«تصوروا».. مريضة فى حالة ولادة مستعصية، وأُدخلت غرفة العمليات الرئيسة، ففوجئت بدلا من المعدات الطبية بمعدات نجارة، وأخشاب.. مناشير، ومفكات! وبدلا من الممرضات وجدت بانتظارها عمالة فنية بملابسهم المتسخة بزيوت التشحيم.. كيف يكون موقفها؟! ستقضى نحبها خوفا، وكأننا فى فيلم من أفلام (الأكشن) المرعبة. المستشفيات الحكومية معاناة لا تنتهى.. يعاملون مرضاها وكأنهم بشر من الدرجة الثالثة، وبدلا من الرعاية والاهتمام لا يجدون فى هذه المنشآت الصحية الرسمية سوى الإهمال وسوء التشخيص ورداءة الخدمات، ما يضاعف آلامهم وربما يعرضهم لأخطار قد تودى بحياتهم. «مسكينة» محافظة مطروح؛ فهى قليلة الحظ فى الخدمات. ففى الوقت الذى استبشر أهل مطروح خيرا فى ثورة يناير، تزايدت الشكاوى من تنامى حالات الوفاة والأخطاء الطبية التى سجلت ضد الطاقم الطبى بغالبية المستشفيات، فقد قضى 21 مولودا و12 رجلا و7 سيدات نحبهم فى المستشفى العام، طبقا لإحصاءات مسجلة بالصحة، وخلال عامين فقط منذ اندلاع الثورة. أرقام الوفاة المخيفة تجاوزت المعدلات العالمية المتعارف عليها، وفى ظل تباطؤ وزارة الصحة. وأكدت تقارير رقابية عدم جاهزية المبنى ونقص الكوادر الطبية والموظفين بالمستشفى، حتى إن بعض الأجنحة لا يوجد بها سوى موظف واحد، وساعات الدوام تتجاوز 12 ساعة، ونتيجة لذلك يقع الخطأ الطبى الناتج من الإرهاق وقلة التركيز، وعدم جودة غرفة التعقيم، بالإضافة إلى عدم جاهزية وحدة العناية المركزة لحديثى الولادة، وكذلك تحول غرفة العمليات الرئيسة إلى (ورشة نجارة). وعلى الرغم من أن ثورة 25 يناير استهدفت وقف الفساد ومحاسبة الفاسدين المسئولين عن فقد الكثيرين من الشعب أرواحهم بسبب تدنى الخدمات الطبية والإهمال، فإن التطهير لم يصل بعد إلى بعض الأجهزة المعنية بمحافظة مطروح. واليوم نفتح أخطر الملفات التى تتعلق بحياة المواطن ولا يعرف عنها محافظ مطروح، اللواء أحمد حلمى الهياتمى، شيئا. «الإهمال» هى كلمة السر التى أدت إلى فقد الفقراء حياتهم. النقص الشديد فى الأجهزة الطبية، طوابير طويلة من المرضى والمصابين.. كل هذا يؤكد أنك فى «مستشفى مطروح العام». مبنى مستشفى مطروح العام يعد من أحدث مستشفيات وزارة الصحة الذى تم تجميله وتزيينه بالطوب الحرارى والألوان التى تسر الناظرين، لكن بمجرد أن تطأ قدماك داخل المبنى ترى ما لا يسر. قسم الاستقبال والطوارئ بالمستشفى العام مكتظ بالمرضى، لكن الإمكانات محدودة، إن لم تكن موجودة أصلا.. فالمسكنات العامة مثل أدوية المغص الكلوى وموسعات الشعب الهوائية تكاد تكون معدومة.. كما أنه لا يوجد دكتور متخصص فى طب الأطفال فى قسم الاستقبال الذى خلا مكانه منذ رحيل أحد الأطباء منذ فترة بعيدة. أزمة مستشفى مطروح العام لا تكمن فى قسم استقباله فحسب، لكن حالته العامة تشير إلى عدم وجود جهاز رسم مخ وأعصاب وعضلات، كما لا يوجد أيضا أجهزة مناظير ولا أجهزة للمرضى المصابين بالصدر أو صعوبة التنفس، وهو ما يستدعى نقل المريض إلى المستشفى الجامعى بالإسكندرية، الذى يبعد نحو 300 كيلومتر عن مرسى مطروح، وكذلك يعانى المستشفى من نقص شديد وندرة فى خيوط الجراحة والمشارط، بالإضافة إلى سوء حالة أجهزة التعقيم المركزى. المستشفى المركزى الوحيد بمطروح لا يوجد به قسم جراحة المخ والأعصاب ولا قسم لمرضى الروماتيزم، وكذلك لا يوجد تخصص أوعية دموية، ولا أيضا جراحة الوجه والفكين، ولا يوجد اختصاصيو أشعة. ولكن يوجد طبيب واحد (عظام ومخ وأعصاب)، وتظل الكارثة قائمة، والمشرف على القسم هو دكتور باطنة، مع وجود استشارى أورام يذهب يوما واحدا فى الأسبوع ليشرف على القسم الذى لا يوجد به جهاز أشعة لعلاج مرضى الأورام، ما يعنى أن مطروح خالية من العلاج الإشعاعى. جهاز الأشعة المقطعية بالمستشفى لم يكن أحسن حالا، فهو موجود بالمستشفى منذ ما يقرب من 20 عاما، وهو جهاز دائم الأعطال، استمر آخر أعطاله أكثر من 20 يوما متصلة بداية من أوزل سبتمبر حتى 20 من الشهر نفسه. جهاز «بانوراما» الخاص بعمل أشعة الفك والأسنان -وهو الوحيد على مستوى المحافظة- معطل منذ شهور، وفشلت شركة الصيانة فى إصلاحه، وهناك نقص شديد فى أعداد الأطباء بالمستشفى بسبب عدم صرف الحوافز والبدلات. تقرير وزارة الصحة عن المستشفى قد ورد فيه تدنى ترتيب المستشفى إلى المراكز الأخيرة كونها أكثر المستشفيات سوءا على مستوى الجمهورية، بعد أن كان ترتيبه متقدما منذ عدة سنوات، وأشار إلى سوء حال قسم الطوارئ بالمستشفى، من حيث البنية التحتية والسباكة التى تطفح باستمرار، ومن حيث الإمكانيات الطبية من مستهلكات وأجهزة طبية. الأجهزة التنفيذية والمحافظ يعيشون فى غيبوبة، لا أحد يهتم ولا أحد يفكر فى المرور وتلبية احتياجات المرضى، الوضع غاية فى السوء وينذر بكارثة قريبا «إن لم تكن وقعت بالفعل». المستشفى أصبح (ورشة نجارة) وحقل تجارب.. يقول مصطفى أحمد عوض، وهو يتردد على المستشفيات شهرا كاملا برفقة ابنه البالغ من العمر 16 عاما بهدف إجراء عملية جراحية عادية لكليته اليمنى التى كانت مصابة بالتهاب مزمن، وظل طوال شهر كامل يعانى من أجل إجراء العملية فى ظل إجراءات روتينية لا نهاية لها، ما تسبب فى مضاعفات خطيرة للمريض.. يقول مصطفى: مكثت شهرا كاملا ذهابا وإيابا إلى أن تقيحت كلية ابنى، فأصبح من الضرورى استئصالها، ومر علينا حتى الآن أكثر من أسبوع منذ أن رقد ابنى فى المستشفى لاستئصال الكلية، ولولا التأخير الكبير فى أثناء المعاملة، لما أصيبت الكلية بالتقيح.. ولكن لا نملك إلا أن نقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله». ويضيف خالد سعد حسين، 41 سنة، أنه أصيب بتقرحات فى جدار المعدة، لذلك تردد على المستشفى الحكومى لتلقى العلاج.. ولم يكن يدرى أن أخطاء كثيرة ستكون له بالمرصاد، ويشرح خالد ما حدث معه قائلا: طلب منى الدكتور إجراء فحوصات وتحاليل ومنظار للمعدة، وبعد إجراء المنظار قال لى الطبيب إن نتيجة المنظار بينت أننى لا أعانى من تقرحات، وإنما من التهابات خفيفة فى جدار الاثنى عشر، فسألته كيف ذلك وأنا قد أجريت منظارا فى مستشفى خاص وأكد الأطباء لى أننى مصاب بتقرحات فى جدار المعدة؟ ولكن الدكتور لم يهتم لكلامى، ووصف لى علاجا، ظللت فى المستشفى أياما لتناول هذا العلاج، لكننى لم أشعر بأى تحسن فى حالتى، بل تضاعف الألم فى بطنى وكنت أتعرض للطرش، فاستدعيت الطبيب المعالج، وأخبرته بما أشعر به من تغيرات جديدة، فقرر الأطباء تحويلى إلى مستشفى بالإسكندرية، كما هو متبع مع أغلب الحالات، وذلك لإجراء عملية منظار أخرى من جديد، وقد كان، ليتأكد الدكتور أننى فعلا أعانى تقرحات المعدة، واكتشف حدوث خطأ فى كتابة تقرير المنظار الأول، أما أنا فتحملت تكاليف عمليتى المنظار الأولى والثانية، وتحملت آلاما عشرة أيام بسبب الخطأ الطبى. أما ناجى، 37 سنة، والذى دخل المستشفى فى إثر حادث مرورى أدى إلى إصابته بكسر فى الساق والحوض؛ فيضيف قائلا: عندما دخلت المستشفى شعرت بالإحباط؛ فالأكل الذى يقدمونه فى أغلب الأوقات غير صحى كأنه ملوث، أما بالنسبة إلى الممرضين والممرضات فأغلبهم لا يعرفون كيفية (الحقن فى الوريد)؛ فلقد دخل علىّ أحد الممرضين فأعطانى حقنة فى المكان غير المخصص لها، ثم أخرجها وضربها فى مكان آخر غير مخصص لها أيضا، وأخرجها إلى أن جاء على المكان المخصص، وكأن يدى أصبحت أداة لإجراء تجارب عليها لتعلم الحقن فى الوريد. ويضيف ناجى: أنا موظف حكومى، وخدمت 12 سنة، ومع ذلك فكل شىء فى المستشفى على حسابى الخاص دون أى خصم، مع الأسف المحسوبية والرشوة طغتا على معظم الممرضين والممرضات وهذا حالنا.