بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    426 مليون جنيه إجمالي مبيعات مبادرة "سند الخير" منذ انطلاقها    رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية: إسرائيل لن تلتزم بقرارات العدل الدولية    فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي على شاطئ غزة منفذا لتهجير الفلسطينيين    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    كولر يعقد محاضرة فنية قبل مران اليوم استعدادا للترجي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    إعدام 6 أطنان أسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    "القاهرة الإخبارية" تحتفي بعيد ميلاد عادل إمام: حارب الفكر المتطرف بالفن    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    الخشت يستعرض دور جامعة القاهرة في نشر فكر ريادة الأعمال    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    خبير سياسات دولية: نتنياهو يتصرف بجنون لجر المنطقة لعدم استقرار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أن يكون الإنسان – إنسانا، أو أشياء أخرى ..!!
نشر في الشعب يوم 26 - 06 - 2010


بقلم: عبد الرحمن عبد الوهاب

اجل ،خلق الإنسان ليحقق غايات عظمى من وجوده على سطح الكون ، وان كانت القضية أن يأكل ويشرب ويتناسل، فهو بهذا لن يختلف عن كثير من السوائم والانعام، لذا، هناك قضية كبرى . (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : 56 )
وجاء في التلمود: يقوم العالم على ثلاثة أشياء:على المعرفة والعبادة والإحسان .
فهو يعتبر ان "العبادة" ركيزة من الركائز التي يقوم عليها العالم، ولهذا قالوا الصلاة سلاح إسرائيل .
هذه تصورات الأعداء ،، ومع هذا لم يقتنع العلمانيين العرب أن الدين الإسلامي ركيزة النهوض.
أما بالنسبة للمعرفة فقد جعل المصطفى طلب العلم فريضة، وقال اطلبوا العلم ولو في الصين.. ولقد جاء في احد الأفلام الأمريكية" المعرفة هي القوة، اعرف ماهية العالم ".
كان ينظر الإنسان منذ بدء الخليقة إلى السماء وثمة إرهاصات وهواجس من الفلاسفة في قضية الماورائيات. لم تقطع لديه الشك باليقين.. وظلت السماء لغزا.. حتى الإسراء والمعراج، وأعطانا المصطفى الكريم الوصف التفصيلي لواقع السماء. اجل لقد نزلت من السماء الكتب. ونزلت رسل السماء من الملائكة إلى الصفوة من البشر. الأنبياء يحملون كلام الله تعالى وأوامره ونواهيه إلى البشر كي يرتقوا بالإنسان ويرفعوه إلى سماوات مجدهم. قال الأستاذ ميخائيل عيد "أتي الأنبياء إلى البشر ليرفعوهم إلى سماواتهم ولكن البشر أنزلوهم إلى الأرض. ولم يأخذوا إلا القليل وطمسوا وضيعوا الكثير ".
كانت قضية الأنبياء هي الارتقاء بالإنسان .
وقال الشاعر:
وشرعة الحر ان يسموا وان هبطت رغائب دنياه فالأشراف من سمقوا
وقال عيسى عليه السلام " ليس بالخبز يحيا الإنسان" فالإنسان بعد مجيء الأنبياء ثمة معايير أخرى لقياس الأشياء والحكم على الامور، بمعايير السماء وليس معايير الفلاسفة والحكماء..
فقد جاء في التوارة " كلمات في فمك خير من آلاف الذهب والفضة " من هنا لا قيمة للذهب والفضة حينما تقاس بكلمات نمجّد ونعّظم بها الله تعالى..
وقال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت : 33 )
وكان معيار التقوى مقياسا هاما:
: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص : 83 )
أي ليس الأمر للعلو والفساد -العاقبة للمتقين وليست للمجرمين.
ارتقى العرب حينما طبقوا معايير وشريعة السماء على سطح الأرض. وحكموا العالم بناء على التقوى. ومفاهيم غير المعايير المادية والتنصل من قوانين السماء كما هو الواقع المعاصر.
وتفتق يومها الواقع الإسلامي المذعن لله والمسلم لله إلى أن انتهت أزّمة قيادة البشرية إليهم.. ليصرّفوها بالعدل وفي طاعة الله.. وما أن حادت عن الطريق.. تخلفت عن الركب. فالله تعالى يمّكن للدولة العادلة وان كانت كافرة ولا يمّكن للدولة الظالمة وان كانت مسلمة.
فميزان السماء هو العدل، وبالعدل قامت السماوات والأرض.. وهي المهمة الأساسية للرسل. أن يقوم الناس بالقسط. وضعنا الحالي.. كما قال ابو الدراداء في قبرص " ما أهون الخلق على الله إذا ضيعوا أمره.. بمعنى انها إذا ضيعت الأمة أمر الله، سلط الله عليها السبي، وإذا سلط الله السبي، لم يعد لله فيهم حاجة.. بمعنى أن لا قيمة لها في موازين السماء ولاثمة مبرر لوجودها..
قيل انه يأتي بالرجل العظيم السمين فلا يزن يوم القيامة جناح بعوضة.
قال تعالى
( فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) (الكهف : 105)
تابعت آراء المفكرين الغربيين نحو الحضارة الغربية. وكانت تتقارب نحو مضمون واحد هو البحث عن منهج مختلف.. يقول "ودرو ويلسون" لنختصر الأمر في هذا القول: أن حضارتنا لا يمكن أن تستمر ماديا مالم تعدل روحيا "
The sum of the whole matter is this, that our civilization cannot survive materially unless it be redeemed spiritually." —Woodrow Wilson


And the wind shall say "Here were decent godless people; Their only monument the asphalt road, And a thousand lost golf balls."
~T.S. Eliot
وهو ما قاله ت اس اليوت .. وستقول الريح : كان هناك شعوب "كافرة" نصبهم التذكاري الوحيد طريق الإسفلت وآلاف من كرات الغولف الضائعة.
قال البرت أينشتاين "نحتاج بشكل جذري إلى نوع جديد من الفكر إذا أرادت البشرية ان تستمر الحياة .":
We shall require a substantially new manner of thinking if mankind is to survive. ~Albert Einstein
هناك معايير تحكم الأرض ترتكز على " تقوى الله" ليس بمعنى أن تختلف مع إنسان ما ان تستعمل كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للتدمير.. انه بدون كوابح من تقوى، فلن يستمر العالم، لان واقع الأرض سيكون غابة لا تحتمل حال اذا أطلق للإنسان العنان بدون كوابح من تقوى، فان الوضع كارثي. كما رأيناه في هيروشيما ونجازاكي او العراق على مدى العشرين يوما الأولى من الغزو الأمريكي.
ان يسقط القنبلة على الأرض. دون أن يعبأ إذا كان هناك طفل صغير يركض خلف فراشه.
وقال توماس كارليل: الحضارة فقط غلاف والذي مازالت تنفجر من خلاله الطبيعة الوحشية للإنسان الدنيئة دوما..
Is man's civilization only a wrappage, through which the savage nature of him can still burst, infernal as ever? ~Thomas Carlyle, The French Revolution, vol III, book V, chapter 7.
إذا كان الإنسان يسير بلا تقوى فانه يحث الخطى نحو الكارثة وهذا الوضع العالمي من الانحدار الأخلاقي والإباحية، لم يرتق بالإنسان، وانحدرت إنسانيا، لا تحترم السماء، ولا تخشى الله.. ولا يرجون لله وقارا، اذا لابد أن يحترم الإنسان نفسه.. ولن يحترم الإنسان ولن يعرف الغاية من الوجود إلا إذا نظر إلى السماء ووقف تبعا لما نصت عليه كتب السماء ووحي الأنبياء. وان يتوقف عند ما نهت عنه كتب السماء وما نهى عنه الانبياء.. مهما كانت عوامل الخداع والاستدراج.. أو الركون إلى القوة في بعض الاحيان.
قال تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر : 44 )
فالإنسان إذا انتهى به الهوى والشيطان إلى عبادة الدولار والدينار والشيطان ورأس المال تحول من الذروة إلى المنحدر.
المبادئ أمر هام ولهذا لن تستقيم مبادئ الغرب مع مبادئ العالم الإسلامي المنزلة من السماء..
فنحن في واد وهم في واد آخر.
أساء رجل إلى أبي ذر فقال ابو ذر "نحن لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه".
شتم رجل أعرابي وعيّره بعيوب فيه، فقالوا له لم لا ترد عليه، فقال الأعرابي، لا اعرف له عيوب فخشيت ان أبهته. أي أصفه بما ليس فيه يهتانا.
الله هو الأساس في المعاملات والعبادات. والحركة في الحياة. وصلب الأمور في الواقع البشري .
وان تقواه مصدر الارتقاء..
جاء في مجلة الحوادث ان طالبه جامعية وضعت صورة مفبركة. للدكتورة التي تدرس لها على الشبكة وذيلتها بكلمات توحي أنها امرأة ساقطة ذلك لان الطالبة أرادت الانتقام منها لأنها ضبطتها وهي تغش.
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فالإنسان ليس له قيمة اعتبارية إلا بالمبادئ التي يعيش من اجلها.. وكذا يموت، المباديء لا يمكن التنصل منها تحت أمور الحاجة والعوز والفاقة او تحت أي مبررات، أي ان يبيع مبادئه لمن يدفع ويبيع ضميره وأخلاقه لمن يشتري, أو يترك دينه مقابل صفقة ماديه. هناك أشياء في الوجود ليست قابلة للبيع والشراء.
ندرك ان هناك مؤامرة.. اذا اقتصر الإنسان في حياته على دائرة الخبز ومحاولة من الكدح المتواصل نظرا لعدم تواجده. كي ينحصر جهده في دائرة كفلها الله له ولعامة الكائنات من دواب وطير. فيجعلها الاستبداد مستحيلة جراء التجويع من اجل التطويع فهنا جريمة يقترفها الاستبداد في إقصاء الإنسان عن الدائرة الأهم. واهيمتها لأنها بها تحديدا تتحقق بها القيمة العليا للإنسان والتي بها يمضي الإنسان بنفسه إلى قمة نفسه. الإنسان بالمبادئ هو كيان وحيثية فلا يمكن أن يعيش الإنسان بلا شرف وبلا أمانة وبلا كرامة وبلا أخلاق وكل هذه الأمور مصدرها الأساسي هو الدين.
قد يعيش الانسان للمباديء ودائرة اكبر من اهتماماته الصغيرة فيصعب عليه الموازنات.. الا انه احيانا بل قطعا يقع في دائرة الاتهام ممن قّصر في حقهم فيمن يخص الدائرة القليلة المسئول عنها.. مثل ابنائه... كأن يقف ابنك الصغير. ويقول لك انا ذاهب للعمل غدا.. فتفيق على هول الصدمة.. يا بني أما كان أن تنتظر قليلا حتى يشتد عودك.. تخنقك الغصة وتفر من عينك الدمعة.. وتناشده ما زال الوقت بدري لتحمل أعباء الايام وعركة الحياة. مازال كاهلك ضعيف.. حتى تتحمل قسوة الأيام..
تستشعر الحسرة ان تجد ابناءك، لم ينالوا منك الوقت الكافي، والاهتمام .. بينما من عاشوا بدون مباديء.. حققوا لابناءهم مالم تحققه انت..
انها نفس المساحة التي وقف عندها.. محمد جلال عبد القوي في حضرة المتهم ابي.
اعتقد ان هناك دولاً لم تتأثر بفكر العولمة، فهي ليست لها أسس أو مرتكزات مسبقة من المبادئ كي تحتفظ بها، أو أنها تلتقي مع الغرب حتى النخاع، ولم يأت الغرب لها بجديد أكثر مما هو كائن عندها, فهناك الدول أو المدن الساحلية في أوربا أو أسفل المتوسط قد تكون مؤهلة لاستقبال العولمة. ولكن المؤلم أن يكون هناك مجتمع مسلم ويتنصل من منظومته الأخلاقية.
كنت سعيد بموقع Islamic finder وهو موقع يضم اكبر قاعد بيانات تضم مساجد المسلمين في العالم، وكنت سعيد أنني وجدت موقع قريتنا الصغيرة عليه بالإضافة إلى تحديد المسافة للوصول إليه بالكيلو متر.
فانا اعتبر المسجد كونه بيت الله فهو يمثل مصدر إشعاع لمبادئ السماء على الجوار السكني والارتقاء بالبشر ممن يسكنون في جواره. وأيضا له الدور البارز في تأهيل الامراض الاجتماعية إذا كان هناك عجز وتقصير فان المسجد يقوم بإصلاح الاعوجاج القائم تبعا لمبادئ السماء. من هنا اعتبر ان المسجد ذو أهمية كبرى في الواقع الإسلامي. لان المسجد يرتبط بحركة المسلم في الحياة فهو يرتاده خمسة مرات يوميا..
الا ان قريتنا الصغيرة تأثرت بعوامل العولمة وتخلت عن مبادئ السماء. فان كنت سعيد بالوصول إلى مسجدي عبر الانترنت. إلا أن أثار العولمة على قريتي كانت واضحة. ثمة ظاهرة بدت في قريتنا في الآونة الأخيرة. وهو أن يبحث الشباب عن الثراء السريع دون جهد بذل بغية تحقيق الثراء، وان كان عبر طريق غير شريفة، اكثر من شخص ذهبوا الى الخليج وعادوا بثروة طائلة وعاد في أثرهم الخليجيين يبحثون عنهم ليسترجعوا ما سرقوه، جاء احد الخليجيين إلى القرية وعندما يأس من استرجاع المال عاد إلى وطنه بخفي حنين وقال سأدعو عليه في الكعبة..
ان السياق الطبيعي والمتداول منذ القدم، أن يتعلم الإنسان ويكتسب خبرات ويؤهل نفسه علميا واحترافيا، لكي يوظف خبراته العلمية للعمل الشريف عند الآخرين مقابل مبلغ مادي شهريا، على أسس من الأمانة والشرف وليس أن يوظف خبرات اللصوصية في الانقضاض والاختلاس والسطو على مال الآخرين..
ان الوضع يقتضي أن نؤهل المهندس المسلم والطبيب المسلم والصحفي المسلم على أسس من الأمانة وإلا فالنضع قسم في كليات التجارة والطب والاعلام كيف يتم النصب والسرقة والاختلاس والتلفيق والتدليس.
نعم هناك ثمة خطأ.. وقد يذهب إنسان بخبراته إلى الخليج ولا يرجع بمال. اجل هذا رزقه وهذه اقدار الله وهذا ليس عيب. ولكن العار أن يكون الإنسان لصا..!!
قال الإمام علي من أكل لقمة حرام لم تقبل منه صلاة أربعين يوما.. وكل جسد بنت من حرام فالنار أولى به. واللقمة تنبت اللحم..
وثمة آخر من قريتنا بعد أن عاد من الخارج لابد أن يرتكب النصب حتى آخر طلقة في الميدان ولا ثمة تضييع وقت.. وهاهو ركب تاكسي أجرة القاهرة ليقله إلى قريتنا، فيصل عند أذان الفجر، وترجل من التاكسي قائلا للسائق سآتيك بالأجرة من المنزل. ودخل في دهاليز القرية واختفى.. وبقي الرجل إلى القيلولة ليرجع بعدها أدراجه إلى القاهرة وهو يدعو عليه والقرية الظالم أهلها. كان هناك حلف الفضول في الجاهلية حيث قال المصطفى لو دعي إليه في الإسلام لأجاب. وكان من بين مبادئ حلف الفضول أن لا ُيظلم بمكة غريب.
فهل قريتنا تحتاج في عصر العولمة والجاهلية الحديثة إلى حلف فضول. لرد المظالم إلى الغرباء. أم أن التقصير يقع على دور المسجد انه لم يؤد الدور كما ينبغي، أم عائد الى تقليص عدد حصص الدين بالمدارس، أم للتنشئة في البيت المسلم، أم أن ثقافة العولمة لها الدور السلبي في تردي ثقافة البشر بعدما صار النصب واللصوصية سياق اجتماعي كأمر طبيعي على مستوى الدول العظمى والشعوب والأفراد وانتهت بنا إلى الكفور والنجوع..
لا عيب أيها السادة أن يكون الإنسان فقيرا معدما.. ولكن العيب أن يكون لصا.
قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ) (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون : 12-13-14 )
انها المبادئ هي التي جعلت الحسين ثائرا. وهي التي جعل مصعب يستشهد محتضنا اللواء.. والمبادئ هي التي جعلت خالد يشهر السيف في وجوه العالمين. بالمبادئ يرتقي الإنسان، ويرتفع إلى الذروة. وبدون مبادئ. ليت أمه لم تلده. هناك مثل في بلاد اليمن يقال لمن لا يؤدي الدور المناط به في الوجود على خير وجه. ياليت أمك جحدتك. أو ياليت أمك جابتك دم.. أي يا ليت أمه أنزلته سقاطا ومات قبل أن يكتمل النمو.. كما مر في نظرية الخلق التي صورها القران. هناك بالمبادئ المرتكزة على العقيدة تتحقق القيمة المثلى للإنسان، فالإنسان ليس حيوان ناطق كما قال الغرب.. والإنسان بمباديء السماء يسمو ويرتقي.. والإنسان المؤمن عند الله عظيم القدر.
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء : 70 )
فالله قد اغرق الكون بطوفان ..من اجل حفنة مؤمنه قليلة .آمنت مع نوح ..
قال تعالى : (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (هود : 40 )
وهذا التكريم للإنسان لابد أن ُيتلقى من قبل الإنسان بالتقدير وأن يكون عند حسن ظن الله به بهذا التكريم.
ولا يكون كمن قال الله فيهم:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف : 179 )
أي لا قلوب ولا أعين ولا أذان.
أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ.
بل أضل ..
إن إنسان بدون مبادئ.. ماهو إلا أشياء أخرى وليس كانسان.. انه دم أو سقاط لم يكتمل كخلق أو نوع من الإفرازات كريهة الرائحة ، لا يمكن أن نضعه ضمن المعايير المتداولة كانسان.. لأنه لم يحقق الدور المناط به من تكريم الله له.
قال دعبل الخزاعي:
إذا أهان امرؤ نفسه فلا أكرم الله من أكرمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.