لقد دعونا من قبل – كما دعا الكثير – الأخوة في فصائل المقاومة العراقية إلى القيام بخطوات عملية تقرب فيما بينهم ؛ وتعلن للعالم أنهم أخوة أصحاب هدف واحد وإن تعددت راياتهم ، وأنهم أصحاب منهج متقارب وإن تنوعت أسماؤهم ، وها نحن نرى في أيام متقاربة الإعلان عن اندماجين بين فصائل المقاومة ، فقبل أيام اتحدت ( حماس العراق ) مع ( جامع ) ، واليوم طلعت علينا (جبهة الجهاد والإصلاح) التي جمعت بين ( الجيش الإسلامي ، وجيش المجاهدين ، والهيئة الشرعية لأنصار السنة ) .
أخبار تسر الصديق وتغيض العدا ، وأمر نتمنى له النجاح والتكرار ، ولكننا ونحن نطالع هذه الأخبار يثار في نفوسنا أمر لطالما كتمناه من قبل وربما آن وقت إثارته ، ليس من باب التشكيك أو التثبيط لكن من قبيل النصيحة لتجاوز الأخطاء قبل وقوعها ، فإن المتابع لتشكيلات الفصائل العراقية وبياناتها وإصداراتها يجد أن تنوع الانتماء الفكري لهذه الفصائل سبب من جملة أسباب أخرى ، فالسلفية أو الإخوان أو الصوفية هي مدارس فكرية والانتماء إليها سبب وراء تنوع رايات بعض الفصائل العراقية .
ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا القليل ومنها ( كتائب ثورة العشرين ) - قبل انبثاق حماس منها - فقد كانت هذه الكتائب تضم مجاهدين من الإخوان المسلمين المنشقين على الحزب الإسلامي بسبب مواقفه الموالية للعملية السياسية التي رسمها الاحتلال ، وفضلا عن هؤلاء كان يقف معهم تحت راية هذا الفصيل من يحسب على المدرسة السلفية وبعض المستقلين من أبناء المساجد ، فكان أتباع هذا الفصيل من القلائل الذين جمعهم الانتماء الإسلامي رغم اختلاف الانتماء الفكري وكان يحدوهم الهدف الجهادي بعيدا عن الهدف ( الحزبي ) .
وبسبب توحد (كتائب ثورة العشرين) تحت راية واحدة منذ النشأة وبسبب بعض المواقف الموحدة المعلنة للفصائل الأخرى كان التخوف من التحيز الحزبي ضئيلا ، ولم يكن من مبرر لأحد أن ينصح المجاهدين أن يحذروه ، لكن وكما ذكرت فإن الأحداث الأخيرة دفعت بنا لأن نقدم النصح لإخواننا في هذا الخصوص ، فليس سرا أن جذور الانتماء لحركة الإخوان وراء انبثاق حماس العراق عن ثورة العشرين ثم سرعان اندماجها بجامع ، كما أنه ليس سرا أن الانتماء للمدرسة السلفية سبب التقاء فصائل ( جبهة الجهاد والإصلاح ) مع معارضة بعض سرايا هؤلاء .
ووجدنا في عموم المسلمين ما يدفع إلى هذه الاتجاه – بقصد أو بغير قصد - ، فالتبرع بالمال للمجاهدين من قبل البعض يأتي مشروطا - في بعض الأحيان - بأن يكون الفصيل الذي يتبرع له من أتباع مدرسته أو القريبين منها ، وربما كان هذا أحد الأسباب وراء تباين الإمكانيات المادية للفصائل .
من هنا فقد يتخوف البعض من أن يكون كل هذا بوادر التحزب الجهادي ، وأنه سيكون هو أساس العمل ، فذلك ولا ريب يدعو للخشية من أن التشرذم سيكون هو المصير ، وهل من عدو أخطر من التفرق والتناحر .
لكننا نقول أن هذه المؤشرات الحزبية ليست هي ( كنترول ) العمل الجهادي بين الفصائل ، بل هي مؤشرات تحكم بعض التحركات ؛ ولابد أن نعترف بأنها طبيعية في عرف الحركات والتنظيمات ، ولا يوجد على الساحة ما ينبئ أنها حالة مرضية تنذر بخطر النزاع والصراع ، حتى أن ما يعلن من ( انشقاق ) في بعض الفصائل مرده اختلاف في الجزئيات رغم الاتفاق على الكليات ، وأنهم لا يختلفون على المبادئ بقدر ما تختلف وجهات نظرهم التنظيمية ، فهو أقرب للانبثاق منه على الانشقاق .
ومن يطالع بيان الاندماج في الحالتين المعلنة يجد التقارب بل قل التطابق بينهما واضحا ، حتى لكأني أقرأ بيانا مكررا أو خطابا لكاتب واحد ، بل نتساءل ماذا تختلف هذه البيانات عما دأبت عليه جميع الفصائل في أدبياتها ، فليست وحدها الأهداف هي ما تتفق عليه بل نراها تتفق في الوسائل كذلك ، ومواقفهم جميعا متوحدة في رفض ( العملية السياسية التي فرضها الاحتلال ) ، ومن هنا أدعوا بقية الفصائل للتنسيق فيما بينها لإذاعة بيان واحد يكون نواة المنهج السياسي الموحد للمقاومة العراقية .
ونحن بين ذاك التخوف وبين هذا التفاؤل لا بأس أن نقدم بعض النصح لإخواننا أهل الميدان ، فعجزنا عن مشاركتهم الخنادق والبنادق لا يعفينا من مشاركتهم الرأي والمشورة ، فنذكرهم ونقول لهم :
1. الحرص الحرص على الهدف الرئيس لجهادهم وتجاهل أي هدف ثانوي ، ولنستذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) ، وهذا لا يتعارض مع الهدف المعلن (تحرير العراق) لأنه هذا جزءا من ذاك .
2. الحرص على إخوة المجاهدين رغم تنوع الرايات ، ولتكن لنا أسوة برايات الأنصار والمهاجرين المتحدة تحت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم .
3. حسن الظن بأبطال الفصائل الأخرى وإقالة عثراتهم والدفاع عنهم في السر والعلن .
4. الحذر من ( النفس ) وطموحها للقيادة وحب الظهور ، فهي العدو الذي يحول بين توحدنا بحجة عدم التنازل للآخرين ، ولايزال إبليس ينفث فيها شعاره ( أنا خير منه ) .
5. تقديم الاستجابة لله ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) على أي استجابة أخرى تناقض هذا الأصل ، وطاعة الخالق مقدمة على طاعة المخلوق .
6. الانتباه بأن العدو يتربص بنا من جميع الاتجاهات ، فيفرحه خبر الاختلافات بين الفصائل ويسعى لنشرها بعد تهويلها .
يا أبناء الفصائل العراقية إن عيون الأمة تتطلع إليكم ليس إلى جهادكم فحسب بل جميع أعمالكم ، وإن قلوب الأمة تعقد عليكم الآمال في دحر عدوكم وعدوها وتحقيق المشروع الإسلامي العادل ، فالله الله فيما تفعلون وتخططون ؛ وكما أثلجتم صدور المؤمنين بضرباتكم الجهادية تنتظر الأمة منكم مواقف سياسية موحدة تكون فيها الضربة القاضية للاحتلال وسياساته ، وإن سياسة الاحتلال تترنح كما تترنح قواته بفعل ضرباتكم ، وإن يوم النصر لم يعد ببعيد .