يشهد العالم الإسلامي اليوم مرحلة قاسية من التيه وفقدان الهوية وتزعزع المسلمات .. ولم يعد خافياً على العدو ولا الصديق ما وصلت إليه الأمة الإسلامية اليوم من درك التخلف .. ومستنقع الذل الذي ترقد فيه .. وما غشي بصيرتها من العمى .. وأصاب خط سيرها من انحراف واعتراها فيطريقها من ضياع .. وما وصلتإليه منالتردي والانحطاطفي مختلف المجالات والأصعدة .. .. إن المطلع على واقع الساحة الإسلامية يدرك للأسف الشديد أن الفرقة بين المسلمين لم تعد شيئا من التركة السلبية الثقيلة التي ورثها المسلمون من العصور الماضية .. بل إن هذه الخلافات صارت أساسا في واقع الجماعات الإسلامية من قبل بعض العاملين المنتسبين للإسلام الذين يربون الأجيال على هذه الخلافات .. ويرسخون في أذهانهم بصورة عملية أنها من أصول الولاء والبراء .. وقد ابتليت الأمة بزمرة من الحكام والطواغيت الذين صاغهم الاستعمار .. واصطنعهم لنفسه لتحقيق أهدافه وتنفيذ مخططاته التي عجز عن تحقيقها بصورة مباشرة فصاروا يحكمون الأمة بالقوانين سيئة السمعة .. ويوالون أعداء الله .. ويحاربون أولياءه .. ويسومون الشعوب سوء العذاب .. ويستأثرون بثروات الأمة .. وينفقونها على شهواتهم الشخصية ونزواتهم الذاتية والحركات الإسلامية - في عمومها - قد عرفت تيهاً منذ عقود من الزمن .. ولا زالت أغلبشرائحها غارقة في هذا التيه.. بالرغم من كثرة أفرادها.. وبالرغم من انتشار مناهجهاعلى نطاق واسع.. بل وبالرغم من وصول بعضها إلى مجالس التشريع أو حتى إلىالمجالس الحكومية.. فكل هذا يعتبر علامة على هذا الانحراف وعلى هذا التيه العظيمحيث أن السبيل لتحقيق حق الله علينا هو سبيل السلف الصالح والوسيلة هي الجهاد فيسبيل الله .. وكل من ابتغى سبيلاً غيره فسوف يحل عليه غضب الله وعذابه ثم يتيه فيالأرض كما تاهت بنو إسرائيل في عهد موسى ويستبدلهم الله تعالى بقوم آخرين (إِلاّتَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْوَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}39 سورة التوبة .. فترك الجهاد ..والحرصعلى الحياة من الموجبات الأساسية لعملية الاستبدال.. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَيَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَىالْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِوَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .. لقد فقدت الأمة مكانتها التي أراد الله لها أن تحتلها خير أمة أخرجت للناس تأمربالمعروف وتنهى عن المنكر .. لها السيادة والريادة .. فهانت على أعدائها الذين استباحواحرماتها .. فسلبوا أرضها .. وهتكوا عرضها ، واحتلوا مقدساتها ، ونهبوا خيراتهاوثرواتها ، بعد أن قضوا على خلافة المسلمين بزرع الفرقة والخلاف بينهم مُحققينشعارهم المعروف [ فرق تسد ] فتمزقت الأمة الواحدة إلى أمم مختلفة ودول شتى وأوطانمتعددة ، لكل منها حاكم وأمير وعلم .. وبعد أن كانت الأمة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها، تستمد تشريعاتها من أحكامه، بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها.. إلى أن أصبحت لا تعمل به .. وبالطبع هناك دور رئيسي لأعداء الأمة في الوصول إلى هذه الحالة التي أصبحنا عليها. وبدأ المخطط بتحويل كتاب الله من قوة حاكمة دافعة للمجتمع إلى مجرد كتاب يحمل ذكريات .. تغير عليه قوى الشر ولا يتحرك المسلمون للدفاع عنه .. وتنتشر من حوله الخرافات .. وهكذا يصبح القرآن الذي هو حياة الأمة .. رمزا للموت فيها .. فلا يقرأ إلا في سرادقات العزاء .. ولا تكاد تسمع القرآن في مكان حتى تسأل عمن توفى وصدق فينا قول ربنا عز وجل: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ الفرقان: 30 .. وهجر القرآن أنواع ودرجات .. أولها هجر قراءته أو سماعه والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه .. والثالث: هجر تحكيمه في أصول الدين وفروعه ومناحي الحياة كلها . . والرابع : هجر تدبره وتفهمه .. والخامس: هجر الاستشفاء به في أمراض القلوب وأدوائها .. وجميع هذه الأنواع من هجر القرآن واقعة بيننا ومتفشية فينا الآن على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات والمجتمعات والدول .. لأن القرآن الكريم والدين الإسلامي بوجه عام يوجه خطابه باستمرار إلى الأمم والمجتمعات والناس كافة .. فلا تجد آية واحدة تخاطب الفرد .. يا أيها المسلم أو يا أيها المؤمن .. ولكن " يا أيها الذين آمنوا " " يا أيها الناس " مما يؤكد ضرورة البعد الحركي والعمل الجماعي في الإسلام .. وليس كما يدعي كثير من أدعياء العلم هذه الأيام وإني لأعجب من أمة تهجر كتاب ربها وتعرض عن سنة نبيها، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها؟ ! .. إن هذا مخالف لسنن الله الكونية .. إن التمكين الذي وعد به الله.. والذي تحقق من قبل لهذه الأمة .. كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل.. الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن إن الذين يحلمون بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون واهمون .. ذلك أن تحقق النصر له شروط. قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي َلا يُشْرِكُونَ بي شيئا.. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) .. آن الأوان للمجتمعات الإسلامية أن تصحو وتخرج من التيه والظلمات .. وذلك بكشف الغطاء عن كل من ساهم في إذكاء نار الفتنة .. آن الأوان لإنهاء الصراع الداخلي الرخيص الذي تقوم به أطراف عديدة .. لأن استمرار هذا الواقع الشائن يعني دمارا حقيقيا .. وانتصارا لأعداء الإسلام والأمة .. لا بد من التمسك بقوة بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام حتى تجتمع كلمتنا ونستعيد قوتنا ونخرج من الظلمات الحالكة التي أغرقتنا وجعلتنا نتخبط في كافة الاتجاهات ( الله ولي الذين آمنوا .. يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت .. يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) 257 من سورة البقرة