لم تكن تعلم الطفلة ريماس المشهرواي ذات الأعوام العشرة، أن المنزل الذي تقف على أنقاضه وتلعب على ما تبقى من جدرانه برفقة صديقتها أمل، يعود لإحدى العائلات الفلسطينية التي راح أفرادها ضحية لمجزرة إسرائيلية ارتكبت أيام الحرب على غزة، بعد قصف طائرة إسرائيلية منزلها بصاروخين الأمر الذي أزهق أرواح أفرادها الخمسة بداخله. ريماس، التي تسكن شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة، طفلة فلسطينية كحال باقي الأطفال الذين عايشوا العدوان الإسرائيلي بأشد فصوله وأعنفها، وتذوقوا مرارتها رغم صغر سنهم، وحرموا من فرحة العيد الماضي، بل زاد عليها أكثر من ذلك حين فقدت في الحرب أخاها الأكبر، وكتب الله لباقي عائلتها النجاة عدة مرات بعد تعرض منطقة سكنها إلى القصف العشوائي العنيف خلال 51 يوماً من العدوان. ورغم ضيق الحال والوضع الاقتصادي السيئ في غزة، لم تنس والدة ريماس أن تشتري لابنتها "فستان العيد"، في محاولة "شجاعة" من الأم لإدخال طفلتها أجواء العيد الحزين، والبعد عن ذكريات الألم والدمار والشهداء، وصوت القصف الذي لم يغادر ذاكرة ريماس خلال عام كامل بعد انتهاء العدوان. - رسالة صمود مها حلس، 36 عاماً، والدة الطفلة ريماس تقول لمراسل "الخليج أونلاين" في غزة: "واقع الحرب الأخيرة وما جرى في قطاع غزة، من دمار وشهداء وقصف عنيف، كان قاسياً جداً على كل الفلسطينيين وخاصة منهم الأطفال". وتضيف: "ما جرى خلال ال51 يوماً لا يمكن تصديقه، أو حتى كيفية نجاة عائلتي من الموت بعد القصف العنيف الذي تعرضنا له، ولولا عناية الرحمن لكنت أنا وريماس ووالدها بين يدي الله الآن وأصبحنا من ضمن قائمة الشهداء". وتتابع: "فقدت ابني في الحرب، وأصبنا بعد هذه الفاجعة جميعاً بحالات نفسية سيئة للغاية وخاصة ابنتي ريماس، وحرصت في هذا العيد أن أشتري لها ما تريد، في محاولة مني لأنسيها ما جرى من ويلات الحرب الإسرائيلية والجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين". الطفلة ريماس التي فضلت اللعب بدميتها والركض خلف صديقتها أمل بين ما تبقى من منازل قصفت بالقرب من منزلها، على الحديث مع مراسنا، قررت في نهاية الأمر أن تقول جملة واحدة لخصت سنوات طويلة من العذاب والتحدي والصمود، قالت فيها: "اليهود قتلوا كثيراً من الناس في منطقتنا، وأنا ما أزال على قيد الحياة ألعب مع صديقتي أمل، وكل جرائم إسرائيل ما قدرت علينا وراح نضل (وسنظل) نلعب ونحتفل بالعيد". وتجدر الإشارة إلى أن عيد الفطر العام الماضي صادف اليوم الواحد والعشرين للعدوان على قطاع غزة، حيث استشهد خلال ذلك اليوم فقط أكثر من 100 شهيد، وأصيب العشرات إثر استهداف البيوت الآمنة، واستهداف جموع الأطفال الذين حاولوا صناعة العيد في الشوارع القريبة من بيوتهم التي لم تعد آمنة. وقتلت إسرائيل بمجازرها التي ارتكبتها خلال عدوانها الصيف الماضي على غزة، أكثر من 556 طفلاً من إجمالي أكثر من 2200 مواطن قضوا في العدوان الذي استمر 51 يوماً على القطاع، كما جرح في العدوان 2650 طفلاً يرقد نحو ألف منهم بحالات بتر. - ذكريات ألم وعلى امتداد الشارع الذي تسكن فيه ريماس وبعد عدة أمتار من الجهة الشرقية من شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة، لفت انتباهنا مجموعة من الأطفال يختبئون بين أنقاض وأعمدة منزل كان مكوناً من خمسة طوابق قبل الحرب، لكن طائرات الاحتلال من نوع f16 وبعد إطلاقها صاروخين عليه سوته بالأرض، وتركت بعض الأعمدة البارزة وما تبقى من جدار ليلهو ويلعب بينها الأطفال. مجموعة الأطفال كانوا يعلبون لعبة تسمى ب"العرب واليهود"، يُقسم الأطفال فيها إلى مجموعتين للعرب واليهود، ويقومون بإطلاق النيران من مسدسات بلاستيكية أو حتى خشبية ويهرب بعضهم من بعض لساعات طويلة خلال أيام العيد الثلاث، وهي بالنسبة للأطفال لعبة مفضلة وورثت لهم عبر الأجيال. أحمد حلس، صاحب الاثني عشر ربيعاً، الذي فضل أن يقوم بدور "العربي" في اللعبة "العرب- واليهود"، ويحمل "بندقية بلاستيكية" بيده الصغيرة، يقول لمراسل "الخليج أونلاين"، في غزة: "أجانا (جاءنا) العيد بعد حرب طويلة، وعائلتي نجت من الحرب، وأنا اليوم أفرح وألعب بجوار منزل صديقي الذي قصفته طائرات الاحتلال في ثالث أيام العيد الماضي". ويضيف أحمد، وملامح التعب بدأت تظهر عليه، وهو يلوح ب"بندقيته البلاستيكية" تجاه السماء: "المكان المفضل لدينا للعب، فوق منزل صديقي المدمر، ونقوم باللعب والاختباء من أصدقائي بين أعمدة المنزل لعبة العرب واليهود". وحول سبب اختياره أن يقوم بدور"العربي" وقتال الإسرائيليين في اللعبة التي يفضلها في العيد، قال:" اليهود قتلوا شعبنا ودمروا بيوتنا، ولازم (يجب) نقاتلهم بكل قوة، ونعلمهم أن الفلسطينيين ما يزالون أقوياء ولم يهزموا". هذا العيد في غزة كان له طعم آخر عن سابقه، ومزج بذكريات قاسية في نفوس وعقول من عاشوا مرارة عدوان إسرائيلي استمر 51 يوماً بكل بشاعته، ولكن دائماً ما يخرج الأمل من رحم المعاناة، وتجد الأطفال يلعبون ويرقصون والرجال يهنئون ويباركون والنساء يتزين، ولسان حالهن يقول: "رغم الألم والدمار....غزة ستبقى أجمل".