جاء في أحد كتب التراث العربي: قال العقل أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة وأنا معك. وقال الشقاء أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة وأنا معك، وقال الخصب أنا لاحق بمصر، فقال الذل وأنا معك . هذه الأنماط الجامدة غير صحيحة لكنها تحتوي علي نسبة ما من الحقيقة. وما استحضارها هنا إلا لمحاولة استشراف نتائج التفاعل الكيماوي القسري المخطط له والمتمثل في مزج سكان غزة بشعب مصر، العملية التي يحلم الصهيوني ان يفتح عينيه ويجد غزة قد أصبحت جزءا من جمهورية مصر العربية! عدم إدراج سمير القنطار في صفقة تاننباوم مع حزب الله لبنان كانت خطأ فادحا تمثل ليس فقط في كشف عورة المؤسسة العسكرية الصهيونية بل حتي المؤسسة السياسية نفسها. فها هو رئيس وزراء العدو الديمقراطي يحكم بنفس الشعبية التي يتمتع بها جيرانه العرب الديكتاتوريون. أما أفدح الأخطاء السياسية الصهيونية فقد كان الغباء السياسي الذي حجب عن العدو الفكرة اللبيبة المتمثلة في إدراج الهدية المسمومة (غزة) في صفقة كمب ديفيد، وربط توقيع المعاهدة بقبول مصر استعادة سيادتها علي غزة. لو أن العدو تنبه إلي ذلك في وقته لما كانت هناك حماس ولما كان قسام ولكان أهل مستوطنات النقب الغرب يتبضعون في أسواق خان يونس ورفح ك أيها الناس . حاول بعض المحللين السياسيين علي صفحات القدس العربي أن يفسروا سيطرة حماس علي القطاع كعملية استدراج للحركة الإسلامية قامت بها استخبارات دولة أمريكا بالتواطؤ مع بعض أهل اوسلو. صحة هذا التحليل رهينة بمدي أهمية وخطورة الكنوز الاستخباراتية التي زعمت حماس أنها غنمتها في غزوتها. وكلما تبينت خطورة الأسرار التي قد يُكشف عنها كلما قلت مصداقية الطرح السابق احتمال تورط جهات أوسلو في عملية تسليم القطاع المزعومة والعكس صحيح أيضا. السرعة التي سحبت بها مصر سفارتها من غزة ربما تصرف لا إرادي أو ارتكاس شرطي بالمعني الفسيولوجي، يعكس تخوف مصر من هول النتائج التي قد تلحق باستقرار مصر إذا أمرتها دولة أمريكا بحقن ديمغرافية مصر بمليون ونصف من الفتنجية الشاميين مع ما سيتبع عملية الزرع من ارتفاع درجة حرارة الجسد المصري. الخوف المصري معقول ومبرر، لأن الكرامة المصرية ستتضرر كثيرا عندما تضطر الحكومة المصرية لإعطاء الجنسية المصرية غصبا عنها إلي هؤلاء الإرهابيين . مع ما سيتبع ذلك من مجهود للقيام بالواجب المتمثل في سحب السلاح الثقيل والخفيف من منطقة شرق القنال أي التنقيب عن صواريخ القسام واستخراجها من أنفاق غزة. الأمر اليومي الأمريكي لدولة مصر بضرورة ضم قطاع غزة مسألة وقت وتحصيل حاصل، لأنه لا يعقل أن تُترك الثلاث مئة وكذا كلمتر مربع التي تشكل مساحة غزة هكذا سائبة خارج القانون الدولي لتشكل في علم الجغرافيا السياسية ما يقابل الثقب الاسود في علم الفلك المجرّي.