سؤال واحد، تعرضت له مئات المرات من قبل وسائل إعلام مختلفة، وأثناء حضوري ندوات وتجمعات ومؤتمرات عربية ودولية، حول الاوضاع في العراق بعد الاحتلال، مفاده أين البرنامج السياسي للمقاومة في العراق، وإذا كانت الاجابة مختصرة وواحدة، طيلة السنوات الاربع الماضية، التي تقول، إن هدف المقاومة واضح، ينحصر في تحرير العراق من الاحتلال، والمحافظة على وحدته واستقلاله، فإن الحاجة الان أصبحت ماسة، لإعلان برنامج واضح وشامل للمقاومة في العراق، ويقف سببان رئيسيان وراء هذه الحاجة الملحة، هما:
الاول: هناك الكثير من الاطراف في داخل العراق وخارجه، لا تعرف الاتجاه، الذي تريد الذهاب اليه المقاومة في العراق، وهذا الإبهام، وعدم وضوح المشروع، بتفاصيله الدقيقة، يضع هذه الاطراف في موقف المتخوف، وقد يضطر البعض الى اتخاذ موقف سلبي من توجهات المقاومة، وربما تكون تلك الاطراف محقة في موقفها، وعلى العكس من ذلك، فإن إعلان البرنامج السياسي يعد بمثابة الإفصاح عن العناوين التي تعمل على تحقيقها المقاومة العراقية.
الثاني: لقد تعرضت المقاومة في العراق الى اكبر حملة اعلامية دعائية منظمة وواسعة لتشويه صورتها، وقادت هذه الحملة الدوائر المتخصصة في وكالة المخابرات الامريكية (CIA) ودوائر الدعاية والحرب النفسية في البنتاغون، وتم توظيف مئات المؤسسات الاعلامية، امريكية وعربية وعراقية، لهذا الغرض، ولا بد ان يكون ثمة تأثير بدرجات متفاوتة على الرأي العام، ما يضع الكثيرين في موقف المتخوف من المقاومة، او يعاديها بقوة ، وهناك من يتردد في الاقتراب منها، وفي جميع الاحوال، فإن الصورة الحقيقية ليست واضحة، ويشوبها الكثير من الغموض والضبابية، ما يستدعي إعلانا صريحا وتفصيليا لبرنامج المقاومة في العراق.
كما قلت، إن الامر لم يعد محصورا في حدود التخلص من الاحتلال الامريكي للعراق، والمحافظة على وحدته واستقلاله، لأن تسارع الاحداث، واقتراب تحقيق الهدف الاول، أي خروج القوات الامريكية، ووجود العديد من القوى في الساحة العراقية، والتدخلات الاقليمية، تساهم جميعها في تشويش الصورة في المشهد العراقي، لذلك فان المطلوب من اعلان البرنامج السياسي للمقاومة في العراق، ان يكون واضحا ودقيقا، وفي تقديرنا، يجب ان يرتكز الى اربعة اسس رئيسية، ليحقق الاهداف الكبيرة، التي قاتل من اجلها المقاومون ضد قوات الغزو والاحتلال الامريكي، وهذه الاسس الاربعة هي:
الاول: ان يتم الاعلان صراحة عن توجيه جميع الجهود لبناء دولة العراق، بعيدا عن التصنيفات الطائفية والعرقية، التي فرضها المحتل الامريكي على العراقيين، واكتوى الجميع بنارها، بما في ذلك الادوات العراقية التي عملت على تكريس هذه الآفات بقوة في المجتمع العراقي، وان لا تكون هناك أي اشارة او وجود لهذه التقسيمات على الاطلاق في عراق المستقبل.
ثانيا: ان تتبنى المقاومة، ومن خلال اعلان برنامجها السياسي، مسألة في غاية الاهمية والحساسية، تتمثل بالتأكيد على ان المقاومة شرف كبير، وان المشاركة فيها أسمى وأثمن من أي شيء في الحياة، ومن هذا المنطلق، يجب ان يعلن المقاومون انهم لن يفكروا بالحصول على مكافأة مهما كان نوعها سوى ما يسجله التاريخ، وما يتشرف به المقاوم وعائلته وأهله وبلده، وان يبتعد المقاومون عن المناصب والمسؤوليات في مفاصل ودوائر الدولة العراقية بعد التحرير، وان يتم الاعتماد على الكفاءات العراقية في جميع الاختصاصات، بعيدا عن الحزبية والفئوية والمناطقية، شرط ان يتضمن هيكل الدولة مؤسسات رقابية صارمة، لتنفيذ برامج التنمية والبناء بعيدا عن احتمالات الاستحواذ والفساد وسرقات المال العام. وعندما تعلن المقاومة في برنامجها السياسي أنها تفكر وتقاتل بهذه الروحية، فإنها تلغي الكثير من اكداس اتربة وغبار ورماد التشويه الذي لصقته بها الدوائر الامريكية وأدواتها الاعلامية والسياسية، كما ان ذلك يجعل حالة السمو تطغي على جميع الحالات الاخرى. وعندها يكون المقاوم ومؤسسات المقاومة في اعلى درجات الألق والرقي، ولا يمكن للآخرين إلا تقديم اعلى درجات الاحترام للمقاوم ولفصائل المقاومة التي تعلن صراحة انها تقاتل المحتل، وليس لديها أي نوع من الطمع لا بمنصب ولا مال ولا سلطان.
ثالثا: هناك تصور لدى الكثير من العراقيين ان المقاومة في العراق ستشن حملة واسعة للانتقام من اطراف كثيرة، ويقف في مقدمة هؤلاء الذين عملوا مع قوات الاحتلال الامريكي، والذين اشتركوا بصورة مباشرة او غير مباشرة في مطاردة المقاومين، والذين قتلوا او اعتدوا على المقاومين وعوائلهم، والذين انتموا الى احزاب العملية السياسية التي جرت في ظل الاحتلال، ويذهب البعض الى ترويج ما هو ابعد من ذلك بالقول إن المقاومة ستعمل على إبادة واجتياح (الشيعة في العراق) وهذا أمر في غاية الخطورة والحساسية ويحتاج الى ايضاح على مستوى كبير من الموضوعية والتفصيل، ويجب ان ينفي برنامج المقاومة السياسية كل تلك الافكار والتصورات، وما يتم ترويجه، وان يكون الموقف ثابتا وواضحا، وان تعلن المقاومة انها ضد الانتقام، ولا تقبل به على الاطلاق، وأنها لن تقبل سبيلا لفض النزاعات والاختلافات إلا من خلال القضاء العراقي النزيه، ونحن على ثقة ان المقاومة في العراق ستتبنى مثل هذا الموقف لأن رجالها ضحوا بأنفسهم وقاتلوا المحتل في سبيل العراق والعراقيين، ولا يمكن ان ينقلبوا على مبادئهم التي دفعتهم للالتحاق بالمقاومة، ولن تسمح لهم اخلاقهم بغير ذلك. ولا بد من التأكيد على هذه القضية الخطيرة، وان يتسامى المقاومون على كل شيء، وبمثل هذا الاعلان، شرط ان يتأكد بالسلوك، تعطي المقاومة في العراق مثلا أعلى للبشرية وعبر تاريخ المقاومة في العالم، مؤكدة بذلك انها قاتلت لأجل جميع العراقيين، ولمستقبل هذا البلد، وهي ما عليه فعلا وقولا.
رابعا: ان الاعلان عن شكل الدولة بعد طرد الاحتلال، التي تدير جميع مفاصلها الكفاءات العراقية، يحقق اكثر من هدف في آن واحد، يقف في مقدمتها زرع الطمأنينة في نفوس العراقيين الذين شاهدوا ما حصل من خراب وتخريب في الوزارات والمؤسسات عندما سيطرت الطائفية والحزبية، وتقدمت الولاءات، وأن يولي البرنامج السياسي هذه المسألة اهمية استثنائية، وان نقتلع قضية اعطاء المسؤوليات على اساس الولاءات حتى لو كانت لأقرب المقربين من قيادات فصائل المقاومة، وان يتم الشطب تماما على ذلك، ولا يجوز التعاطي معه، مهما كان السبب او الغطاء، لأنها تبقى اساس البلاء والخراب، كما ان ثمة بعض الجوانب المهمة الاخرى يجب الاعلان عنها، منها ما يتعلق بالعلاقات مع الدول الاخرى، وعدم التفريط بحقوق العراقيين المشروعة من جراء الحصار والغزو والاحتلال، وان التعامل مع الاخر يفترض ان يرتكز على مصلحة العراق، وان يتم اعتماد مبدأ المصالح المشتركة، وبما يدفع بالتنمية السريعة وتوفير الخدمات للعراقيين الى امام.
ان تسارع الاحداث في العراق، خاصة ما يتعلق بوجود قوات الاحتلال، حيث تؤكد جميع الدلائل والمؤشرات على ان خروجها او هزيمتها اصبحا وشيكين، ولكي لا يحصل أي نوع من الفراغ في هذا البلد، ولأهمية وثقل المقاومة في العراق التي تمكنت من الحاق الهزيمة بأكبر قوة في العالم، متمثلة بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الامريكية، ولان ثمة الكثير من عملية الخلط للاوراق في العراق، فلا بد ان يتعرف العراقيون بالدقة المتناهية على البرنامج المستقبلي للمقاومة في العراق، وان يكون الاعلان عن ذلك بأقرب وقت ممكن، وان يعبر هذا البرنامج عن طموحات جميع العراقيين، ومن خلال ذلك يمكن ان يتأهب الجميع لتأدية الدور الوطني في المحافظة على ممتلكات الدولة، وعدم السماح لأي طرف او جهة العبث بها وسرقتها، ويفتح ذلك الابواب امام العراقيين لبدء مرحلة بناء الدولة، بعد حقبة الاحتلال السوداء، وان يعمل الجميع على إنقاذ العراق وجعله لكل العراقيين.