من 50 ل 116 جامعة.. عاشور: قفزة بالتعليم العالي في مصر بعهد السيسي    بالصور- رئيس جامعة أسيوط يتفقد لجان امتحانات كلية الآداب    وزير التعليم العالي: طفرة كبيرة بالمنظومة التعليمية في عهد السيسي    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    توقف جميع شبكات الاتصالات فى إسبانيا بعد 4 أسابيع من أزمة انقطاع الكهرباء    توريد 544 ألف طن من الذهب الأصفر لشون وصوامع محافظة الشرقية    خالد عبد الغفار يبحث سبل التعاون مع وزيرى الصحة بلاتفيا وأوكرانيا    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    الحجز غدا.. أماكن وحدات سكن لكل المصريين 7    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    رئيس الوزراء يستقبل أمين الأمانة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصينى    اتهام فلسطيني لإسرائيل بمحاولة تصفية قادة الحركة الأسيرة بالسجون    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    البرلمان العربي يعزي مصر في شهداء طائرة التدريب    باكستان تؤكد التزامها بزيادة حجم التجارة مع الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة    المحكمة الرياضية ترفض أحقية حصول لاعب الإسماعيلي السابق على 200 ألف دولار    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في دوري سوبر السلة    مصيلحي: معظم الأندية وافقت على إلغاء الهبوط.. ولا أتخيل الدوري بدون الفرق الشعبية    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    الأهلي يقترب من حسم ملف مصطفى العش    كلوب يفاجئ الجميع.. أوافق على تدريب هذا الفريق    ضبط شخص تعدى على سيدة بالسب وتهديدها بسلاح أبيض أسفل محل سكنها فى دمياط    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    الأرصاد: طقس غداً الأربعاء حار نهاراً معتدل ليلاً    فاروق: توطين صناعة المبيدات "ضرورة" تفرضها التحديات الإقتصادية العالمية    عامل يشرع في قتل صاحب ورشة بسبب الخلاف على أجرة إصلاح موتوسيكل بسوهاج    عرض مسرحية الأشجار تموت واقفة في قصر ثقافة مصطفى كامل بالإسكندرية    في ذكراه.. كواليس تقديم سمير صبري أغاني بالفرنسية والإنجليزية بأفلامه    الصور الأولى من كواليس فيلم «بنات فاتن» ل يسرا وباسم سمره    موعد أول سحور فى ذى الحجة.. وقت أذان الفجر وحكم صيام العشر الأوائل    الأزهر للفتوى يوضح حجم الحجر الأسود وفضل استلامه ومسحه    إنجاز طبي بمستشفى أطفال مصر: إنقاذ رضيعة بتوسيع الصمام الأورطي بالبالون    طريقة عمل القراقيش بالملبن بخطوات بسيطة    «مكافحة العدوى» بمستشفيات سوهاج الجامعية الثاني في ترصد الأمراض الوبائية    التعريب وثقافة الهوية.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    سبق اتهامه فى عدة قضايا.. أمن الأقصر يضبط تاجر مخدرات    إمام عاشور يرفض عرض الأهلي بعد الجلسة العاصفة.. إعلامي يكشف مفاجأة    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    حسين الشحات: متحمسون للغاية لمواجهة ميسي الأفضل في العالم.. ونثق في حضور جماهيرنا    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    الجيش السوداني: نقترب من تطهير كامل الخرطوم    «ما يهزهم ريح».. 4 أبراج تتميز بثبات انفعالي مذهل في المواقف الصعبة    قبل امتحانات آخر السنة 2025.. ما هو الاختيار الأفضل لتحلية الحليب لطفلك؟ (أبيض ولا أسود)    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    دينزل واشنطن يوبخ مصورا قبل حصوله على السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان    الأمن يلقى القبض على المتهم بذبح والده المسن بأسوان    برواتب تصل ل15 ألف جنيه.. فرص عمل جديدة تطلب 5 تخصصات بشروط بسيطة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    "تأهيل خريج الجامعة لمواجهة تحديات الحياة الأسرية".. ندوة بجامعة حلوان    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب السنة والشيعة 4 قرون: لم ينجح أحد!
دراسة: المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (24)
نشر في الشعب يوم 05 - 05 - 2018

حروب العثمانيين- الصفويين كانت لصالح انجلترا وروسيا
السلطان عبد الحميد: عدم التفاهم مع ايران يدعو للأسف
العلاقات العثمانية- الصفوية تحسنت بعد خراب مالطة


(هذه دراسة غير منشورة وغير مكتملة بعد لمجدي حسين رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير جريدة الشعب الذي يقبع الآن مغيبا خلف أسوار السجون بأحكام ظالمة وغير دستورية.. لقد تم ترتيب الجزء المكتوب من الدراسة في حلقات وسننشر تباعا الحلقات الموجودة لدينا لحين خروجه من محبسه وإكمال عطائه الفكري والسياسي والذي نأمل أن يكون قريبا بإذن الله..)
بينما كان دخول العثمانيين سهلاً وميسوراً في مصر والشام ومع إعلان الحجاز التقليدي الولاء للمنتصر إلا ان الأمر في العراق لم يكن مستقراً، فمنذ بدايات القرن السادس عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر، اي قرابة 4 قرون كان العراق أشبه بساحة المنافسة والصراع والصدام بين الدولتين العثمانية والصفوية الشيعية. ونحن أمام حالة نموذجية لكيف ينعكس الماضي على الحاضر بقوة، فالوضع الراهن في العراق في العقود الأخيرة هو انعكاس مباشر لهذا التاريخ. وهذه اهمية دراسة هذا الموضوع لنأخذ منه العبر في محاولة لتجاوز أخطاء الماضي.
كانت الدولة الصفوية هي الحد الشرقي لحدود الدولة العثمانية، والصراع معها كان له دور كبير في عددم انسياح نفوذ العثمانيين شرقاً إلى وسط آسيا والهند حتى أقاصي الشرق الذي دخل جزء منه في الاسلام قبل قيام الدولة العثمانية، وهو في أغلبه سني المذهب!
الملمح البارز للنزاع أنه كان عنيفا من الطرفين، وأن الدولة العثمانية باعتبارها الطرف الأكبر والأقوى كان يمكن أن تقود النزاع إلى حالة أقل حدة، ولكن مما يلفت النظر أن علاقة العثمانيين مع الأوربيين كانت أكثر تسامحاً وأقل حدة خاصة في مجال التعامل مع المواطنين. وهذه عموما طبيعة الصراع بين المتشابهين، فالصراعات تكون أكثر حدة أحيانا بين دولتين أو فصيلين يحملون نفس الشعار، وبالتالي فإن كل طرف يكون حريصاً على أن يكون هو المعبر الصحيح والحقيقي عن الشعار. على سبيل المثال وجدنا حرباً وصراعاً خطيراً بين الاتحاد السوفيتي والصين لأن الطرفين كانا يتنافسان على تمثيل الشيوعية. وكذلك بين الصين وفيتنام حيث قامت بينهما حرب طاحنة. ورأينا كيف قامت أعتى حروب العالم (الحربان العالميتان الأولى والثانية) بين فريقين من مذهب واحد: الرأسمالية- العلمانية.
كانت الدولة العثمانية ترى- وهي على حق من وجهة نظرنا- أنها هي الممثل الصحيح للاسلام، وليس الدولة الصفوية الشيعية وبالأخص في مسألة التعرض لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا الموقف دفعها لموقف استئصالي عسكري. في الصراع العثماني الصفوي نجد تطبيقاً مباشراً لمسألة ان الدولة العثمانية تنحو المنحى العسكري وأنها تغلب ما هو عسكري على ما هو دعوي, وإذا كان قد كان صعبا على العثمانيين الاستقرار على أرض ايران، مما يتيح المجال لتطوير العمل الدعوي، إلا انها استقرت نسبيا ولفترات معقولة في العراق، وكانت الفرصة متاحة لممارسة الجهود الدعوية، ولكن لا يبدو أن ذلك قد حدث بصورة معقولة أو ملائمة، والمحصلة النهائية للصراع الذي استمر قرابة 4 قرون، لم يكن في صالح السنة، وهي مدة كافية للتقييم. فعندما انهارت الدولة العثمانية في أوائل القرن العشرين، وقام الانجليز باحتلال العراق كانت النسبة المئوية للسكان 60% شيعة وفي بعض التقديرات 65% و40% سنة أو 35% وهي نسبة لا تزال مستمرة حتى الآن، حيث أن معدل التناسل متساوي أو متقارب بين الطرفين. ولكن هناك مشكلة أكبر، أن نصف السنة أكراد، وهم كانوا ولا يزالوا على الأغلب يميلون للعلمانية وبالتالي فإن عدد السنة الحقيقي يدور حول 17- 20% من السكان، وهم لذلك لا يمكن أن يفوزوا في الانتخابات بالأغلبية خاصة في ظل أي استقطاب طائفي. ولكن قبل أن نتحدث عن مشكلات اليوم وسناتي إليها (إذا اراد الله سبحانه وتعالى). لنبقى في جذور المشكلة في الماضي. كيف تطورت الأمور منذ البداية.
- في بدايات القرن 16 ومع دخول المستطيل استولى العثمانيون على معظم أراضي العراق وبعض أراضي ايران.
- في اواخر القرن 16 عقد الشاه عباس الكبير الصفوي صلحا مع العثمانيين تعهد فيه بعدم سب الخلفاء الراشدين في أرض مملكته، وتنازل عن بعض الأراضي للعثمانيين، بل بعث بابن عمه حيدر ميرزا رهينة إلى استانبول لضمان تنفيذ الاتفاق. كان ذلك عام 1585.
- واضح أن الشاه عباس فعل ذلك لمجرد احساسه بالضعف، لذلك في اوائل القرن السابع عشر قام بهجوم مضاد وعاد وانتزع تبريز و وان في ايران ثم تقدم واحتل بغداد والنجف وكربلاء والكوفة، وقام بنفسه بزيارة النجف حيث قبر سيدنا على بن أبي طالب رضى الله عنه.
- بعد عدة سنوات وفي عام 1634 قام السلطان مراد الرابع العثماني باستعادة بغداد.
- بعد ذلك استعاد العثمانيون تبريز وهمدان ولورستان في ايران
- في عام 1731 تخلى العثمانيون عن هذه المدن والمناطق الايرانية.
وهكذا كانت العجلة تدور طوال قرون: سيطرة عثمانية على العراق وغرب ايران تعقبها سيطرة الصفويين على كل ايران ومعظم العراق أي استمرار تبادل السيطرة. وهذا يعني أن العثمانيين لم يفلحوا في فترات سيطرتهم على العراق أن يدعموا أركان المذهب السني في البلاد بين صفوف الشعب من خلال العمل الدعوي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الصفويين استخدموا العنف لتشييع ايران عندما اعلن اسماعيل الصفوي الالتزام بالمذهب الشيعي عام 1501 أي ترافق ذلك مع قرب دخول العثمانيين للمنطقة (1016) وقد أقام الصفويين دولة قوية ضمت أفغانستان وباكستان وأذربيجان وأرمينيا والعراق وأجزاء من سوريا والأناضول.
استخدم الصفويين محاكم التفتيش ضد أتباع المذهب السني وحظروا وحرقوا مساجدهم وأنزلوا عليهم عقوبات السجن والاعدام. ولعل من آثار ذلك أن الخريطة المذهبية لايران حاليا توضح أن الفرس في وسط البلاد هم أغلب الشيعة وأن معظم السنة من غير الفرس.
والوضع الحالي أن السنة 15% من السكان أي حوالي 10 ملايين وهذا احصاء قديم ولا شك أن الأعداد وربما النسبة أكبر من ذلك الآن. ولكن من خصائص هذه المنطقة هو حالة الفسيفساء العرقي والمذهبي والديني، فمثلا الصفويين الذين ثبتوا الشيعة بين الفرس ليسوا فرساً بل أتراك وكانوا يتحدثون في البداية اللغة التركية!! والشئ بالشئ يذكر فقد حكم ايران قبل أسرة الشاه بهلوي في أواخر القرن 19 الفاجار وهي أسرة تركية!!
يقول حكام ايران الحاليون أن الدولة الصفوية نعم كانت شيعية ولكنها كانت أقرب للدولة العلمانية. وأن الدولة التي أسسها آية الله خميني هي أول دولة على أساس ديني شيعي، وفي حدود قراءاتي من مراجع شتى فإن الصفويين أعلنوا انهم ينتسبون إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال نسل على بن أبي طالب، وهو أمر أحرج العلماء لأنه لم يكن هناك سند حقيقي لذلك. الصفويون كانوا يفتقرون لعلماء الشيعة. فإيران كانت عادة معقل السنة، وهذه حقائق يجب معرفتها لندرك أن تقلب البلاد بين المذاهب حدث مراراً وليس في ايران وحدها، مثلا في القران الرابع الهجري كانت أصفهان مركز أهل السنة وكانت كذلك معظم بلاد فارس. بينما كان مركز الشيعة في العراق (الكوفة)! ومعروف أن الحركة العباسية التي أنشأت الدولة العباسيية نشأت بين الفرس أساساً، وأن معظم فقهاء السنة وأئمة الحديث كانوا من البلاد الفارسية أو المرتبطة بها: النيسابوري- البخاري- الترمزي- الرازي- الطبري- الغزالي- الخراساني- الشهرستاني- الكيلاني- الاستراباوي- الخوارزمي- الجرجاني- الأصفهاني...الخ
قلنا أن الصفويين كانوا يفتقرون إلى علماء الشيعة إلى حد انهم استوردوا علماء شيعة من جبل عامل (بجنوب لبنان) والبحرين (وهذا يوضح قدم الشيعة في البحرين) وجنوب العراق. وظل رجال الدين في العهد الصفوي مندمجين مع النظام، الذي كان يدفع لهم مرتباتهم ومكافآتهم ويطوعهم ليجعلهم تابعين له ومصدراً للحصول على الشرعية. (فيما بعد استقل رجال الدين عن السلطات من الناحية المالية عندما بدأوا يجمعون "الخمس" لحوزاتهم مباشرة).
- ومن الغرائب أن مدينة قم التي أصبحت مدينة متخصصة لاقامة علماء الدين ودراسة الدين على المذهب الشيعي، قد تم تأسيسها في العهد الصفوي كوسيلة للفصل بين الدين والسياسة، بحشد رجال الدين في مكان بعيد وسط الصحراء، ثم أصبحت المدينة رقم 2 في تدريس المذهب الشيعي بعد النجف.
في مقابل عنف الصفويين لتشييع الفرس وقع العثمانيون في أخطاء فادحة وارتكبوا احيانا ما أساء بشدة للسنة في بلاد فارس، من ذلك ما يقوله المؤرخ بجوى ابراهيم أفندي وهومؤرخ عثماني من أصل مجري، وهو مسلم ورع عمل عشرات السنين كموظف كبير في دوائر الدولة العثمانية، يقول في مذكراته المهمة في إطار الانتقاد والرفض ما قام به جعفر باشا قائد إحدى الحملات العثمانية على ايران عندما أمر بالقتل العام لأهالي تبريز حتى لقد وصل الأمر للتعرض للنساء، وقد استمر حكم جعفر باشا لتبريز 8 سنوات، وأعمل فيها كل أشكال الحرق والتدمير والاستباحة، وهذه أمور ما كان العثمانيون يقومون بها في غزواتهم عموماً حتى في البلاد الأوروبية.
كان للصدام المسلح المتواصل بين العثمانيين والصفويين أثر سيئ على قيمة إيرادات الدولة العثمانية من الطرق القديمة في الأناضول، حيث هبطت الايرادات بعد 1512 لإغلاق معظم الطرق التجارية القديمة لارتفاع مستوى الأخطار فيها وانخفض بشكل خاص إيراد العثمانيين من الحرير الفارسي.
وليست هذه هي المضار الاقتصادية الوحيدة. فلا شك أن استنزاف القوى في تعبئة الجيوش والمعارك كان أمراً مضراً بالطرفين.
ومن العجيب أن روسيا التي تقع شمال الدولتين العثمانية والصفوية، وبعد سقوط دولة القبيلة الذهبية التتارية المسلمة، وسيطرة الدولة الروسية القيصرية النصرانية، قد بدأت في شن هجمات على الدولتين، فمثلاً احتل بطرس الأكبر داغستان وسواحل بحر قزوين الغربية وكانت مناطق تابعة للصفويين، بينما واصل الروس هجومهم على الدولة العثمانية في مناطق البحر الأسود.
وهنا نرجع مرة أخرى للسلطان الحكيم عبد الحميد الثاني الذي ذكر بالنص في مذكراته ما يمكن اعتباره تقييما اجمالياً لهذا الصراع الذي استمر 4 قرون، فقال: (عدم وجود تفاهم مع ايران أمر جدير بالتأسف عليه وإذا أردنا أن نفوت الفرصة على الانجليز وعلى الروس فإننا نرى فائدة تقارب اسلامي في هذا الأمر).
ولم يكن هذا مجرد حديث نظري فقد حاول في فترة حكمه التي امتدت من 1876- 1909 أن يقيم علاقات مختلفة مع ايران، حتى أن شاه ايران تبرع ب 50 ألف ليرة عثمانية لبناء خط سكة حديد الشام- الحجاز الذي أقيم فعلاً وامتد بين دمشق والمدينة المنورة، وقد كان تبرع شاه ايران مساوياً لتبرع السلطان عبد الحميد للمشروع. أي ان العلاقات تحسنت بين البلدين بعد خراب مالطة، فالدولة العثمانية سقطت وإيران أصبحت تحت الاحتلال. وقبل ذلك بفترة طويلة أي قبل أكثر من قرن من زمان السلطان عبد الحميد وأثناء إحدى المعاهدات بين الطرفين ، اتفق الطرفين على السماح للايرانيين الشيعة بأداء فريضة الحج بصورة نظامية وآمنة وهو الأمر المستمر حتى الآن.
أشرنا إلى تأثير هذا الماضي القريب نسبياً على الخريطة المذهبية في كل من العراق وايران ولكن هناك أثراً ثالثاً خطيراً ومهماً من هذا الصراع على تركيا نفسها. فقد عانت الدولة العثمانية من الاضطراب والقلق في شرق الأناضول كحد شرقي لحدودها لعدة أسباب: ليس الصراع مع الصفويين فحسب بل مع الأرمن الذين نزح كثير منهم بعد نزاع مرير إلى الشرق، ولجأ بعضهم للصفويين وساهموا في بناء العاصمة الجديدة أصفهان، وكان الأرمن تكتل مسيحي في شرق الأناضول (الأرمن لهم كنيسة خاصة بهم لا كاثوليكية ولا أرثوذكسية) وقد أقام الأرمن أول دولة مسيحية في التاريخ (300 م).
وكانوا في شرق الأناضول يمثلون قلقاً وصداعاً للعثمانيين موازياً لكتلة البلقان في الغرب. واليوم يستغل الغرب ما يسمى "المذابح" العثمانية ضد الأرمن للتشهير بتركيا. والواضح أن الأرمن كانوا يقومون بانتفاضات مسلحة ضد الدولة العثمانية. كذلك فإن شرق الأناضول كان يحتوي على الأكراد، وقد لعب الأكراد دوراً مزدوجاً في الصراع العثماني- الصفوي حيث كانوا يبدلون ولاءهم بين الطرفين وقد عرضهم هذا للطحن من الجانبين.
والآن نرى أن مشكلة النظام التركي الكبرى هي في منطقة شرق الأناضول حيث يتركز قرابة 15 مليون كردي بل وحيث تركز قوى حزب العمال الكردستاني اليساري المسلح الساعي للاستقلال، وبالتالي فإن تركيا تدفع ثمن عدم ترتيب أوضاع شرق الأناضول الذي كان في أغلب الأحوال منطقة غير مستقرة بسبب الصراع المسلح مع الصفويين، أي لم يواصلوا نهج المؤسسين أرطغرل وعثمان عندما بدأت الدولة العثمانية في غرب الأناضول وكان البعد الدعوي قويا.
ذكرت من قبل انه مضيعة للوقت، منهج غير سليم أن نحاول إعادة هندسة التاريخ، فما كان قد كان، و لايمكن إعادة عقارب الساعة للوراء ونقول كان ينبغي فعل كذا وكذا بدلاً من كذا وكذا. المهم أن نستفيد بعبر الماضي. وأرى أن استمرار نزيف الصراع بين السنة والشيعة خطة غربية- أمريكية- صهيونية خبيثة لتدمير المستطيل الاسلامي منذ أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحالي. والمستطيل الاسلامي هو المرشح الوحيد كما ذكرنا ليكون قلب الدولة الاسلامية، ولا يمكن لهذه الدولة أن تقوم في خضم صراعات وفتن مسلحة لا تنتهي بين مكونات الشعوب. ولابد من إعادة ترتيب الأولويات وإدراك الدور الأمريكي- اليهودي في إذكاء لهيب هذه الصراعات. ولابد من الاستفادة من التجربة البائسة للصراع العثماني- الصفوي 4 قرون كاملة الذي لم يستفيد منه أحد الطرفين بل ساعد كما يقول السلطان عبد الحميد الروس والانجليز في غزو المنطقة. بل لقد برهنت الأيام بعد ذلك على دقة حديثه، فقد اقتسم الروس والانجليز الأراضي الايرانية عقب الحرب العالمية الثانية. احتل الانجليز العراق، واقتسموا مع فرنسا أراضي المستطيل العربي (سايكس بيكو)عقب الحرب العالمية الأولى، بينما تمدد النفوذ الروسي في شمال تركيا وحول البحر الأسود وفي دول شرق أوروبا التي كانت تابعة للدولة العثمانية بما في ذلك منطقة البلقان خلال الفترة الأخيرة من الدولة العثمانية وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
نحن نعتز برؤيتنا السنية ولكن خلافنا مع الفرق الشيعية يجب أن يتجنب العنف ونطالبهم بذات الموقف ولابد من وضع قواعد صارمة لممارسة الخلاف وهو يمس أمور تتصل بالعقيدة، ولابد من خلق رأي عام قوي في الطرفين لاقرار ذلك، خاصة ونحن الآن لدينا فضائيات وانترنت وإمكانية تجنب العنف أصبحت أكثر يسراً دون أن يتخلى أحد عن معتقداته.
أعلم أن بعض الشيعة (وأنا أقصد أساساً الاثنى عشرية) يكفرون السنة، وأن بعض السنة يكفرون الشيعة الاثنى عشرية. وقد أصدرنا عدداً خاصاً من مجلة منبر الشرق الفكرية لمناقشة هذا الموضوع من خلال أطروحات العلماء من الطرفين. نحن لا نستطيع أن نحجر على الأراء هنا وهناك، ولكن من واجبنا أن نضع قواعد صارمة لوقف ممارسة الخلاف بوسائل عنيفة، ووجود برنامج سياسي مشترك لمواجهة الغزو اليهودي- الصليبي على المسلمين هو أساس العلاج حيث نتجه للخطر الرئيسي والتحدي الأكبر. وداخليا فإن الاحتكام للصندوق في الانتخابات النزيهة مهم جداً كبديل لاستخدام العنف للوصول إلى السلطة، أتحدث على المستوى العربي والاسلامي عموماً خاصة في البلاد ذات التعدد الطائفي.
الأهمية الاستراتيجية للأناضول:
تحدثنا كثيراً عن الأهمية الاستراتيجية للمستطيل القرآني (الشرق الأوسط) الذي يضم البلاد العربية والآسيوية + مصر، ولا يعني ذلك أنه لا توجد مواقع جغرافية ذات أهمية استراتيجية كبرى في مفاصل العالم. بل كل موقع عموما له أهميته في اقليمه كما توجد أهمية لكل مربع على رقعة الشطرنج وان لم ترتفع إلى مستوى المربع الأوسط. وكلما كان الموقع قريبا من المستطيل كان أكثر أهمية. ومن ذلك أو على رأس ذلك (هضبة الأناضول) وهي الجسم الأساسي لتركيا الحالية (القسم الآسيوي الذي يمثل قرابة 90% من تركيا)، فلهذه الهضبة المتسعة (زرتها وتجولت فيها كلها من استانبول حتى لواء الاسكندرونة عام 1970!!). "الأناضول" وهي تعني في اللغة اليونانية القديمة "الشرق". الأناضول لها نفس خصائص المستطيل القرآني من زاوية أنها حلقة الوصل بين الشرق والغرب، بين أوروبا وآسيا في المجالين التجاري والعسكري . فكانت خطوط التجارة البرية بين الشرق والغرب تمر بها رغم وعورة التضاريس بالمقارنة مع الشام والعراق ومصر، ولكنها هضبة منبسطة في كثير من مواضعها، بينما تتركز في جبال طاروس في مناطقها الجنوبية وهي الجبال التي تفصل بين بلاد العرب وتركيا. وكان أحد فروع طريق الحرير القادم من الصين يمر من خلالها. ولكن بقى النقل البحري عبر مصر والخليج العربي أكثر امنا وسهولة وويسراً. ولكن بدا أن طريق التجارة عبر الأناضول جيدة بالنسبة للبلاد الآسيوية الأقرب: بلاد فارس ووسط آسيا.
وهكذا بدت الأناضول عنق زجاجة موازي وملاصق للمستطيل القرآني، كما أن الأناضول مدخل مباشر للمستطيل نفسه للقادمين منها ومن أوروبا. المهم أن كثير من الغزوات التاريخية المتبادلة بين الفرس واليونان، ثم بين الفرس والرومان مرت عبر الأناضول، ولم تكن الأناضول منطقة فارغة كما يتصور البعض قبل مجئ العثمانيين والأتراك إليها، ولكنها كانت عامرة بالحياة، ويتم تبادل السيطرة عليها بين الشرق والغرب ولم تكن مجرد ممر. فأحيانا يسيطر عليها الفرس وأحيانا الأوروبيين اليونان ثم الروم حتى جاء الأتراك السلاجقة ثم العثمانيون وسيطروا عليها وقاموا بعملية تتريك لها حتى الان. والطريف أن حملة الاسكندر الأكبر على آسيا بدأت أولا عبر الأناضول، حيث قاد عام 334 ق.م جيشاً من 35 ألف عبر الدردنيل وآسيا الصغرى (آسيا الصغرى هي الأناضول) وكان هذا هو الجزء الغربي من فارس!! وانتصر عليهم في أول موقعة "جرانيكوس" ولكنه اتجه فجأة لساحل آسيا الصغرى على البحر المتوسط واحتل المدن الواقعة تحت حكم الفرس ثم اتجه بحراً إلى مصر حيث توجد قوة فارسية وهزمها وحيث رحب المصريون به.
وهنا كانت أهمية بحر الدردنيل الصغير الذي يفصل بين أوروبا وآسيا (ويسمى بحر مرمرة) وهو الواقع بين مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يتحكمان في التواصل بين البحرين الأسود والمتوسط، وهو بحر بالغ الأهمية لروسيا، وهذا سر اهتمام روسيا حاليا بأوكرانيا الواقعة على البحر الأسود. وهذان المضيقان من أهم أسباب الصراع بين روسيا والعثمانيين.
إذاً الأناضول جزء مكمل أو رديف للمستطيل القرآني ومن حسن الطالع أن الأناضول أصبح مسلماً وسنتناول كل ذلك في المستقبل القريب. أما بلاد فارس الملاصقة للمستطيل من الناحية الشرقية فأهمية موقعها- بالاضافة لكونها مركز حضاري قديم- أنها البوابة البرية لآسيا.

اقرأ أيضًا :

·المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- حلقة (1)
الحلقة 1
·دراسة المستطيل القرآني (الشرق الأوسط)- الحلقة (2)
الحلقة 2
·آدم يمني..نوح عراقي..أيوب مصري..إلياس فلسطيني
الحلقة 3
·نوح عاش في المستطيل.. دلائل قرآنية إضافية
الحلقة 4
·لماذا مصر في رباط إلى يوم الدين؟
الحلقة 5
·مصر هي البلد الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن
الحلقة 6
·بعثة محمد (ص) وضعت الشرق الأوسط في البؤرة
الحلقة 7
·هنا.. يجري استعداد أمريكا واليهود لمعركة نهاية العالم
الحلقة 8
انجيل أمريكا: مصر والشرق الأوسط أساس السيطرة على العالم
الحلقة 9
رسول الله لم يسع إلى إقامة دولة اسلامية بالحبشة
الحلقة 10
البابا يدعو لتحرير القدس من قبضة المسلمين الأنجاس
الحلقة 11
الفاطميون يندفعون كالاعصار من طنجة إلى مكة
الحلقة 12
صلاح الدين يغلق مضائق تيران ويحمي قبر الرسول
الحلقة 13
لماذا أقسم الله بالشام ومصر ومكة في سورة التين؟
الحلقة 14
المغول اجتاحوا آسيا وأوروبا وروسيا والمشرق..وهزمتهم مصر!
الحلقة 15
قطز ذبح سفراء هولاكو وعلقهم على أبواب القاهرة
الحلقة 16
البابا يدعو البرتغال ل (إطفاء شعلة شيعة محمد)
الحلقة17
البرتغال: هدفنا الاستيلاء على رفات "محمد" لنبادلها بالقدس
الحلقة 18
كريستوفر كولمبس مكتشف أمريكا كان مجرد نصاب عالمي!
الحلقة 19
صدق أو لا تصدق: اللبنانيون أقاموا دولة عظمى متوسطيةالحلقة 20
معجزة زمزم الذي لا ينفد منذ 5 آلاف عام .. بناء الكعبة قبل ابراهيم مسألة حسمها القرآن الحلقة (21)
العثمانيون أكبر امبراطورية في التاريخ: 23 مليون كم مربع الحلقة (22)
بعودة الآذان خرج الأتراك للشوارع يبكون ويسجدون لله (الحلقة 23)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.