الصمت المخزي والخنوع الذي يظلل الساحة السياسية (العربية والإسلامية) في مواجهة الأحداثالمصيرية التي تمر بها الأمة وصل إلى حد يجعل الإنسان الذي لديه ولو ذرة من الإحساس يتمنى لو أن أمه لم تلده ليعيش في هذا الزمن الرديء. فقد استخدمت أمريكا حق النقض لمنع إدانة العدو الصهيوني, غير عابئة لا بالأصدقاء (المعتدلين) ولا بالأعداء (الإرهابيين).. وهي تقول للجميع وعلى الملأ (طز في العرب)، وتؤكد أنها صهيونية وأنها سعيدة بالإبادة الجماعية والسلب والنهبوالهدم والتجريف الذي تمارسه العصابة الصهيونية في فلسطين. حدث هذا رغم أن الدول العربية اضطرت إلى تعديل مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن بشأن المذبحة الإسرائيلية في بيت حانون، لإرضاء الدول الغربية. ورغم تراجع مشروع القرار العربي المعدل عن وصف العدوان الإسرائيلي في بيت حانون بأنه مجزرة. كما تخلى القرار عن مطالبة الأممالمتحدة بنشر مراقبين للإشراف على وقف إطلاق نار متبادل. واكتفى القرار المعدل بمجرد (إدانة) العمليات العسكرية الصهيونية في غزة. مجرد إدانة لا تقدم ولا تؤخر، مع أن المفروض أن يكون هناك تدخل دولي (مثل قرار دارفور)، أو منع طائرات العدو من التحليق فوق الضفة الغربيةوغزة (مثل العراق قبل الاحتلال)، ورغم ذلك لم ينجح العرب المغاوير في تمرير هذه الإدانة (المهذبة)، فهم للأسف مغلوبون على أمرهم. فماذا ينتظر العرب من هذهالقوة الباغية التي لطمتهم جميعا بحق «النقض» اللعين لأكثر من خمسة وعشرين مرة?!.. وما جدوى عضوية الدول العربية في هيئة الأممالمتحدة التي لم تنصف العرب يوما، بل إن قراراتها دائما ما تكون ضد الطرف العربي تقسيما وحصارا وحروبا. هلتظنون أيها البؤساء أن كثرة البكاء على أعتاب البيت الأسود ربما تحنن قلب بوش عليكموتغير من موقف بلاده الذي يتطابق تماما مع سياسة العدو?!.. هل تعتقدون أيهاالمساكين أن الشعب الأمريكي المشغول بشذوذه وسكره وعبادة الدولار سوف يأسف لمقتلالأبرياء ويدفع حكومته إلى العطف عليكم والضغط على الدولة العبرية لكي تشفقعليكم?!.. هل هو عشم إبليس في الجنة, أم أنها السذاجة والعبط, أم هو الوهنوالاستسلام؟!!. فماذا يفعل العرب بعد أن أحرجهم الصديق (أقصد الصفيق) الأمريكي؟!، إن حكوماتنا لا تملك إلا الأعمال المسرحية لتخدع الشعوب المقهورة، وحتى لا نلومهم على الصمت فلن يجدوا غير عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية... وليتهم لا يجتمعوا. فالمؤتمرات والاجتماعات العربية والإسلامية الطارئة أصبحت عبئا علينا, يسعد بها العدو ويأسف لها الصديق لأنها تؤكد المرة تلو الأخرى أننا بلا وزن، وأن أحدا في العالم لا ينتظر من ورائنا أي خير أو شر. ففي كل كارثة يجتمع وزراء خارجية الدول العربية، وأحيانا وزراء خارجية الدول الإسلامية.. وهم يعلمون جيدا أن اجتماعاتهم لن تقدم أو تؤخر, بل وصل الأمر في هذه الاجتماعات (مؤخرا) إلى إغفال توجيه التحية والتأييد (الكلامي بالطبع) - الذيدأبت عليه هذه الاجتماعات من قبل - للانتفاضة الفلسطينية لأن الحلف الصهيوني الأمريكي كشّر عن أنيابه ووصف المقاومة الفلسطينية المشروعة بالإرهاب.. فما كان من حكوماتنا (الباسلة) إلا الصمت المخزي, والسكوت علامة الرضا, لكي يقتنع العالم كله بالأكاذيب الصهيونية ويتحول الجاني المجرم إلى مجني عليه وضحية للإرهاب (الإسلامي). وليتالمأساة اقتصرت على هذا التخاذل .. ولكنها وصلت إلى حد التسابق إلى إرضاء الحلف الأمريكي الصهيوني والاستجابة لتدخله السافر في حياتنا وسياساتنا وثقافتنا، والحقيقة أن خططهم لقتل الصحوة الإسلامية ووقف المد الإسلامي قديمة, ولكنها قبلالحادي عشر من سبتمبر كانت تنفذ بالتدريج حتى لا تنقلب الأمور ضد مؤامراتهم.. وهذه الخطط كانت تتمثل في الضغط على الحكومات لضرب الإسلاميين والتدخل في المناهجالدراسية والخطط الإعلامية لحذف كل ما هو إسلامي وكل ما يبعث على الفخار في تاريخناوحضارتنا, وتأميم المساجد والحد من زيادتها, والقضاء على المنظمات الجهادية.. ثمتطور الأمر إلى الإلزام (دوليا) من خلال الأممالمتحدة مثل إرغامنا على تنفيذمقررات مؤتمري السكان والمرأة.. وهكذا حتى جاءت اللوثة التي أصابت العم سام بعدهجوم 11 سبتمبر على رموزه التي كان يفاخر بها فأخذ يتعجل تنفيذ مؤامراته دون تدرج ودون لف أو دوران.. وكان الواجب أن تقف حكوماتنا التي ابتلينا بها في وجهه وتقول:لا, هذا مستحيل , ولكن للأسف فقد تطوع البعض لضرب كل من يعارض الهيمنة الأمريكيةالصهيونية, وكل من يرون فيه عدوا محتملا لهم, وتسابق آخرون في تقليص حصص التربيةالإسلامية, وفي عرقلة بناء المساجد.. وبدأنا نسمع عما يسمي تطوير الإسلام ليتوافقمع العصر, ورضينا بوصف مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق ولبنان وكشمير والشيشان بالإرهاب.. بل وصل الأمر إلى السكوت على انتهاك العدو الصهيوني لاتفاقياته (الآثمة) مع الدول العربية, والشلل التام أمام هذه الأحداث الجسام!. لو أن قطة أو دجاجة تعرضتلما يتعرض له المسلمون اليوم لثارت وشهرت أظافرها.. فهل نحن أقل من الحيواناتوالطيور؟!!.
ملاحظة عابرة: لم يعجبني الأداء العربي في مجلس الأمن، ليس فقط بسبب التراجع المهين وتعديل مشروع القانون أكثر من مرة بما يفرغه من مضمونه بلا أي داع.. ولكن بسبب مستوى الأداء لكل من مندوبي فلسطين وقطر، كيف تختارون مندوبيكم يا أيها العرب المغاوير؟، ألا يوجد لديكم من يستطيع أن يتحدث بلباقة ويهز المنابر لتوصيل الصوت العربي (على الأقل) إلى شعوب العالم من خلال وسائل الإعلام؟.. إنه انهيار عربي شامل حتى في القدرة على (مجرد الكلام)، حسبنا الله ونعم الوكيل.