تقلص مساحة البحيرة من 750 ألف فدان إلى 60 ألفًا بفعل التجفيف والتعديات "المطرية" تعانى الفقر وتردى الأوضاع المعيشية والصحية والأمنية قال عنها البعض إنها هبة بحيرة المنزلة مثلما وصف "هيرودوت" مصر بهبة النيل.. ولم لا وقد كانت فيما مضى تمد معظم أنحاء البلاد بالخيرات من أسماك وطيور بحرية. كما لعب أهلها دورًا بارزًا فى المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسى والإنجليزى لمصر. إنها مدينة "المطرية" إحدى مدن محافظة الدقهلية والتى تقع فى منتصف جنوب بحيرة المنزلة وتبلغ مساحتها حوالى 70 كيلومترًا مربعًا بالإضافة إلى 30 كيلو مترًا مربعًا داخل بحيرة المنزلة. وكان للتدهور الذى أصاب بحيرة المنزلة أبلغ الأثر على مدينة المطرية خاصة أن أكثر من 90% من أهلها يعتمدون على مهنة الصيد كمصدر دخل لهم؛ فعدد أنواع الأسماك الموجودة بالبحيرة تتقلص من 200 نوع إلى 3 أنواع فقط! نتيجة لهروب الأسماك من تلوث المياه بالصرف الصحى ومخلفات المصانع، وكذلك تجفيف مساحات كبيرة من البحيرة، واستمرار هيئة تنمية الثروة السمكية فى تأجير "الحوش" والسدود وقيام المستأجرين بمنع الصيادين من الصيد فى المياه المواجهة لهذه الإيجارات وتضييق سبل الرزق عليهم، وكذلك أعمال البلطجة التى يقوم بها بعض الخارجين عن القانون بداخلها، كل هذا وغيره أدى إلى تدنى الأوضاع المعيشية لسكان هذه المدينة العريقة. وإذا كانت الحملة الأمنية التى شنتها وزارة الداخلية على بحيرة المنزلة قد ساعدت نوعًا ما فى استعادة جزء من الأمن المفقود بالمطرية إلا أنها لا تزال تعج بالعديد من المشكلات التى حاولت "الشعب"التعرف عليها عن قرب؛ لذلك كانت تلك الزيارة "للمطرية". "مصرف السموم" دمر الثروة السمكية بالبحيرة منذ حوالى 30 عامًا تقريبًا كانت مساحة بحيرة المنزلة 750 ألف فدان، تقلصت إلى أن وصلت الآن إلى حوالى 60 ألفًا أى حوالى 500 كم2، وكان إنتاجها من الأسماك يمثل ثلث كمية الأسماك التى تنتجها مصر كلها، ولكنها أصبحت مأوى للمهربين وتجار السلاح، نتيجة لبعض الممارسات التى أدت إلى تشريد الصيادين الذين عبروا ل"الشعب" عن استيائهم من الحملة التى تشنها وزارة الداخلية بالتعاون مع شرطة المسطحات المائية، لعدم تحقيقها المطلوب، وهروب عدد كبير من رءوس العصابات فى المحافظة إلى ليبيا والإسكندرية، لدى علمهم نزول الحملة لمداهمة الأوكار الإجرامية الخاصة بهم، قبل عدة أيام من بدء الحملة!. من جانبه أكد لنا طلعت الجعيدى نائب رئيس مجلس إدارة نقابة الصيادين بالمنزلة أن الصيادين قاموا بوقفة أمام نقابة الصحفيين للمطالبة بتطهير بحيرة المنزلة، بعد أن ضاق الوضع عليهم وأصبح الصياد البسيط غير قادر على مزاولة عمله الذى لا يعرف سواه، وذلك لسيطرة أصحاب السلطة والنفوذ على مقدرات البحيرة وخيراتها مؤكدًا على أن هناك تواطؤًا داخل هيئة تنمية الثروة السمكية -برئاسة أكرم حاتم- التى تضرب بقانون الصيد رقم 124 لسنة 83 عرض الحائط. ويضيف الجعيدى أن الشخص منهم يسيطر على قطعة أرض ثم يقوم بإحاطتها بالمياه والسيطرة عليها، ثم يقوم بتأجير بلطجية لحمايتها ويبدأ فى إدراتها لحسابه الخاص ويمنع الصياد من الاقتراب منها وإذا اقترب يكون مصيره الموت، وعلى هذه الوقعة قِس الكثير؛ إذ أصبح حقًّا مكتسبًا لدرجة أنهم تيقنوا فعلًا أن ذلك حقًّا لهم!. وطالب نائب رئيس مجلس إدارة نقابة الصيادين بالمنزلة بضرورة تحويل مصرف بحر البقر أو كما يسمى "مصرف السموم"عن بحيرة المنزلة؛ فهو يعد أكثر المصارف تلوثًا عالميًّا طبقًا للدراسات العلمية المختصة بهذا الشأن، وأحد الأسباب الرئيسة فى تفشى الأمراض وهلاك الأسماك بالبحيرة، كما طالب بإسناد تطهير بحيرة المنزلة لشركة مقاولات عبر مناقصة علنية، بالإضافة إلى ضرورة الوقف الفورى لأعمال التجفيف، سواء ما تقوم به الحكومة أو المواطنون وتجريم ذلك الفعل ومصادرة الآلات المستخدمة فى ذلك، كما دعا إلى تشكيل هيئة إدارية مستقلة لإدارة بحيرة المنزلة تكون تابعة لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أسوة بسيناء والنوبة، فعند وجود مشكلة كل جهة تصدرها إلى الأخرى؛ فالزراعة ترسلنا إلى الثروة السمكية والعكس. مخاوف من انتقام رءوس العصابات بعد انتهاء الحملة أما "مجدى الريس" مسئول حزب العمل بالمطرية فأكد أن الحملة الأمنية على البحيرة قد حققت نجاحًا محدودًا بالقبض على بعض البلطجية ممن يحملون الأسلحة المتنوعة من صواريخ أرض جو وجرينوف وغيرها!، ولكن هؤلاء ليسوا "الرءوس الكبيرة" كما يطلق عليهم البعض، وهناك مخاوف من عودتهم بعد انتهاء الحملة للانتقام، كما أوضح أنه يجب حفر قاع البحيرة حتى يعطى كثافة للأسماك؛ لأن الترسيبات المتراكمة بقاع البحيرة نتيجة للتلوث جعلتها أشبه بمياه البرك والمستنقعات وذلك من خلال آلات حفر كبيرة، كما أن هذه الترسيبات التى يتم إخراجها يمكن الاستفادة منها فى صناعة الطوب أو أى مشروع آخر. وعبر الريس عن أسفه الشديد لهجرة أغلب الصيادين إلى خارج مياه البحيرة والبحث عن مصدر رزق خارج الحدود المصرية وداخل المياه الإقليمية لدول أخرى، مما يجعلهم عرضة للموت وانتظار أهاليهم عودتهم جثثًا فى أى وقت. خطف مراكب الصيادين مقابل فدية من جانبه قال "حندق حميدة" 78 سنة من صيادى المنزلة: أعمل فى هذه المهنة منذ عشرات السنين، ولكنى تركتها مؤخرًا بعد أن أصبح الوضع لا يطاق؛ إذ كان يتم ضربنا وتهديدنا وخطف المراكب فى عرض البحيرة وطلب فدية مقابل إطلاق صراحها، وإذا لم نقم بالدفع يقومون بخطف أطفالنا، وأشار إلى أن الصيادين أصبحوا يجلسون فى المنازل فى انتظار موتهم كما ماتت بحيرة المنزلة. أما "أحمد نعيم حسين" 46 سنة، صياد، فقال: أمارس هذه المهنة وعمرى 12 سنة، ولكن بعد أن قلَّت كمية الأسماك بالبحيرة وقام البلطجية بفرض الإتاوات علينا هجرت بحيرة المنزلة وسافرت للعمل صيادًا بالسويس، ولكنى غير مستمر فأنا أعمل 7 أشهر فقط فى السنة، مما جعلنى أعانى أنا وزملائى من مشكلات مادية باستمرار. بينما يروى "محمد عبد العال ريان" 65 سنة مأساته لنا فيقول: كنت أعمل صيادًا ببحيرة المنزلة قبل أن أصاب بالفشل الكلوى نتيجة مياه البحيرة الملوثة، وقمت بإجراء ثلاث عمليات كانت الأخيرة استئصال إحدى الكليتين، وبعدها أصبحت أتحرك بصعوبة شديدة ولا أقدر على العمل نهائيًّا، ومعى من الأوراق ما يفيد ذلك ولكن للأسف الشديد حاولت الحصول على معاش من التأمينات إلا أننى لم أتمكن من ذلك، وتم رفض طلبى وأصبحت الآن لا أجد حتى قوت يومى، ولا أعرف لماذا نحن كصيادين دائمًا مظلومون، فليس لنا معاش ولا تأمين صحى ولا أى حقوق.