أتحدث عن كيان مهيب، يجدر به دوما أن يبقى مهيبا وقورا ذا مكانة عالية في القلوب و العقول، إنه القضاء، و رغم كل ما رأينا من سلوكيات بعض المنتسبين إلى سلك القضاء و من أحكامهم الصادمة في العامين الماضيين، فقد جاء اليوم الذي نجد فيه ما كان بعيدا نسبيا عن مدى التوقعات، جاء اليوم الذي يسيئ فيه المجلس الأعلى للقضاء ذاته إلى قضاء مصر بكل من فيه، فإن دعوة المجلس الأعلى للنائب العام الحالي أن يبدي رغبته في ترك منصبه و العودة إلى منصة القاضي كحل للأزمة الدائرة – هي دعوة مشينة لهم و تدينهم و معهم باقي قضاة مصر، و تدفع بثقة المواطنين إلى درجات أدنى و أدنى ... فقد قبل أعضاء المجلس طوال الشهور الماضية وجود النائب العام عضوا بينهم، و لو كانوا رأوا عدم شرعيته ما كانوا قبلوا به، و لا يمكن أن يقول قائل إنهم أجبروا على ذلك، لأنهم لو كانوا أجبروا و قبلوا و تعايشوا مع الإجبار لما استحقوا أبدا أن يكونوا قضاة، ناهيكم عن أن يكونوا أعضاء مجلس القضاء الأعلى إن المجلس الأعلى يريد من السيد النائب العام أن ينقذ القضاء من انكشاف ما فيه من فساد و هوى حاكم لبعض من القضاة و أعضاء النيابة، و هذا بدلا من أن يكونوا مع جلال أقدارهم في مناصبهم، على المستوى اللائق من الشجاعة فيتخلصوا من قضاة الأهواء، و يطهروا قضاء مصر ممن لا يستحقون الانتساب إليه
و العجيب أن نرى محاولة لتدمير ملفات القضايا بحرق المحاكم و المحاولة بعد المحاولة لاقتحام دار القضاء العالي لنفس الغرض على ما لا يخفى على أحد، ثم لا يبدأ المجلس الأعلى في نظر الأمور و وضعها في نصابها، و حماية حقوق البلاد و العباد بمتابعة قضاته و نوابه و تقييم أعمالهم، ثم تأتي تلك الواقعة فنجد المحامية المفصولة من المحكمة الدستورية تعلن تهديد القضاة بكشف و فضح سيرهم إن هم لم يتعاونوا ضد النائب العام الحالي و لم يعملوا على إعادتها إلى حيث كانت .. و نجدهم قد أمهلوا رئيس نادي القضاة أسبوعين للرد على ما يتهم به من فساد، ثم قد مضت ستة أسابيع اختفى فيه رئيس النادي نسبيا، و ثم ها هو يعاود الظهور الإعلامي، و لم يتخذ المجلس الأعلى أي إجراء معه .. كما لم يعلق أو يقم بأية بادرة للتعامل مع ما أعلن من حصول النائب العام السابق على هدايا بحكم منصبه، قام بردها مؤخرا
و في كل يوم تقريبا نجد السادة المستشارين في قنوات التليفزيون يحاربون بعضهم بعضا و يصولون و يجولون في أمور الحكم و السياسة و كل يعمل من أجل ما يرغب و يريد و لدحض أراء زملائه المستشارين الآخرين، و هم الذين ينبغي عليهم أن يترفعوا عن الإعلام و عن السياسة و عن أن يتجادلوا بينهم أمام الناس لأن في جدالهم إفقاد القضاء هيبته و مصداقيته، فبتجادلهم يتعلم الناس أن الأحكام إنما هي وجهات نظر و أراء و أهواء، لا تطيبق للقانون، و كيف تكون تطبيقا للقانون و ها هم السادة القضاء يتجادلون و يناظر بعضهم بعضا بشأن قضايا قائمة أو قضايا تم الحكم فيها، و هذا وضع لا يمكن أن يستقيم إلا إذا كان سيتاح لكل مواطن أن يختار قاضيه، فلو لم يكن القضاء تطيبق القانون إنما رأي و ميول، فيجب أن يكون يلي أن أختار القاضي الذي أراه من أجل قضاياي !!
إن على السادة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أن يتركوا الساحة، لعل ثقة المواطنين في القضاء تعود كما كانت، أو أن يقوموا بالمسئولية الجسيمة في الحفاظ على احترام القضاء كما يجب، و كبح جماح هوى البعض فيه .. لابد من ثورة داخل القضاء، و لن أرجو أبدا أن تقع ثورة على القضاء، غير أن ما يجري فيه قضاء على القضاء المصري *كلية الهندسة ببنها