طالب "جون دوغارد" رئيس لجنة تقصي الحقائق -التي شكَّلتها الجامعة العربية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني خلال العدوان الأخير على قطاع غزة في ديسمبر الماضي- المحكمةَ الجنائيةَ الدوليةَ بقبول التحقيق في تلك الانتهاكات؛ حتى لا توصَم بأنها تكيل بمكيالين. وقال دوغارد في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: إن 1400 فلسطيني استُشهدوا خلال تلك العملية، من بينهم ما لا يقل عن 900 مدني، كما جُرِحَ أكثر من 5000 في الهجوم الذي شنَّته قوات الاحتلال واستمر 23 يومًا، ودمَّر حوالي 3000 منزل، فضلاً عن كثير من المباني الحكومية والمدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمصانع. وأضاف أن تحقيقاتٍ عدةً -بما فيها تلك التي أجرتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، المكلَّفة من طرف جامعة الدول العربية- كشفت أدلةً قويةً على ارتكاب الاحتلال جرائمَ خطيرةً في هجومها المذكور. واستعرض الكاتب جزءًا مما قامت به اللجنة التي ترأَّسها، وبعض الاستنتاجات التي توصَّلت إليها، قبل أن يستعرض العراقيل التي قد تقف في وجه المحكمة الجنائية لثنيها عن القبول بالتحقيق في الانتهاكات التي شهدتها غزة خلال ذلك الهجوم. وأوضح أن الكيان الصهيوني ليس عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن تلك المحكمة لا تملك ولايةً قضائيةً على أراضيه، كما أن مجلس الأمن لن يتمكن من إحالة هذه القضية إلى المحكمة الجنائية كما فعل في قضية دارفور؛ إذ من شبه المؤكد أن واشنطن ستستخدم حق النقض "الفيتو" ضد مثل هذا الإجراء. وقال: "لا يبقى أمامنا -إن أردنا ملاحقة "إسرائيل" قضائيًّا- سوى وسيلة واحدة؛ تتمثل في تقديم السلطة الفلسطينية طلبًا للمدَّعي العام بالمحكمة الجنائية "لويس مورينو أوكامبو"؛ للتحقُّق من مسألة ارتكاب جرائم حرب دولية في غزة". وقد ناقش دوغارد قانونية مثل هذه الخطوة، والجدل الدائر بشأن فلسطين، وهل هي دولة أم لا، قبل أن ينبِّه إلى أن نظام "روما" الداخلي الذي أُنشئت بموجبه هذه المحكمة لا يعطي تعريفًا خاصًّا للدولة، أضف إلى ذلك أن أكثر من 100 دولة اعترفت بالفعل ب"دولة فلسطين"، وهذه الدولة عضو في الجامعة العربية، ولديها علاقاتٌ دبلوماسيةٌ مع عدد كبير من الدول. وأضاف: "لو تركنا هذا الجدل جانبًا، فإن بإمكان أوكامبو أن يتخذ مقاربةً يكون فيها اعتراف محكمته بدولة فلسطين مقتصرًا على هذه المحاكمة". وعرض الكاتب مبرِّراتٍ أخرى لجعلِ المحكمة ومدَّعيها العام يقبلان طلب التحقيق؛ أولها أن ما سماه "الكيان الفلسطيني" معترَفٌ به على نطاق واسع باعتباره دولة، كما أنه يلبِّي معظم متطلبات الدولة من حيث السكان والأرض، والقدرة على إدارة علاقات دولية. وثانيها أن النظام القضائي التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية أكثر تطورًا من الأنظمة القضائية لعدد من الدول الأعضاء في المحكمة. أما المبرر الثالث -بحسب دوغارد- فهو أن الغرض من نظام "روما" الأساسي كما ورد في ديباجته هو معاقبة مرتكبِي الجرائم الدولية، والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب، وفضلاً عن هذا كله فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في دعاوى حصول انتهاكات لحقوق الإنسان في غزة خلال هجوم "إسرائيل" عليها أواخر العام الماضي وأوائل العام الجاري؛ يعطيها فرصةً لإظهار أنها لا تكيل بمكيالين، وأنها مستعدةٌ لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الجرائم الدولية التي ارتُكبت خارج إفريقيا.