من أدخل فى إطار مهيب كان الأولى به أن يبقى دومًا مهيبًا وقورًا، ذا مكانة عالية فى القلوب والعقول، إنه القضاء، ورغم كل ما رأينا من سلوكيات بعض المنتسبين إلى سلك القضاء ومن أحكامهم، فقد جاء اليوم الذى يسيء فيه المجلس الأعلى للقضاء إلى قضاء مصر بكل من فيه، فإن دعوة المجلس الأعلى للنائب العام أن يبدى رغبته فى ترك منصبه والعودة إلى منصة القاضى كحل للأزمة الدائرة – هى دعوة مشينة لهم وتدينهم ومعهم أعضاء السلك القضائي، فقد قبلوا طوال الشهور الماضية وجود النائب العام عضوا فى المجلس الأعلى بينهم، ولو علموا عدم شرعيته ما كانوا قبلوا به، ولا يمكن أن يقول قائل إنهم أجبروا على ذلك، لأنهم لو كانوا أجبروا وقبلوا وتعايشوا مع الإجبار لما استحقوا أبدا أن يكونوا قضاة، ناهيكم عن أن يكونوا أعضاء مجلس القضاء الأعلى. إن المجلس الأعلى يريد من السيد النائب العام أن ينقذ القضاء من انكشاف ما فيه من فساد وهوى حاكم لبعض من القضاة وأعضاء النيابة، وهذا بدلاً من أن يكونوا مع جلال أقدارهم فى مناصبهم، على المستوى اللائق بهم من الشجاعة فيتخلصوا من قضاة الأهواء، ويطهروا قضاء مصر ممن لا يستحقون الانتساب إليه. والعجيب أن نرى محاولة لتدمير ملفات القضايا بحرق المحاكم والمحاولة بعد المحاولة، لاقتحام دار القضاء العالى لنفس الغرض على ما لا يخفى على أحد، ثم لا يبدأ المجلس الأعلى فى نظر الأمور ووضعها فى نصابها، وحماية حقوق البلاد والعباد بمتابعة قضاته ونوابه وتقييم أعمالهم، ثم تأتى تلك الواقعة فنجد المحامية المفصولة من المحكمة الدستورية تعلن تهديد القضاة بكشف وفضح سيرهم، إن هم لم يتعاونوا ضد النائب العام الحالى ولم يعملوا على إعادتها إلى حيث كانت. وفى كل يوم تقريبًا نجد السادة المستشارين فى قنوات التليفزيون يحاربون بعضهم بعضا ويصولون ويجولون فى أمور الحكم والسياسة، وكل يعمل من أجل ما يرغب ويريد ودحض آراء زملائه المستشارين الآخرين، وهم الذين ينبغى عليهم أن يترفعوا عن الإعلام، وعن السياسة، وعن أن يتجادلوا بينهم أمام الناس لأن فى جدالهم إفقاد القضاء هيبته ومصداقيته، فبتجادلهم يتعلم الناس أن الأحكام إنما هى وجهات نظر وآراء وأهواء، لا تطبيق للقانون، وكيف تكون تطبيقا للقانون وها هم السادة القضاء يتجادلون ويناظر بعضهم بعضا بشأن قضايا قائمة أو قضايا تم الحكم فيها، وهذا وضع لا يمكن أن يستقيم إلا إذا أتيح لكل مواطن أن يختار قاضيه!! على السادة قضاة المجلس الأعلى أن يتركوا الساحة، لعل ثقة المواطنين فى القضاء تعود كما كانت، أو أن يقوموا بالمسئولية الجسمية فى الحفاظ على احترام القضاء كما يجب، لابد من ثورة داخل القضاء، ولن أرجو أبدًا أن تقع ثورة على القضاء، غير أن ما يجرى فيه قضاء على قضاء المصري. [email protected]