أزمات متلاحقة تعرضت لها الحياة الزراعية فى السنوات السابقة كادت تقضى على الحياة الزراعية فى مصر، خاصة رغبة حكومات النظام السابق فى السيطرة والهيمنة على قطاع الزراعة وجمعيات التعاون الزراعى، وذلك فى ظل سياسة التطبيع الزراعى مع العدو الصهيونى التى كانت تمارسها حكومات النظام السابق، الأمر الذى أدى إلى ضعف الحركة التعاونية فى مصر وانتشار الفساد بها وفقدها دورها الرائد فى التنمية الزراعية ودعم الفلاح وتحسين حالته المعيشية، بالإضافة إلى تبديد أموال المساهمين فى تلك الجمعيات المنتشرة فى جميع قرى المحروسة، خاصة بعد تطبيق القانون رقم 96/1992 والخاص بالعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية، والذى سمح للمالك باسترداد أرضه من المستأجر، وترك الفلاح يقع فريسة لتجار السوق السوداء لمستلزمات العملية الزراعية. النشأة عرفت مصر جمعيات التعاون الزراعى من قديم الأزل وبالتحديد فى العام 1910، حين تم تأسيس أول شركة تعاونية زراعية فى «شبرا النملة» بمحافظة الغربية، تلتها فى العام نفسه 10 شركات تعاونية أخرى كانت جميعها من النوع متعدد الأغراض. وفى عام 1923 صدر أول قانون تعاونى مصرى هو القانون رقم 27 لسنة 1923. وفى عام 1931 أنشئ بنك التسليف الزراعى الذى عهدت إليه الحكومة بإقراض الجمعيات التعاونية الزراعية والفلاحين، ولم تضع له الحكومة حدا أعلى للقروض. وصدر قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 ونصت مواد القانون على وجوب إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية فى الأراضى التى وزعت على صغار الفلاحين، وقد نجحت تعاونيات الإصلاح الزراعى فى مد أعضائها بالقروض والسلف بضمان المحصول دون التقيد بضمان الأرض، وفى ظل هذه القوانين والقرارات والنظم زاد عدد الجمعيات التعاونية حتى شمل جميع قرى الجمهورية بلا استثناء، كما زادت معاملات الجمعيات التعاونية الزراعية وأعضائها ورءوس أموالها واحتياطاتها وصارت جميع الخدمات الزراعية للفلاحين تؤدى إليهم عن طريق الجمعيات التعاونية. نهب أموال المساهمين وتقوم هذه الجمعيات على أموال المساهمون وهم ملاك الأرض الزراعية والمستأجرين الذين وصل تعدادهم فى آخر إحصاء لمركز الأرض لحقوق الإنسان إلى مليونين و830 ألف فلاح، ويتم تحديد عدد الأسهم بناء على ما يملكه الفلاح أو يستأجره من أرض زراعية، وذلك نظير خدمات زراعية تقدمها الجمعيات التعاونية الزراعية للمساهمين، وبعد تطبيق القانون رقم 96/1992 والخاص بالعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر والذى سمح للمالك باسترداد أرضه من المستأجر قامت الجمعيات الزراعية بسحب الحيازات من المستأجرين ولم يبق لديها غير حيازات الملاك، وبناء على سحب الحيازات انقطعت الصلة تماما بين المستأجرين والجمعيات التعاونية الزراعية، واستولى أباطرة النظام السابق على الجمعيات الزراعية وعلى مجالس إدارتها بإشراف حكومى تام لإخضاعها للسيطرة، وتحولت من خدمة الفلاح إلى خدمة النظام وسياسة التطبيع الزراعى مع العدو الصهيونى. هياكل خربة ويؤكد رشدى عرنوط أمين فلاحى حزب «العمل» أن سياسة الحكومات السابقة حولت جمعيات التعاون الزراعى إلى «هياكل خربة» ومبان بدون جدوى، فقد تم السطو على مجالس الإدارة والسيطرة عليها وعلى أموالها، وعدم دعمها بالشكل الكافى وتحويل أنشطة الجمعية كلها إلى خدمة النظام، الأمر الذى جعلها تعانى حزمة من المشكلات أثرت بالسلب فى الحياة الزراعية فى مصر، فهل يعقل أن يكون بدل حضور العضو لجلسات مجلس الإدارة (3 جنيهات)! وأضاف عرنوط: المبانى المتهالكة لمقرات الجمعيات الزراعية على مستوى الجمهورية خاوية من مخازن للأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية، فتعزف عن توفير هذه المستلزمات وتترك الفلاح يتعامل مع السوق السوداء فى شراء مستلزمات الزراعة. أين سماد الفلاحين؟ كما اتهم نقيب فلاحى الفيوم وعضو اتحاد صغار الفلاحين، الجمعية التعاونية بأباظة مركز يوسف الصديق، بأنها تستولى على كميات السماد المدعوم ولا تصرفه للفلاحين، وتطرحه فى السوق السوداء، وذلك استنادا إلى عائلة يوسف والى الذى استولى على الأرض وشرد فلاحيها بموجب قانون 96 لسنة 92 الخاص بالعلاقة بين المالك والمستأجر، وبعد ثورة 25 يناير المجيدة تم استرداد الأرض، وكل فلاح حصل على أرضه التى تسلمها بموجب عقد رسمى من الإصلاح الزراعى من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن إدارة الجمعية بأباظة رفضت الاعتراف بهذه العقود، ويتم صرف السماد المدعوم للمساحات المزروعة بسعر السوق السوداء. ضغوط على الفلاح وأضاف عبد المنعم الصياد أمين فلاحى كفر الشيخ أن الجمعيات التعاونية الزراعية أصبحت عبئا على الفلاح، وذلك من خلال ممارسة الضغوط عليه بضرورة المساهمة وتسديد الاشتراكات، وفى المقابل لا يوجد أية خدمة مقدمة إلى الفلاح، فأين الأسمدة المتوفرة؟ وأين المبيدات الصالحة؟ وأين البذو؟ الكل موجود فى السوق السوداء، أضف إلى ذلك غياب الإرشاد الزراعى وهو أمر فى منتهى الخطورة؛ فالمشرف الزراعى هو حلقة الوصل بين المراكز البحثية والفلاح، هذه الحلقة أصبحت مفقودة، ومن ثم لا يستفيد الفلاح من الدراسات والبحوث الزراعية. وأكد عبد المنعم أن المزارعين هذه الأيام فى أمس الحاجة إلى مثل هذه الكيانات ذات الإشراف الأهلى للتعاون مع الحكومة للنهوض بالزراعة، خاصة فيما يخص محصول القمح الذى تنجنى ثماره هذه الأيام.. غاب دور الجمعيات التعاونية ومجالس إدارتها فى حصاده وتوريده للحكومة وتوعية الفلاحين بذلك. المبيدات المسرطنة كما أكد عبد الفتاح عبد العزيز عضو نقابة فلاحى البحيرة أن غياب الإشراف الزراعى من التعاونيات الزراعية جعل الفلاح عرضة لأن يستخدم مبيدات مهربة قد تكون مضرة بمحصوله، أو تكون مسرطنة؛ إذ إن للإشراف الزراعى دورا كبيرا فى توعية الفلاح بالمبيدات التى تصلح والتى لا تصلح، فلقد أصبحت الفلاحة مهنة بالممارسة وأصبح الفلاح هو «دكتور نفسه»، لذلك نسعى جاهدين إلى إعادة ترتيب البيت التعاونى من جديد ومد جذور الثقة بين الفلاح وهذه المؤسسة التى فقدت رونقها، وذلك من خلال التنسيق مع الجهات المسئولة بوزارة الزراعة والنقابات المعنية بهذه القضية. أزمات عابرة وفى سياق متصل أكد أبو العباس عثمان أمين عام الفلاحين ورئيس الجمعية التعاونية الزراعية على مستوى الجمهورية، أن الأزمات والمشكلات التى تواجه الجمعيات الزراعية على مستوى الجمهورية هى أزمات عابرة، فعلى سبيل المثال أزمة الأسمدة، فهذه الأيام المخازن مكدسة بالأسمدة فهى أموال مجمدة تُدفع عليها فوائد، وهذا التكدس لأن هذه الأيام لا يوجد محاصيل تحتاج إلى أسمدة، وتنشأ الأزمة فى أيام مواسم المحاصيل ويتم تداركها، وكذلك البذور.