يحاول أ. محمد العمدة، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة، أن يعقد مقارنة بين نابليون بونابرت والسيسى، من حيث أن ما قام به الاثنان هو احتلال عسكرى، غير أن نابليون ربما يكون أقل فسادا من قائد الانقلاب، الذي قتل واعتقل الرجال والأطفال ولم تسلم منه النساء؛ مع الأخذ في الاعتبار أن الإخوان لم يفسدوا، خلال فترة حكمهم ، وأنهم فصيلا ثوريا ، قد نختلف أو نتفق مع سياساتهم لكننا لا نشكك أبدا في إخلاصهم. فكتب أ. محمد العمدة يقول: " عجائب الآثار فى التراجم والأخبار " والذى يسميه البعض " تاريخ الجبرتي" تأليف عبد الرحمن بن حسن الجبرتى أصدق المراجع التاريخية سردا لأحداث الحملة الفرنسية باجماع المؤرخين المتخصصين ، روى فيه الجبرتى نص المنشور الذى وزعه نابليون بونابرت على المصريين فى البلاد والقرى عقب وصوله مباشرة وقبل تحرك حملته من الإسكندرية إلى القاهرة ، يقول الجبرتى : وفى يوم الإثنين وردت الأخبار بأن الفرنسيس وصلوا إلى دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا إلى فوة ونواحيها ، والبعض طلب الأمان وأقام ببلده وهم العقلاء ، وقد كانت الفرنسيس حين حلولهم بالإسكندرية كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا إلى البلاد التى يقدمون عليها تطمينا لهم ، ووصل هذا المكتوب مع جملة من الأسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم ، وحضر منهم جملة إلى بولاق ، وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم أو بيومين ومعهم منه عدة نسخ ، ومنهم مغاربة ، وفيهم جواسيس ، وهم على شكلهم من كفار مالطة ، ويعرفون باللغات . وصورة ذلك المكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له فى ملكه ، من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية والتسوية ، السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرتة ، يعرف أهالى مصر جميعهم ، أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون فى البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار فى حق الملة الفرنساوية ، ويظلمون تجارها بأنواع الذل والتعدى ، فحضر الآن ساعة عقوبتهم ، وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الأبازة والجراكسة يفسدون فى الإقليم الحسن الأحسن الذى لا يوجد فى كرة الأرض كلها ، فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انتهاء دولتهم ، يا أيها المصريون قد قيل لكم أننى ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم ، فذلك كذب صريح ، فلا تصدقوه وقولوا للمفترين إننى ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين ، وأننى أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى ، وأحترم نبيه والقرآن العظيم ، وقولوا أيضا لهم : إن جميع الناس متساوون عند الله ، وأن الشيء الذى يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط ، وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب ، ماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم ، ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجوارى الحسان والخيل العتاق ، والمساكن المفرحة ، فإن كانت الأرض المصرية إلتزاما لهم فليرونا الحجة التى كتبها الله لهم ، لكن رب العالمين رءوف وعادل وحليم ، ولكن بعونه تعالى من الآن فصاعدا لا ييأس أحد من أهل مصر عن الدخول فى المناصب السامية وعن اكتساب المراتب العالية ، فالعلماء والعقلاء والأفاضل منهم سيدبرون الأمور ، وبذلك يصلح حال الأمة كلها ، وسابقا كان فى الأرض المصرية المدن العظيمة والخلجان الواسعة والمتجر المتكاثر ، وما أزال ذلك كله إلا الظلم والطمع من المماليك ، أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجربجية وأعيان البلاد قولوا لأمتكم : إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون ، وإثبات ذلك أنهم نزلوا فى رومية الكبرى وخربوا فيها كراسى البابا الذى كان دائما يحث النصارى على محاربة الإسلام ، ثم قصدوا جزيرة مالطة وطردوا منها الكواللرية ، الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى طلب منهم محاربة المسلمين ، ومع ذلك الفرنساوية فى كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثمانى ، وأعداء أعداءه أدام الله ملكه ، ومع ذلك إن المماليك امتنعوا عن إطاعة السلطان غير ممتثلين لأمره ، فما أطاعوا أصلا إلا لطمع أنفسهم ، طوبى ثم طوبى لأهل مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح حالهم وتعلى مراتبهم ، طوبى أيضا للذين يقعدون فى مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين ، فإذا عرفوا بالأكثر تسارعوا إلينا بكل قلب ، لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك فى محاربتنا ، فلا يجدون بعد ذلك طريقا للخلاص ، ولا يبقى منهم أثر : المادة الأولى : جميع القرى الواقعة فى دائرة قريبة بثلاث ساعات عن المواضع التى يمر بها عسكر الفرنساوية ، فواجب عليها أن ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء ، كيما يعرف المشار إليه أنهم أطاعوا ، وأنهم نصبوا علم الفرنساوية الذى هو أبيض وكحلى وأحمر . المادة الثانية : كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوى تحرق بالنار . المادة الثالثة : كل قرية تطيع العسكر الفرنساوى أيضا تنصب صنجاق السلطان العثمانى محبنا دام بقاؤه . المادة الرابعة : المشايخ فى كل بلد يختمون حالا جميع الأرزاق والبيوت والأملاك التى تتبع المماليك ، وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع أدنى شيئ منها . المادة الخامسة : الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة والأئمة أن يلازمون وظائفهم ، وعلى كل أحد من أهالى البلدان أن يبقى فى مسكنه مطمئنا ، وكذلك تكون الصلاة قائمة فى الجوامع كالعادة ، والمصريون بأجمعهم ينبغى أن يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عال : " أدام الله إجلال السلطان العثمانى ، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوى ، لعن الله المماليك وأصلح حال الامة المصرية ". تحريرا بمعسكر إسكندرية 12 شهر سيدور سنة ست من إقامة الجمهور الفرنساوى ، يعنى فى آخر شهر محرم سنة 1213 هجرية . سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، كلاهما احتلال عسكرى ، و كما خلق السيسى عدوا اسمه " الإخوان المسلمين " قلده نابليون بونابرت وخلق عدوا اسمه المماليك ، وكما وصف السيسى الإخوان المسلمين بالإرهاب وأصدر قانون الكيانات الإرهابية ويعد لإصدار قانون مكافحة الإرهاب ، ثم توسع ليدخل كافة معارضيه فى دائرة العداء فإن نابليون قد أمر بمجرد أن نزلت أقدامه إلى الإسكندرية بغلق أرزاق ومنازل وممتلكات المماليك ، ثم وسع دائرة العداء لكل من يقاوم الاحتلال الفرنسى وأمر بحرق القرية التى تخرج على العسكر الفرنساوية ، وكما استعان السيسى بمؤسسات الدولة العميقة التى خلفها مبارك وأعادها السيسى بالقوة بعد سقوطها ، هكذا استعان نابليون بونابرت بالمشايخ والعلماء والقضاة والأئمة بعد أن طمأنهم على وظائفهم ورواتبهم ، وربما أخبرهم بونابرت أنه لا مساس بالحد الأقصى للأجور وكلفهم صراحة بوظيفة الإعلام الداعم للاحتلال الفرنسى والذى سنرى فى المقالات القادمة أنهم أبدعوا فى أدوارهم . الشيء الوحيد الذى اختلف بين السيسى ونابليون بونابرت ، أن نابليون ترك المساجد على حالها ولم يتعرض لروادها وأئمتها.