الأجنبية الذين كانوا يعملون في المعسكرات والقواعد الإنجليزية قبل جلاء قواتهم من مصر في يونيو 1956، وفقدوا وظائفهم وأخذوا يبحثون عن عمل للاسترزاق منه لتغطية تكاليف حياتهم، وكانت الأوامر واضحة وهى تغطية الاحتياجات من المصادر الوطنية، ورغم ذلك فقد راعت السلطات المصرية عدم قطع رزق الأجانب، وعرضت على الكثير منهم وظائف مساعدة على مستوى مادى عادل، إلا أن معظم هؤلاء الأجانب رفضوا العروض وفضلوا عدم العمل تحت اشراف أو إدارة مصرية بسبب احساسهم بالتعالى على الكفاءات المصرية رغم أنهم كانوا ضيوفا فى مصر. نفس الحال مع إختلاف الزمن.. «جلاء مبارك» عن الحكم شهدت مصر تدهوراً إقتصادياً للغاية بعد «الجلاء»، بجانب العدد الهائل من الإضرابات والاعتصامات التى شهدتها معظم مؤسسات الدولة خلال العام الماضى واستمرت حتى الآن، و«عجلة الإنتاج» التى يخرج علينا جميع المسئولين مؤكدين أنها فى تراجع مستمر، ولابد من الحفاظ على دوران «العجلة» !
«جلاء الإنجليز».. المثير للدهشة أن إتفاقية الجلاء تم توقيعها عام 1954، وتم تطبيقها عام 1956، وأيضاً «جلاء المخلوع» وتنحيه عن رئاسة مصر فى 11 فبراير عام 2011، ومجىء رئيس جديد «مرسى» أو «شفيق» بعد عام ونصف من «جلاء المخلوع».
«جلاء الإنجليز».. تأتى هذه الذكرى فى ظل أول انتخابات رئاسية مصرية «نزيهة» و«ساخنة» جاءت بعد أن قام الشعب المصرى بثورة راح ضحيتها الكثير من الشباب المصرى الذين طالبوا بالحرية بدلاً من العيش فى ظلم وهوان على يد المخلوع «مبارك»، الذى أصاب المصريين ب«الفقر» و«الجهل» و«المرض» وجعل من أدوات الدولة وهى «الشرطة» تحمى النظام ورموزه بدلاً من حماية الشعب، وعاشت شريحة كبيرة من المصريين تحت خط الفقر فى ذل وهوان، بينما اعتلى «رموز النظام السابق» القصور والفيلات واحتكروا المشهد السياسى والاقتصادى، وحينها قرر الشعب المصرى أن «جلاء» مبارك عن الحكم أصبح شىء حتمياً لا رجعة فيه، بعد أن استفحل فساد الشرطة، والتعذيب فى الأقسام، ولنا فى قصة «خالد سعيد» و«سيد بلال» عبرة وعظة، وجاء الختام تورط أمن الدولة ووزير الداخلية «حبيب العادلى» فى أحداث تفجير كنيسة القديسين، فى محاولة لإحداث فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط، لإبعاد الشعب المصرى عن المشهد السياسى ، حتى يتسنى لهم تهيئة المناخ لعملية «توريث الرئاسة» وانتقالها بشكل سلمى من المخلوع إلى نجله جمال، وترك «إسرائيل» تفعل ما يحلو لها فى فلسطين ومع الجنود المصريين على الحدود، وتقتل ما يشاء «عن طريق الخطأ» ولا تحرك الدولة ساكناً لهم ولو «عن طريق الخطأ».
ثمة أشياء متشابهة بين «جلاء الإنجليز» و«جلاء المخلوع» وانتخاب رئيس جديد، كلاهما جاء نتاج صبر وكفاح وصمود، فتنحى المخلوع لم يأتى بين يوم وليلة، وإنما جاء بالتضحية والكفاح على مدار سنوات وليس خلال ال«18 يوم» أيام الثورة المصرية، وكذلك «جلاء الإنجليز» جاء نتاج لثمار مفاوضات طويلة وشاقة بين الجانبين المصري والبريطاني، حيث أن توقيع اتفاقية الجلاء في أكتوبر عام 1954 لم يكن متاحاً للمصريين، دون الدور الذي لعبته «حرب الفدائيين» في منطقة معسكرات الجيش البريطاني، وكانت هذه الحرب امتدادا للتواصل التاريخي لعمليات الفدائيين التي تلت مباشرة إلغاء معاهدة 1936 من جانب واحد لزعيم الوفد وزعيم الحكومة حينذاك مصطفى النحاس في 8 أكتوبر 1951.