يجمع عدد من الخبراء والمتابعين لسياسات حكومة الانقلاب، على أنَّ سمات المنهج والأسلوب والفكر هي نفسها التي كانت سائدة ومطبَّقة لدى آخر حكومة قبل ثورة 25 يناير 2011، القائمة على فتح المجال للقطاع الخاص، والاستثمارات الأجنبية، وتحقيق معدلات نمو وأرقام على الورق يشيد بها العالم الخارجي ومؤسساته المالية ولا يشعر بها المواطن. وليس التشابه في الأفكار والرؤى فحسب، بل أيضًا في الأشخاص الذين يديرون السياسات الاقتصادية واتجاهاتهم وافكارهم وخلفياتهم ودراساتهم ونمط الشخصية. محلب ونظيف فإذا توقفنا عند شخصية المهندس إبراهيم مَحلب، رئيس الوزراء، نجده لا يختلف كثيرًا عن شخصية الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء في حكومة ما قبل ثورة يناير. أحمد نظيف كان رئيسًا للشركة المصرية للاتصالات إحدى الشركات الحكومية القوية، ويعمل بفكر رجال الأعمال والمال، ثم اصبح وزير للاتصالات وبعدها رئيسًا للوزراء. وإبراهيم محلب كان رئيسًا لشركة المقاولون العرب ثم وزيرًا للإسكان ثم رئيسًا للوزراء وبنفس فكر نظيف في إدارة الاقتصاد. التلميذ واستاذه والنموذج الثاني متمثلاً في هاني قدري، دميان وزير المالية، والتلميذ النجيب لوزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، ومنذ مجيئه للوزارة يطبق نفس السياسات والأساليب القائمة على فلسفة الجباية وإلغاء الدعم أو على الأقل تحويله إلى دعم نقدى والتوسع في الضرائب على المواطنين وتقديم الاعفاءات لرجال الاعمال والمستثمرين. وحتى فكرة موازنة المواطن التي أطلقها دميان، كانت في الأساس أحد ابداعات بطرس غالي، بالإضافة إلى السياسات التقشفية التي بدأها غالي.
استنساخ
قال الدكتور حسن عودة استاذ المحاسبة والمراجعة بالجامعة الألمانية، والخبير الدولي في إصلاح الموازنات، وأنظمة المحاسبة الحكومية، إن حكومة المهندس إبراهيم محلب الحالية، استنساخ لحكومة نظيف قبل الثورة. وأضاف عودة في "تصريحات خاصة ": "حتى الآن النظام الموجود، لايزال كما كان قبل ثورة يناير2011، بحكومته، وسلطاته التنفيذية، وسياساته المالية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتشريعية، وكذا نفس الوجوه بالوزارات المختلفة " حسب قوله. وأكد أنَّ الفارق الوحيد بين نظيف ومحلب، هو أن الأخير ينزل الشارع، ويقوم بجولات ميدانية، لكن السياسات الحاكمة وأدوات التنفيذ وطريقته لازالت كما هي، دون إبداع أو تغيير، لا في العقول أو السياسات المتبعة. وتابع حسن عودة: "السياسات الحكومية التي كانت متبعة خلال حكومة نظيف، تم تمديدها، دون تطوير أو تعديل أو تغيير، وانتقد غياب رؤية واضحة للحكومة، أو تغيير السياسات". وأوضح أنَّ الجهاز التنفيذي بجميع الوزارات والمصالح والهيئات والمؤسسات الحكومية كما هو، وكذا معاوني الوزراء، والقوانين، والتشريعات، والأنظمة الإدارية، وكذا بعض الوزراء، منهم وزير المالية الحالي هاني قدري دميان، وهو التلميذ النجيب للهارب يوسف بطرس غالي.
أسلوب إدارة الأزمات
وانتقد الدكتور أسامة عبد الخالق استاذ المحاسبة والضرائب بجامعة عين شمس، استمرار نفس الأسلوب في إدارة الأزمات من جانب الحكومة الحالية، أو تكثيف الزيارات الميدانية دون استراتيجيات. وقال عبد الخالق: "معظم المشاريع، والقوانين المعمول بها حاليًا، حصاد لحكومة نظيف وما قبلها، ومنها منظومة الكروت الذكية، للسلع التموينية والبترولية، وخفض الدعم، والإصلاحات الضريبية، والاقتصادية التي يجرى العمل بها ". وطالب بإعلان خطة حكومية للإصلاح الإداري، تتضمن القدرة على التفكير الإبداعي، خارج الصندوق، وتطوير العمل الحكومي.
اختلاف الظروف في المقابل قال الدكتور محمد فؤاد الخبير الاقتصادي، إنَّ هناك فروقًا شاسعة بين حكومتي نظيف ومحلب، حيث أن الأولى كانت تعمل في ظل ظروف سياسية واقتصادية مستقرة؛ وهو ما أثر بدوره على معدلات النمو التي حققتها وقتها، بينما لم تنعكس هذه المعدلات على التنمية. أما حكومة مَحلب تعمل تحت ضغوط صعبة، منها ضعف النمو، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والاعتماد على المساعدات الخارجية، ومحاولة تحسين الأوضاع والبناء من جديد حسب قوله عودة الخصخصة
وقال عبد الغفار مغاوري، محامي عدد من قضايا الخصخصة، إنَّ هناك توجهًا ملموسًا من الحكومة بإعادة الخصخصة مرة أخرى، لكن هذه المرة بأشكال متعددة، منها دخول شراكة بالأراضي مع القطاع الخاص وتغيير نشاط المصانع إلى سكني وسياحي، وهو ما حدث من محاولات في شركة "المراجل البخارية". وأضاف أنَّ وزير الاستثمار الحالي بدأ يسلك مسلك نظيره الأسبق الدكتور محمود محي الدين، من إهمال قطاع الأعمال العام، وعدم الاهتمام بالعمالة، في محاولة لتخسير عدد من الشركات، تمهيدًا لتصفيتها. وتابع: "هناك محاولات لعدم دعم شركة الحديد والصلب، والتي تعاني خسائر تخطت المليار جنيه، كما أن الوزير مازال يحتفظ بغالبية رؤساء الشركات القابضة الموجودين منذ عهد محي الدين، رغم فشل إداراتهم".
رجال مبارك وأكد محمد الطرابيلي، صاحب دعوى بطلان بيع شركة "مصر للألبان"، أن هناك إعادة استنساخ حكومة أحمد نظيف، رئيس آخر حكومات عهد مبارك. وأشار إلى أنَّ العديد من الشركات تعاني الخسائر بالجملة وهي في حاجة إلى قرارات إدارية، منها شركات استراتيجية، وتنتج سلعا غذائية ترتبط مباشرة بالمواطن العادي وتعد أحد أذرع الدولة في إحداث توازن سعري في الأسواق، وتواجه جشع التجار من القطاع الخاص. وأوضح الطرابيلي، أنَّ الشركات لا يمكنها تحقيق الأرباح في ظل عدم ضخ استثمارات جديدة، وهو نفس الأسلوب المستخدم أيام حكومة نظيف، مع عدم تطوير وتحديث المعدات المستخدمة منذ الستينيات. وتضم شركات قطاع الأعمال العام نحو 600 ألف عامل، وبها أصول تصل إلى 30 مليار جنيه، ولا تساهم في الناتج القومي سوى بنحو 3% فقط وهو ما يعد اهمالا من الحكومة. كان وزير الاستثمار أشرف سالمان، قد أعلن أن نصيب قطاع الأعمال العام من الناتج القومي 15%، منها 12% من شركات يساهم فيها قطاع الأعمال العام مع القطاع الخاص، بما يوحي بأن مشاركة ودخول القطاع الخاص حلا سحريا لتطوير الشركات وزيادة الناتج المحلي الإجمالي