حظر المآذن لربما سيؤدي في المستقبل الى حظر بعض او كل مظاهر العقيدة الإسلامية وحتى حظر اداء الفرائض الدينية كالصلاة لانها تمثل نوع من الإرهاب والتحدي للثقافة الغربية واسلمة المجتمع الغربي المتعطش للقيم الدينية والروحانية ، بسبب استيائه وملله من الثقافة المادية الفارغة المتحللة . ولو كانت الثقافة الغربية بكل ما تحتويه من توجهات هي ضالة الانسان العصري الحديث ، لما شاهد الغرب وخاصة خلال العقود الثلاثة الاخيرة انتشارا واسعا للفكر والعقيدة الاسلامية على ارضه والانتماء المتزايد لهذه العقيدة من قبل رجاله ونسائه المتعطشين لملئ فراغهم الروحي . حيث وجدوا ضالتهم الروحانية والعقلية في هذا الدين الذي يستطيع ان يجيب على جميع الشبهات الاخلاقية والعقلية للانسان المعاصر وكذلك جميع مستجدات العصرنة في الامور الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ، مالم يستطع ان يجده في اي دين سماوي او مذهب من المذاهب المستحدثة البشرية . فالعامل الاساسي لانتشار الاسلام وثقافة هذه العقيدة في العالم وخاصة في الغرب ، المتخوف من مده المتزايد ، هو ما تعانيه هذه المجتمعات من عدم الاتزان في المفاهيم والمعايير كمفهوم الحرية . فاطلقوها من دون حدود ليتنفس المجتمع الغربي الصعداء بعد الكبت والقمع والاضطهاد الكنسي في القرون الوسطى . الأزمة الاقتصادية العالمية نموذج ولكن نسي الانسان الغربي ان هذا الاطلاق اللامحدود للحريات سوف يخل التوازن في الشؤون الاجتماعية والاخلاقية وحتى الاقتصادية ، وما الازمة الاقتصادية العالمية الا نموذج لهذا الخلل الذي يعانيه الغرب في المجال الاقتصادي ومن جراء النظرية الرأسمالية الغير المبتنية على الاسس الاخلاقية وخاصة مبدأ العدالة الاجتماعية . فالليبرالية والحرية المطلقة ادت الى الاباحية والتفسخ الاخلاقي وهدم بناء الاسرة والابتعاد عن القيم الروحانية للمسيحية . هذا من جانب ومن جانب اخر اصبح العلم والتصنيع والتكنولوجيا هو السبيل الوحيد لنيل السعادة والهدف المقدس للانسان الغربي فاصبح عنصر من عناصر الالة المحركة لتلك التكنلوجيا . ومن هنا بدأ العد التنازلي للانسان الغربي في المجال الاخلاقي والروحي والانساني لان الليبرالية الاباحية والحياة المادية الفارغة ابعدته عن كثير عن احتياجاته الروحانية والعاطفية ، وفجأةً شعر بالفراغ الروحي ولم يجد من يجيب احتياجاته النفسية. ومن اثار هذا الفراغ هو رغبة البعض للعودة الى الحياة الريفية ليتخلص من ضغوط الة التكنلوجيا وضوضاء الاعلام المتبرج الذي لا يهديه اليه اي مفهوم هادف يروي عطشه الاخلاقي والروحي وحتى الفلسفي ليبني على اساسه سبيله وهدفه في الحياة ويتخلص من الفراغ الروحي الذي يعانيه والذي كان وراء سبب ، وباعتراف كثير من علماء النفس الغربيين ، کثير من الامراض النفسية . ولهذا السبب راح الانسان الغربي يتصفح الاديان واحدة تلو الاخرى واذا به يواجه الاسلام ورأى ان هذا الدين ، وخلافاً لسائر الاديان ، يحتوي على اجابات لكثير من شؤون الحياة . فهو لا يرتكز في مفاهيمه وقيمه واوامره فقط على الجانب الروحاني والعبادي وانما له اهتمامات ومنهج في المجال المادي والدنيوي ما لا تحتويه الاديان الاخرى والمذاهب البشرية . الإنسان الغربي يبحث عن الإسلام وهنا يجب ان نعترف ان الانسان الغربي وبعد المطالعة والدراسة والتحقيق وجد ضالته في هذا الدين ، فبدأ الانتماء والاعتناق للاسلام وبدأ معه الاعلام المكثف والمضلل ضد هذا الدين وانصاره . وشرعت الصحف الغربية المتصهينة تتهم الشعوب الاسلامية بالتخلف والبربرية وانها غريبة عن معالم التحضر والمدنية . ولهذا السبب طرح الاسلام من جديد على المستوى العالمي ، بعد ما كانت ازمات اخرى كأزمة النفط مطروحة بهدف الهاء الشعوب ونهب ثرواتها ، وانقلبت موازين القوى العالمية واحبطت كثير من مخططات الاستعمار التي كان يهدف من وراءها الاستيلاء على العالم الاسلامي سياسياً واقتصادياً وثقافياً . فظهرت على اثر ذلك رغبة ملحة لكثير من الشعوب الاسلامية العودة الى الحضارة والهوية الاسلامية بل الخلافة الاسلامية لانها تؤمن بان لديها الطاقات والثروات والامكانات الكافية لتحقيق هذا الهدف ، فاصبح الحديث عن الاسلام وقدرة الاسلام على الحكم وادارة المجتمع متداول بين الاوساط الاعلامية والثقافية والسياسية ، فتسرب الحديث حتى في الاوساط الغربية وبدأ التخوف من انتشار الاسلام من جديد . وبدأ الاعلام الغربي يشكك في الوهلة الاولى على مقدرة الاسلام لادارة المجتمعات المعاصرة لان قوانينه ترجع الى 1400 سنة . واخذ من جانب اخر يشوه الحقيقة الناصعة لهذا الدين ويرسم مفاهيمه وقيمه بانها تدل على التخلف والرجعية ولا تلائم الانسان المتحضر وتتعارض مع التطورات والنتائج العلمية المعاصرة . حتى انهم اخذوا يكتبون المقالات والكتب لتخويف المسيحيين من سيطرة الاسلام على العالم ، هذه المستجدات اثارت مشاعر الفضول عند الانسان الغربي ليتعرف اكثر على الاسلام وتاريخه ومن خلال المطالعة والدراسة والاصطكاك بالجاليات الاسلامية هناك بدأت حركة الانتماء والاعتناق لهذا الدين تزداد يوماً بحيث احبطت نظرية رجعية هذا الدين وتخلفه وعدم مسايرته للركب الحضاري والعلمي . تقويض المد الإسلامي ومنذ ذلك الحين اصبح الهم الاول والاخير للدوائر الاستعمارية هو كيفية تقويض هذا المد الاسلامي الذي اصبح ينتشر بسرعة و كلما زاد الاعلام المضاد وسع من رقعة انتشار هذا الدين بحيث اضطرت بعض الاكاديميات الغربية تدرس الاسلام كمدرسة عقدية وفلسفية لها اراء قيمة في جميع مجالات الحياة. ومن هنا شعر الاستكبار بالخطر الذي يداهم عقر داره ففكر كيف يتخلص من هذا الخطر ، الذي هو في الحقيقة ليس بالخطر وانما خلاص ونجاة للانسان الغربي من الفراغ الروحي الذي كان يعيشه ، وعندما شاهد ان الاعلام الخبيث والمضلل التقليدي لم ينفع لجأ الى اساليب جديدة ، وبدأت هذه الاساليب بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر وصناعة القاعدة واتهام المسلمين والاسلام بالارهاب ، حيث اصبح اليوم واضحا للجميع ان ذلك الحادث 11 سبتمبر كان مفتعلاً وارضية مناسبة لاتهام الاسلام بترويج الارهاب والتطرف . ولكنهم عندما واجهوا عقلنة المسلمين وحكمة العلماء وتعاملهم الرصين ودعواتهم المتكررة لحوار الحضارات والاديان فشلت هذه الخطة لتقويض وتحديد المد الاسلامي ، فلجئوا الى مشروع جديد وهو الاهانات والاساءات للرموز الدينية المقدسة عند المسلمين ولكن دون جدوى . لان هذه الاساءات لم تقلل من التوجه والانتماء الى هذه الدين بل العكس زاد الفضول عند الشعوب للتعرف اكثر على هذاى الدين وخاصة ان تعامل المسلمين والجاليات الاسلامية مع هذه الاحداث اثبت للشعوب الغربية عقلانية المسلمين ومصداقيتهم في التعايش السلمي مع سائر الحضارات والاديان . كل هذه الاحداث جعلت المتطرفين والتيار الصليبي الحاقد في الغرب ، وليس اكثرية الشعب الغربي ، ان يفكر في المواجهة العلنية مع الاسلام والمسلمين وبدأ يحارب علانية بعض مظاهر الدين كالحجاب والمآذن لانه شعر بالفشل والاحباط في جميع مخططاته لتقويض انتشار هذا الدين وتشويه حقيقته . ونحن نعتقد ان كل هذه المحاولات والخطط تدخل ضمن مخطط استبدال حوار الحضارات والاديان الى حرب الحضارات والديانات ولكن دون جدوى ، لان الشعوب کلها اسلامية وغير اسلامية وصلت الى درجة من الوعي واليقظة بحيث لا يرضخون الى هذه المؤامرات .