خلال كلمة ألقاها في ندوة للقوات المسلحة، مساء الأحد، للحديث حول ما جرى في سيناء من هجمات نتج عنها مقتل أكثر من 30 ضابطًا وجنديًا؛ دعا السيسي المصريين ل"الثأر لضحايا الإرهاب"، وقال: "لن أكبل أياديكم للثأر لشهداء مصر الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، وأنتم من ستأخذون بثأر مصر، وأنتم من سيحميها ويدافع عنها"، ولكنه حذر مما أسماه "ظلم الأبرياء". دعوة السيسي ل"الثأر"، دون تحديد ما المقصود بها؟ ومجيئها مباشرة بعد ساعات من تصريحات أخرى له اتهم فيها ضمنًا الإخوان بأنهم وراء ما يجري في سيناء من قتل للجنود، دون أن يذكر "تنظيم ولاية سيناء"؛ أعقبها دعوة إعلاميين مؤيدين لمطالبة المصريين بالنزول للشارع، وقتل الإخوان وحرق ممتلكاتهم، ثم قيام مجهولين (قال نشطاء على مواقع التواصل إنهم بلطجية وممولون من أجهزة أمنية) بحرق منازل وسيارات أعضاء من جماعة الإخوان. تصريحات السيسي، بحضور قادة الجيش والشرطة والأزهر، لوحظ أنه طالب فيها الجيش والشرطة؛ "الانتباه لمعايير حقوق الإنسان خلال تأدية وظيفتهم"، كرد فعل للانتقادات المتزايدة للتكتيكات الأمنية الغليظة التي تنتهجها القوات الأمنية، الأمر الذي قالت الدبلوماسية الأمريكية السابقة والباحثة بمعهد كارنيجي للسلام الدولي "ميشيل دن"، التي منعتها مصر من دخولها مؤخرًا، إنه مؤشر على: أن ثمة علامات توتر بين السيسي وجهازه الأمني"؛ حيث أرجعت "دن"، في تغريدة لها الإثنين على "تويتر"، ذلك التوتر إلى هجمات سيناء وقتل الناشطة الاشتراكية شيماء الصباغ؛ في إشارة ضمنية لهم بأن ما جرى هو رد فعل للانتقادات المتزايدة للتكتيكات الأمنية الغليظة التي تنتهجها القوات الأمنية في سيناء وضد المتظاهرين. تحذير من سيناريو الجزائر عدد من المعارضين والمؤيدين انتقدوا هذه الدعوة، وحذروا من أن تكون دعوة للحرب الأهلية، أو نقل سيناريو الجزائر لمصر؛ وبعضهم قال إنه يطالب ب"الثأر بالقانون"، فيما ذهب فريق آخر لاعتبار الدعوة التي أطلقها السيسي محاولة جديدة للحصول على "تفويض بالقتل". المخرج المسرحي المصري "جلال الشرقاوي"، المؤيد للسيسي، أبدى تخوفه ضمنًا من هذه الدعوة، وقال، خلال حفل لتكريمه لا علاقة له بالسياسة مساء الإثنين، إنه يطالب السيسي ألا يكون الثأر عشوائيًّا؛ قائلًا: "نريد الثأر بالقانون" والدكتور أيمن نور، رئيس حزب "غد الثورة"، قال: "إن السيسي يدفع إلى حرب أهلية بدعوته إلى الثأر ممن قتلوا جنودنا في سيناء"، مضيفًا: "الرجل يدفع الناس للعنف في اتجاهين: يدفع خصومه من خلال تغييب العقل والعدل، ويدفع مؤيديه من خلال زرع أفكار انتقامية". وهاجم المحامي منتصر الزيات، عضو مجلس النقابة السابق، الرئيس السيسي؛ بسبب مطالبته: "بتفويض لقتل أولادنا وتغيير النصوص الدينية المقدسة"، قائلًا: "مفيش رجل رشيد في الجيش يوقف السيسي". وأضاف الزيات في تصريحات صحفية: "السيسي يدعو الناس للأخذ بالثأر؛ نحن في حالة احتراب حقيقي، واعتقال قوات الأمن للنساء يزيد المسألة سوءًا". أما السياسي المصري المعارض، نائب رئيس حزب الوسط "حاتم عزام"، فحذر من محاولة استعادة التجربة الجزائرية بالحرب الأهلية؛ قائلًا: "عسكر مصر دارس لمخططات عسكر الجزائر في جر الثوار لمساحة العنف المسلح، وأراه ينفذها وماض فيها بيقين"، ودعا المعارضين إلى: "التسمك بالسلمية"، مضيفًا: "احذروا جزأرة الثورة، فأنتم تسطرون التاريخ، احذروا جزأرة الثورة فلن يجد العسكر خيرًا لهم من جركم للعنف"، أيضًا انتقد الدكتور علي القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ السيسي، في تغريدة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قائلًا: "هل هي دعوة مفتوحة للجميع لإحداث حرب أهلية؟!". الجيش أيضًا يدعو للثأر دعوة السيسي للثأر لم تقتصر عليه وحده، فقد قال الفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع، خلال لقائه بأعضاء هيئة التدريس وطلبة الكلية الحربية، الإثنين؛ أيضًا: "إن الجيش سيثأر لدماء الشهداء، وإن تلك الأعمال (الإرهابية) لن تنال من عزيمة أبطال القوات المسلحة". قبلها، وفي 25 يناير الماضي، ذكرى الثورة الرابعة؛ أصدر الجيش بيانًا يناشد فيه المواطنين بالقيام بما وصفه "دورهم الوطني" في حماية المنشآت، وذلك في ظل المظاهرات التي خرجت منذ صباح ذلك اليوم، تحت عنوان: "مصر بتتكلم ثورة"، وما تبعها من أعمال حرق منشآت وتفجير عبوات بدائية، ووصف سياسيون معارضون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هذا البيان، ب"التحريض المباشر على الحرب الأهلية"، مؤكدين أن هذه المناشدة تأتي خشية التوسيع النوعي للمسيرات المناهضة للانقلاب العسكري، وقال "محمد عباس" الناشط السياسي: "طيب ده خبر يقول إنهم قلقانين برغم كل تجهيزاتهم"، وأرجع الإعلامي عبد العزيز مجاهد، هذا الخبر إلى: "انتشار وتوسع الفعاليات الثورية والنوعية". وأضافت "فراولة محمد محمد": "هل مناشدة القوات المسلحة للمواطنين الشرفاء على قناة "أون تي في"، التابعة لساويرس؛ للنزول، هي دعوة للكنيسة للنزول بالأسلحة لتظهر بمظهر طائفي؟". أعمال الثأر الثأر الذي دعا له السيسي ووسائل الإعلام المؤيدة له، لم يتأخر كثيرًا، فسرعان ما اندلعت موجة عنف موجهة ضد منتمين للإخوان، بعدما أشعل مجهولون (قال سكان متضررون ونشطاء إنهم من "البلطجية" التابعين لجهات أمنية) النيران في عدد من منازل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في كل من محافظاتكفر الشيخ والشرقية ومركز المحلة بمحافظة الغربية. رد فعل بعض وسائل الإعلام المؤيدة؛ هو تبرير ما جرى، بالقول إن: "الأهالي وجهوا هذه الضربة انتقامًا من العمليات التي نفذتها عناصر الإخوان في المطرية، كاستهداف القطارات والاتصال بالجهات الأجنبية، وللثأر عقب استشهاد وإصابة العشرات في حادث العريش". وطالب عدد من مذيعي القنوات الفضائية المؤيدة ب"محاصرة أي عقار به منشأة إخوانية"، وحذروا "أي مالك لعقار من التستر على منشأة إخوانية"، ودعوا لإطلاق الرصاص الحي على المسيرات الرافضة للانقلاب، وملاحقة المشاركين فيها بالرصاص الحي، ومساعدة قوات الأمن في ملاحقتهم، على حد قولهم. الدخول إلى هذا المنعطف الخطير في المواجهة، بين مؤيدي ومعارضي السلطة الحالية، بدأ في مدينة بني سويف ، من خلال تبادل أعمال حرق الممتلكات الخاصة، التي لم يسلم منها مؤيدون للسلطة الحالية أو معارضون لها، بعد أن حرق مجهولون، يوم الإثنين، سيارة "بلال" نجل المرشد العام لجماعة الإخوان بمنطقة بني سويف الجديدة. وتعد تلك هي المرة الثانية بعد إحراق سيارة تمتلكها زوجة المرشد في منتصف مارس من العام الماضي، أيضًا في منتصف أغسطس 2013، أحرق مجهولون فيلا بشرق النيل يمتلكها مرشد الإخوان وأتت النيران على محتويات الفيلا بالكامل والتي تتكون من طابقين، وأعلنت حركة مؤيدة للسلطة بمحافظة الفيوم، تدعى "كتيبة الردع الشعبي بالفيوم"، عن نفسها في مواجهة حركة "العقاب الثوري" المعارضة للنظام؛ مسؤوليتها عن حرق سيارة نجل المرشد، عبر صفحتها على فيس بوك، تحت عنوان: "انتقامًا لشهدائنا في سيناء"، وقالت: "إن ذلك بداية القصاص وانتظروا القادم". وفي بيان، قالت إن: "دورها هو حصر جميع المنشآت التجارية التابعة لتنظيم الإخوان ، وتوزيع منشورات على ملاك العقارات التي يوجد بها منشآت تجارية مملوكة لأعضاء أو منتمين للتنظيم، ومطالبتهم بغلق تلك المنشآت خلال أسبوع". وفي واقعة مماثلة لحرق ممتلكات معارضي السلطة، أشعل مجهولون النيران بمنزل محمد ناصر المذيع بقناة "الشرق" المعارضة للسلطة التي تبث من قطر بقرية بالفشن (جنوب بني سويف) بعد أن أشيع قيامه بتهديد ضباط شرطة وزوجاتهم، عبر مذيعين مؤيدين للسلطة. وفي المقابل، تبنت الحركات المعارضة للنظام حرق عدة ممتلكات خاصة تابعة لمؤيديه، من أبرزها الاعتداء على سيارة مدير الأمن الوطني ببني سويف وإحراق سيارة مأمور مركز قسم شرطة الواسطي (شمال المحافظة)، وهو ما نفاه اللواء محمد عماد سامي مدير أمن بني سويف، كما أحرق مجهولون سيارة الأنبا يوسف (راعي كنيسة بمركز الواسطي، شمال بني سويف)؛ حيث أتت النيران على السيارة. وخلال الأسبوع الماضي: أحرق محل للملابس، وسيارة مملوكة لأمين شرطة، وكافتيريا يمتلكها أحد شباب حملة "تمرد"، ولكن مدير أمن بني سويف دعا لعدم تصديق كل ما ينشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي. كما أثار حكم محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، في جلستها الإثنين، بإعدام 183 متهمًا وبراءة اثنين، والسجن 10سنوات لطفل في القضية المعروفة ب"مجزرة كرداسة"؛ موجة من الانتقادات الشديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر"، واعتبروه جزءًا من هذا "الثأر". حيث وصف العديد من النشطاء والمراقبين السياسيين الحكم ب"المسيس"، وقالوا: "إنه جاء تنفيذًا لتصريحات المشير السيسي بأنه لن يكبل يد أحد في القصاص لشهداء مصر، على حد قوله". وعلق "علي خفاجي"، أمين الشباب بحزب الحرية والعدالة بالجيزة، على الحكم؛ قائلًا: "في أول استجابة بعد ما السيسي حرض القضاء بالأمس بأحكام سريعة، قضى اليوم ناجي شحاتة اليوم بإعدام 183 بني آدم من كرداسة". فيما علق "سمير الأوسيمي"، أحد الرموز الشبابية لجماعة الإخوان المسلمين، على الحكم؛ قائلًا: "وإذ فجأة تحول القضاء المصري من قضاء يموت عند أبوابه الناس، بعد أن يقضوا عمرهم أملًا في الحصول على حكم تعويض أو أي أمر من أمور التقاضي التي كانت تجلس في المحاكم سنين وسنين، إلى قضاء يحكم في قضايا إعدام ومؤبد في أسابيع قليلة، سبحان مغير الأحوال". وأبدى نشطاء استغرابهم من تصديق مفتي الجمهورية على إعدام 183 شخصًا دون التثبت من مشاركتهم في جريمة القتل أم لا، خاصة في ظل اتهامات للشرطة والسلطات الحالية بالقبض العشوائي على عشرات المواطنين في قضية "كرداسة" للانتقام من المعارضة المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين. إسرائيل تنتظر الحرب الأهلية الحديث المتصاعد عن مخاوف من حرب أهلية في مصر، لم يقتصر على المصريين، ولكنه ظهر في إسرائيل مبكرًا منذ عدة أشهر في صورة تقارير وتحليلات؛ أبرزها توقع الدكتور "يهودا بلنجا"، المحاضر والباحث في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة "بر- إيلان" الإسرائيلية، ما أطلق عليه: "استمرار الصراع في مصر بين جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، حتى الوصول إلى الحرب الأهلية". وفي مقاله، المنشور بصحيفة "معاريف"، اعتبر الباحث أن: "الوضع في مصر يمكن أن ينزلق إلى حرب أهلية طاحنة خلال وقت قصير"، معتبرًا أن: "السعودية سوف تلعب دورًا كبيرًا على حساب مصر في الشرق الأوسط". وقال: "الانقلاب العسكري في مصر وضعها أمام خطر مواجهة داخلية، يمكن حال تصاعدت -أي المواجهة- ووفقًا لعدد من التقديرات أن تقودها لحرب أهلية". أيضًا قال د. مردخاي كيدار إن مصر تُجر، نتيجة الصراع بين الانقلاب العسكري والإخوان الذين يشعرون أنه تمت سرقة الدولة والانتخابات منهم، إلى ما أسماه: "شراكة مصير بشعة مع سوريا، فتعلق في حرب أهلية مضرجة بالدماء وطويلة السنين". المصدر: التقرير