تواصل فعاليات المبادرة الرئاسية "تمكين" بجامعة الفيوم    «المصري الديمقراطي» يواصل دعم مرشحيه في انتخابات النواب بالأقصر    الاثنين 27 أكتوبر 2025.. البورصة تواصل تحقيق المكاسب    اتحاد الغرف السياحية: أسعار الحج بمصر أقل من نظيرتها في دول عربية وأوروبية    بايدن يصف المرحلة الحالية بأنها أيام حالكة.. ويدعو الأمريكيين إلى التمسك بالأمل    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تبحث تطورات الأوضاع بعد اتفاق شرم الشيخ    عمان.. مباحثات أردنية أمريكية بشأن تثبيت وقف إطلاق النار غزة    عاجل- إنهاء حالة الطوارئ في جنوب إسرائيل لأول مرة منذ 7 أكتوبر    أبو ريدة: مصر لن تغيب عن كأس العرب وسنواجه جميع التحديات لضمان استعداد المنتخب    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    24 نوفمبر.. الحكم على فادي خفاجة في اتهامه بسب وقذف مجدي كامل    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان علي رؤوف    اليوم.. عزاء شقيق فريدة سيف النصر بمسجد عمر مكرم    وزير الصحة يتفقد المعرض الطبي المنعقد على هامش ملتقى الصحة العالمي بالسعودية    انطلاق مبادرة "عيون أطفالنا مستقبلنا" لفحص عيون 456 ألف طالب وطالبة بالقليوبية    مراسل القاهرة الإخبارية: الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة ما زالت بالغة الصعوبة    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    عاجل- مجلس الوزراء: نجحنا فى تحقيق تحول كبير فى السياسات الاقتصادية الكلية بالتعاون مع البنك المركزى    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يحتفي بمئوية يوسف شاهين    رويدا هشام: فخورة بثقة الخطيب.. وهدفي خدمة أعضاء النادي    المصري يجهز ملفًا مصورًا لتصعيد أزمة طرد صلاح محسن أمام الكاف    إنفوجراف| تصريحات ترامب فور وصوله مطار طوكيو خلال جولته الآسيوية    وزير الثقافة يشهد احتفالية اليوم العالمي للتراث الثقافي غير المادي    تعرف علي موعد تأخير الساعة وتطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر    ريال مدريد يقرر الاستئناف على طرد لونين في الكلاسيكو    فينيسيوس: لانريد الإساءة للاعبين شباب أو للجماهير.. وعلينا أن نستمتع قليلا    ضبط 178 كيلو لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي في أسيوط    «الفجر بالإسكندرية 5.44 ص».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الثلاثاء    مواقيت الصلاة بمطروح وأذكار الصباح اليوم 27 أكتوبر    ضبط سائق توك توك اصطدم بسيارة وهدد صاحبها    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    وزير العمل: إصدار القانون الجديد محطة فارقة في تحديث التشريعات الوطنية    جاهزية نجم اتحاد جدة لمواجهة النصر    قنا: تحرير 330 مخالفة تموينية وإحباط تهريب 50 طن أسمدة مدعمة خلال أسبوع    مسلسل محمد سلام الجديد.. قصة وأبطال «كارثة طبيعية»    طريقة عمل شاي اللاتيه بمذاق ناعم    3 مصابين في انهيار داخلي لعقار بمنطقة العصافرة في الإسكندرية.. والمحافظ يتابع الحادث    علاج 1674 مواطنا بقافلة طبية بالشرقية    بكين: المقاتلة الأمريكية تحطمت أثناء تدريب عسكرى فى بحر الصين الجنوبى    عاجل بالصور الصحة: إنقاذ ناجح لسائحة إسبانية أصيبت داخل هرم سنفرو المنحني بدهشور    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    شيخ الأزهر: الحروب العبثية كشفت انهيار النظام الأخلاقي في العالم    تأجيل محاكمة 24 متهما بالإنضمام لجماعة الأخوان الإرهابية لمرافعة النيابة العامة    بكم طن عز الآن؟ سعر الحديد اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 محليا و أرض المصنع    انتخابات بلا إغراءات.. القانون يجرم الهدايا والتبرعات في سباق النواب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    متحدث الأوقاف: «مسابقة الأئمة النجباء» نقلة نوعية في تطوير الخطاب الديني    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    ترامب يحذر الحوامل مجددًا| لا تستخدمن دواء "تايلينول" إلا للضرورة القصوى    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    محافظ القاهرة يوجه بتخصيص جزء من الإذاعة المدرسية للتعريف بالمتحف المصرى    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    أول أيام الصيام فلكيًا.. متى يبدأ شهر رمضان 2026؟    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشروع الإسلامي وحفظ دماء وحرمات الناس
نشر في الشعب يوم 10 - 05 - 2012

الإنسان وكرامته وحرمته وحريته والحفاظ على حقوقه وتحقيق أسباب العيش السعيد له أهم ما يدور حوله المشروع الإسلامي؛ ولذلك فهو يهتم أساسًا بالحفاظ على ما يسمى بالكليات الخمس وهي: النفس، والعقل، والدين، والعرض، والمال. ويجعل الحفاظ على النفس أول الأغراض التشريعية لكثير من أحكامه، ويحرم الاعتداء على هذه النفس بالقتل أو الإصابة، سواء كان المعتدي شخصًا آخر أو كان هو الشخصَ نفسه، حتى إنه حرّم الانتحار والإلقاء بالنفس إلى التهلكة، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وقال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
ويجعل القصاص مرصادًا لمن يعتدي على الآخرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 179]، ويُعِدّ ذلك كله عرفانًا بقيمة الإنسان، واحترامًا لحقه في الحياة.
وقد تجاوز الإسلام جميع التشريعات البشرية حين لم يقف عند حد وضع العقوبات المادية الدنيوية للاعتداء على النفس الإنسانية بغير حق، بل توعّد المعتدين على النفوس، وفي المقدمة من ذلك النفوس المؤمنة بعذابٍ عظيم في الآخرة، فإن أفلت من عقاب الدنيا لأي سبب فلن يفلت من عقاب الله {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
وتتابعت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في النهي عن الاعتداء على النفس المؤمنة، بأساليب مختلفة تملأ النفس رهبةً من الإقدام على مثل هذا الجرم العظيم، حتى ليعتبر أن زوال الدنيا وفناءَها وخراب هذا الكون بما فيه أهون عند الله من قتل نفسٍ مؤمنةٍ بغير حق؛ لأن الكون كله خُلق لأجل الإنسان وسُخِّر له، وفي هذا غاية التكريم للإنسان وقمة الاحترام للنفس البشرية، وخصوصًا النفس المؤمنة.
وفضلاً عن ذلك، فإن المشروع الإسلامي أحرص شيء على كرامة الإنسان، حتى إنه يرفض أن تتنصت الدولة على مواطنيها، أو أن تسعى للتعرف إلى أسرارهم. ويرى المشروع الإسلامي أن هذا من الخصوصيات التي يجب حمايتها، ويرفض تمامًا أن تُنصَب لهم آلاتُ التصوير الخفية لتصورهم وهم يمارسون حياتهم، ولا تسلط الشُّرَطة أو غيرها لتتجسس على الناس المخالفين للنظام حتى تقبض عليهم متلبسين!
بل إن توجيهاتِ النبي صلى الله عليه وسلم هنا حاسمةٌ كلّ الحسم في صيانة حرمات الناس الخاصة، وتحريم التجسس عليهم أو تتبع عوراتهم، سواء من قِبَل الأفراد، أو من قِبَل السلطات الحاكمة، فيقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان: «مَنْ اسْتَمَعَ إلى حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ أي الرصاص المغلي المُذاب من شدة الحرارة. ويرفض صلى الله عليه وسلم أن يبعث الحاكم عيونه بين رعيته، فيقول فيما أخرجه أحمد وأبو داود: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ الله عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِع الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ».
العيون إنما يبعثها القائد لتتجسس على عدوه، وتنقل له أخبار خصومه الذين يتربصون بالأمة، أما مواطنوه ورعيته الذين وُكِلَ إليه أمرُهُم، وأُمر أن يجتهد في الخير لهم، فلا يمكن أن يتنصت عليهم، ولا أن يتتبع مجالسهم، بل ولا أن يدخل عليهم بغير استئذان.
حتى من بلغه أنه ينافق، وأنه يجتمع مع مجلس نفاق أو يجتمع لفعل شيء محرم، كان صلى الله عليه وسلم يرفض أن يبعث إليه ليتجسس عليه؛ فعند الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ حَرْمَلَةُ بن زَيْدٍ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، الإِيمَانُ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى لِسَانِهِ- وَالنِّفَاقُ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى صَدْرِهِ- وَلا يَذْكُرُ الله إِلا قَلِيلاً. فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسَكَتَ حَرْمَلَةُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِطَرَفِ لِسَانِ حَرْمَلَةَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اجْعَلْ لَهُ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا شَاكِرًا، وَارْزُقْهُ حُبِّي وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّنِي، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إلى الْخَيْرِ». فَقَالَ حَرْمَلَةُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ لِي إِخْوَانًا مُنَافِقِينَ كُنْتُ فِيهِمْ رَأْسًا أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا، مَنْ جَاءَنَا كَمَا جِئْتَنَا اسْتَغْفَرْنَا لَهُ كَمَا اسْتَغْفَرْنَا لَكَ، وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى ذَنْبِهِ فَالله أَوْلَى بِهِ، وَلا تَخْرِقْ عَلَى أَحَدٍ سَتْرًا».
وهكذا فعل خلفاؤه رضي الله عنهم، فقد صحح الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أنه حرس ليلة مع عمر -رضي الله عنه- بالمدينة، فبينما هم يمشون شبَّ لهم سراجٌ في بيتٍ، فانطلقوا يؤمّونه (أي يقصدونه) حتى إذا دنَوْا منه، إذا باب مُجَاف (أي مغلق) على قومٍ، لهم فيه أصواتٌ مرتفعةٌ ولَغَطٌ، فقال عمر رضي الله عنه -وأخذ بيد عبد الرحمن-: أتدري بيتُ مَنْ هذا؟ قال: لا. قال: هو ربيعة بن أميةَ بنِ خَلَف، وهم الآن شُرْبٌ (أي يشربون الخمر)، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى أنا قد أتيْنا ما نَهى اللهُ عنه، نهانا الله فقال: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]، فقد تجسسنا! فانصرف عمر عنهم وتركهم.
ويرفض المشروع الإسلامي محاسبة الناس على النوايا أو مؤاخذتهم بالظن؛ لأن ما في القلب لا يعلمه إلا الله. فقد أخرج البخاري عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمّنَاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، الله يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ".
وأخرج أبو داود بسند صحيح عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه (وهو قاضٍ) فَقِيلَ: هَذَا فُلانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا. فَقَالَ عَبْدُ الله رضي الله عنه: "إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ".
ولا يقبل المشروع الإسلامي تلك الصورة القبيحة القميئة التي لا يكون همُّ الحاكم فيها إلا أن يتعرف إلى خصوصيات رعيته؛ ليُخوِّفهم ويُرهبهم، ليسمعوا ويطيعوا بلا وعي، فهذا خلاف الولاية الصحيحة التي أرادها الحبيب صلى الله عليه وسلم.
فهل يعي المسئولون عن أمر أمتنا والمقبلون على تولي المسئولية فيها هذه القيم الرائعة التي يحملها المشروع الإسلامي؛ لتتضمن الدساتير والقوانين كل تلك الحقوق الشرعية للإنسان في ظلِّ الإسلام الحنيف، فيأمن المواطنون على أرواحهم ودمائهم وأعراضهم وحرماتهم، ويطمئن كل منهم على أن يصبح ويمسي آمنًا في سربه، معافًى في بدنه، ساعيًا في معاشه، متعاونًا مع غيره، حرًّا في وطنه، كريمًا على أهله، إيجابيًّا في حركته، شديد الولاء والانتماء لوطنه، مشاركًا في نهضة أمته؟
ذلك ما يسعى إليه مشروع النهضة القائم على المرجعية الإسلامية بإذن الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.