أن يتم تعيين أكثر من نائب لرئيس الجمهورية، يبدو أمرًا يحبذه الكافة، ويرون فيه إمكانية جمع الصفوف وتوحيد التيارات السياسية، وربما فيه كذلك نكاية فى مبارك الذى طالما أهان مصر برفض تعيين نائب له، لأنه لم يجد من يصلح للمنصب كما كان يقول.. غير أن فى هذا الأمر ما قد يكون فخًا نسير إليه بالفعل، فإن تحديد امرأة وشخص مسيحى من بين النواب، هو أمر ينطوى على خطورة، لا أدرى كيف غفل عنها من يهاجمون الجمعية التأسيسية بالتحديد لوجود ما يسمونه "محاصصة" فيها، بمعنى توزيع مقاعد الجمعية على التيارات السياسية بحسب أنواعها وأحجامها.. فإن تعيين نائب مسيحى أو امرأة يعنى الأمر ذاته، يعنى طائفية ومحاصصة.. فهل سيكون النائب المسيحى ممثلاً للمسيحيين أو متحدثًا نيابة عنهم أمام الدولة، خاصة أن الكنائس بدأت تقدم ترشيحاتها للمنصب، وقد شملت الترشيحات واحدة من أعلام جماعات أقباط المهجر.. والمفترض أن الرئيس يعين من يراه الأصلح، لا من تقدمه طائفة من الطوائف ليمثلها. وهل بعد سنوات، عند انتخاب رئيس جديد، سيكون منصب النائب المسيحى محفوظًا لشخص آخر؟ هل سيكون عرفًا لا يمكن التراجع عنه؟.. إن هذه هى المحاصصة والتقسيم الطائفى بعينه، وهو ضد فكرة المواطنة المقدسة فى كتابات الكثيرين.. ثم أين النائب النوبى أو السيناوى أو الصعيدى، وهم القطاعات التى حرمها النظام السابق أكثر من غيرها، من فرص الحياة الكريمة بإهماله وتقصيره فى الاهتمام بشئون البلاد. والحال هو ذاته للمرأة، وإن كان أقل خطورة، لأن النساء ليست طائفة فكرية أو عقائدية أو عرق.. بينما المسيحية عقيدة والتقسيم على أساس العقيدة خطر.. يمكن فى ظل ما نعيشه من اضطراب وتنافس على كل شىء حتى مجرد الظهور الإعلامى أن نجد من النائب المسيحى بطلاً قوميًا للمسيحيين فى مصر وتبدأ أفكار الحكم الذاتى فى الظهور، مثلما فى العراق الآن، والخطر هو أنه عند ذلك سيكون التراجع محط عداوة شديدة من الداخل ومن الخارج. لابد من كثير من الحكمة، لا يأتى منصب نائب الرئيس المسيحى وكأنه تمثيل للمسيحيين فى مصر، وقد أقترح ألا يكلف هذا النائب بملفات التوتر الطائفى أو أن يكون الطرف المسيحى فى مناقشتها والتعامل معها، بل أن يكون وجوده عملاً رمزيًا للتأكيد على أنه لا فرق بين المصريين وبعضهم عقائديًا، ويحدد له الرئيس مهامه كالآخرين من النواب، ولا يجب أن يكون هذا النائب ولا النائبة المرأة عرفًا فيما بعد الرئيس الحالى. إن هذا التقسيم الطائفى هو أس لبلايا لبنان، وهو ما يدفع نحو تقسيم العراق، ولا ننسى أن رئيس جنوب السودان كان نائب الرئيس عمر البشير فى فترة من الفترات، وكان ذلك أيضًا سبب تقسيم يوغسلافيا السابقة، ولا نريد أن نبدأ الطريق نحو تقسيم مصر بهذا العمل الحسن النية والمنطلق، ولكنه يحمل الخطر الشديد بين طياته. د. مجدى هلال - جامعة بنها [email protected]