يقدم قرار الدكتور محمد البرادعى، بالانسحاب من سباق الرئاسة، فرصة للتخلص من طبع ملازم لنا، نحن المصريين، ألا و هو التفانى فى التأييد والاحتشاد حول بعض الرموز، بطريقة تفتقد التعقل أحيانا كثيرة، ليس معنى هذا بالضرورة أن ذلك الشخص الرمز لا يستحق ما يناله من التفاف حوله أو إكبار له، و لكن الكيفية عادة ما تكون هى المشكلة و يؤكد على تلك المشكلة، أنه عندما يقرر البعض الانصراف عن تأييد شخص ما أو موقف ما، يكون انصرافه دائما إلى الضد أو حتى إلى العداوة نحو ذلك الشخص أو الموقف أو حتى المبدأ، و مثال ذلك تحولات كثيرة فى وسائل الإعلام، و مثال ذلك أيضًا الطرق الدرامية التى انقلب بها أشخاص لهم مقاماتهم على الدكتور البرادعى خلال الشهور السابقة، و ليس فى ذلك انتقاد لأى منهم، و لكنه ضغط "الطبع الجمعى" العاطفى للمصريين، هو الذى يدفع حتى المنطقيين فى تفكيرهم إلى التخلى عن المنطقية أحيانا من أجل كسب رضا الجموع نحن فى مصر نُكْبِرُ الكبار جدا، بل و نقول "من ليس له كبير يشترى كبيرا" ... كأننا لابد أن نكون تابعين لأحد ما، ثم نعطيه من الحجم و من المكانة ما قد لا يحلم به .. و يصل الأمر أحيانا إلى عبادة ذلك الكبير (الفرعون)، أو المبالغة غير المحدودة فى قيمة أحدهم من قائد أو كاتب أو مطرب أو ممثل، فلا يكفينا أن يكون الكاتب فلان أو الممثل فلان، أو السيد القائد، لكن لابد أن يكون الكبير و القدير و الملَهَم، و من ليس كمثله غيره ... و ربما حكم البعض على الأجنة فى بطون أمهاتها بالتأييد و التشجيع و التسبيح بمحامد الكبير، "و الكبير أوى" ... إن الدكتور محمد البرادعى هو فعلا من أطلق شرارة الثورة، و سيبقى ذكره دائما مرتبطا بهذا فى تاريخ مصر، و ميزته الأهم هى أسلوب فكره المرتب المنطقى، العقلانى، الذى تشكل فى أثناء عمله خارج مصر، و هو من أهم ما كان يدعمه كرئيس للبلاد و نحن نحتاج هذا فى مصر الآن، و لقد يكون هذا هو ما صرف عنه كثيرا من أعلام مؤيديه فى بداية تكون الجمعية المصرية للتغيير، فإنه لم يتخل عن المنطق التام، كما بدا لى على الأقل . و إن منطقيته هذه هى التى أوصلته إلى قراره، فرغم كونه مطلق الشرارة الأولى، فإن فرصه فى الفوز لم تكن متحققة، فالواقع يقول إن الذى سيؤيده الإخوان المسلمون هو الأوفر حظًا، و ترتبط فرص فوز محمد البرادعى بالرئاسة بفرص دعم الإخوان له، و هى لا تبدو كبيرة، و بالتالى لا يكون الاستمرار من الحكمة، و إنما يكون من باب حب الظهور و الشهوة، و بعد ذلك يبقى لمن يرغب أن يدرس مغازى التوقيت الذى تم فيه إعلان ذلك القرار بالانسحاب من سباق الرئاسة، و لقد يقال بعاطفية إن استمراره كان يمكن أن يكون مفيدا، لأنه سيثرى العملية الانتخابية، و لكن من يحترم المنصب الذى يجرى حوله السباق، لا يفعل ذلك، و لعل احترام ذلك المنصب هو أول دلائل الإحساس بالمسئولية يجب أن تكون هذه فرصة لمن جرفه تيار التأييد و الحب التقدير لشخص ما، وأنساه أن يفكر فى فرص النجاح فيما يستهدفه – ينبغى أن تكون فرصة لترتيب الأفكار و دراسة و تقييم الإمكانات، و السعى نحو تحقيق ما يراد تحقيقه على أساس من الواقع [email protected]