تثير تصريحات هاني قدري دميان، وزير مالية حكومة المهندس إبراهيم محلب، الكثير من الجدل، ليس فقط على المستوي الاقتصادي، بل السياسي أيضا، فالتصريحات تضرب مبدأ العدالة الاجتماعية التي نادت بها ثورة 25 يناير. ورغم أن وزير المالية يؤكد ارتفاع الأجور في الموازنة العامة للدولة من 58 مليار جنيه عام 2010 إلى 180 مليار جنيه خلال السنة المالية الحالية، ملمحا أن الضغوط الشعبية على الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير كانت وراء ارتفاع فاتورة الأجور، مؤكدا ضرورة ترشيد الأجور خلال الفترة المقبلة، ووقف زيادة الأجور حتي انخفاض التضخم، لكن وزير المالية في الوقت نفسه أعلن إعادة النظر في الحد الأقصى للأجور الذي أقرته حكومة د. حازم الببلاوي، بما يعادل 35 مثل الحد الأدنى للأجور البالغ 1200 جنيه، وبحد أقصي 42 ألف جنيه شهريا، بدعوي هروب الكفاءات من القطاع العام، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة سيضطر للاستعانة بالخبراء الأجانب لإدارة القطاع الحكومي!، رغم وجود عدد ضخم من المستشارين في الحكومة المصرية، يصل ما يحصلون عليه من مكافآت وأجور إلى 20 مليار جنيه. والمعروف أن المجلس العسكري كان قد أصدر قرارا بتحديد الحد الأقصى للأجور البالغ 35 مثل الحد الأدنى، بحيث لا يزيد الحد الأقصى على 30 ألف جنيه إذا كان لوظيفة حكومية، وعلي 50 ألف جنيه إذا كانت الوظيفة بنكية، لكن هذا القانون لم ينفذ لاختلاف الحد الأدنى داخل الوزارات المختلفة. انقلاب " دميان" علي سياسات حكومة الببلاوي لا يتوقف فقط علي الحد الأقصى للأجور، فقد خفض "دميان" توقعات نمو الاقتصاد من 3.5 بالمائة، وهو معدل النمو المعلن من د. أحمد جلال، وزير مالية الببلاوي، قبل استقالة الحكومة بيوم، إلى 2.2 بالمائة في أول تصريح ل" دميان"، كما أعلن أن الدعم البالغ 1000 مليار جنيه خلال السنوات العشر الماضية، متضمنا دعم الطاقة، وأن الدعم لم يحقق نتائج ملموسة للمواطن المصري. واستخدم " دميان" لفظ " تحريك أسعار الطاقة" كبديل لرفع الدعم عن المحروقات، متفقا في ذلك مع د. حازم الببلاوي وأحمد جلال، وإن كان " الببلاوي" قد حدد خمس سنوات لتنفيذ ذلك، لكن لم يحدد " دميان" خطة " تحريك " الأسعار. ويختلف فكر هاني دميان، والذي تولي منصب وكيل وزارة المالية خلال تولي د. يوسف بطرس غالي الوزارة، عن فكر د. حازم الببلاوي الذي أعد الحد الأقصى للأجور أثناء وزارة د. كمال الجنزوري، وطبقه بعد توليه رئاسة الوزراء، وسط اعتراضات من قطاعات البنوك والبترول، لذا أجل تطبيقه علي هذه القطاعات للمرحلة المقبلة. فالدكتور الببلاوي يري أن القطاعين العام والحكومي لايوجد به من القيادات من يستحق أكبر من الحد الأقصى، وعند سؤاله أن هذه الحد قد يؤدي إلي هروب القيادات إلى القطاع الخاص، قال" يمشوا".. ونصعد الصف الثاني، ففكر الببلاوي يعتمد على القطاع الخاص كمحرك أساسي للنشاط الاقتصادي، وتخلي الدولة عن الدور الاقتصادي، وبالتالي فالدولة لا تحتاج إلى قيادات ماهرة. ورغم صدور قرار من مجلس الوزراء بتحديد الحد الأقصى، وضرورة اتخاذ قرارات داخل كل وزارة وهيئة بتحديد الحد الأقصى، لكن البنك المركزي يصر على أن قانون البنوك ولائحته التنفيذية لا تتضمن وضع حد أقصي. واستثني " الببلاوي " الهيئات الدبلوماسية بالخارج من هذا القرار. ويبدو أن "دميان" استجاب لضغوط البنوك وشركات البترول، وشركات قطاع الأعمال العام وشركات التأمين، وشركات الكهرباء، وبعض الجهات السيادية، لإلغاء الحد الأقصى للأجور، رغم أن دول العالم حينما تريد خفض الإنفاق تلجأ إلى خفض الأجور في الوظائف العليا. فوزير المالية يؤيد إعادة النظر في الحد الأقصى، وفي الوقت نفسه يطالب بوقف الزيادة في الأجور للعاملين في الحكومة، تلك المعادلة توضح مدي نفوذ قطاعات بعينها وتأثيرها على صنع القرار السياسي، والعودة إلي سياسات يوسف بطرس غالي مرة أخري، الأكثر انحيازا إلى الأغنياء علي حساب الفقراء، باعتبار أن الحد الأدني هو أكثر ما يمكن أن تفعله الحكومة لهؤلاء.