سلطت مجلة "إيكونوميست" البريطانية الضوء علي عمليات مراقبة الحكومات العربية للمساجد والأئمة علي المنابر، في ظل الحملات الحالية علي تيارات إسلامية، مشيرةً إلي أن الحكام العرب يشددون قبضتهم على المساجد؛ خوفًا على عروشهم من نقد الأئمة لهم، ولكنها حذرت من أن هذا التوجه سوف يجعل المؤسسات الدينية الرسمية تفقد الشرعية مع مرور الوقت، ما سيدفع المواطنين العاديين لتبني الأفكار المتشددة. وفي تقرير تنشره اليوم السبت 13 ديسمبر 2014 في عددها الورقي المطبوع، قالت إنه بعدما كانت السلطات السعودية تستخدم طريقة بسيطة لضبط المساجد عبر إغداق المال والامتيازات علي رجال الدين، أو إخفائهم عن الأنظار لو زادت مخالفتهم وخرجوا عن المسار الحكومي، أو إطلاق النار عليهم أو اعتقالهم داخل السجون، بدأت الآن تراقب المساجد بالكاميرات، بقرار من وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف السعودية عبر تثبيت كاميرات مراقبة في المساجد قريبًا لمتابعة المؤذنين والأئمة، وما يجري داخل كل مسجد. وقالت المجلة في مقال بعنوان The state and Islam converting the preachers أي "الدولة والإسلام: تحويل الدعاة"، إن هذا القرار قد يُقصد به ظاهريًّا منع السرقة وتنظيم استخدام الطاقة، لكن البعض يتشكك في النية الحقيقية للقرار، ويري أن الهدف منه تشديد قبضة الدولة على المساجد، كجزء من اتجاه سائد في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط. وتقول "إيكونوميست" إن السعودية لجأت لهذه الخطوة؛ بسبب قلقها من انتقادات الأئمة السعوديين لدور بلادهم الداعم للحملة الأمنية في مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين، ومشاركة المملكة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعدما شجع صعود داعش عددًا من السعوديين على استهداف الأجانب، ومساجد الشيعة في شرق البلاد، والحديث عن "الكفار" الغربيين والشيعة " في سلسلة من الهجمات الصغيرة ولكن القاتلة، كما تراها المجلة. خطب جاهزة وخطابات مسجلة وتقول المجلة البريطانية: "في الواقع، فإن الخطة السعودية لمراقبة المساجد تظل متأخرة ومترددة، مقارنة مع دول مثل طاجكستان وأوزبكستان وكازاخستان، التي تستخدم كاميرات المراقبة بالفعل وبشكل روتيني، وقد ثبتت الكويت مسجلات لمراقبة خطبة الجمعة، وفي الإمارات لا يحتاج الخطباء لإعداد خطب الجمعة باستثناء عدد من الخطباء الموثوق بهم، فهم يقرؤون نصا تعدها وزارة الشؤون الدينية التي تدفع رواتبهم، وتسيطر تركيا أيضا على الخطاب الديني منذ عقود من خلال وزارة "ديانت" التي يعمل بها 121 ألف موظف بميزانية 2.3 مليار دولار". وأضافت: "هناك حكومات أخرى تطمح إلى هذه الهيمنة؛ حيث عادت تونس لتشديد الرقابة في المساجد، بعد أن خُففت منذ ثورة يناير 2011، وذلك بعد دخول السلفيين إليها، وفي المغرب دعم الملك برامج ورصد ميزانيات لتدريب الأئمة، وزاد عدد الطلاب الأجانب بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بهدف غير المعلن هو مواجهة انتشار الفكر السلفي في مناطق مثل مالي وشمال نيجيريا". وتقول المجلة إنه برغم أن مصر تجري ما أسمته "إصلاحات جذرية" منذ فترة طويلة، وإنه في التسعينيات من القرن الماضي استجابت الحكومة لما يسمى بموجة العنف الإسلامي بوضع كافة المساجد تحت سيطرة الدولة بشكل كامل، إلا أنه ومنذ الانقلاب على الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013 منعت الدولة الخطباء من مناقشة السياسة تمامًا. كما فرضت على الخطباء أن يكون لديهم تصريح للخطابة، ومنعت صلاة الجمعة في "الزوايا" (المساجد التي تقل مساحتها عن 80 متر)، وحددت موضوعات للخطابة، وأنشأت خطًا ساخنًا؛ لتشجيع المصلين على الشكوى في حال تجاوز الإمام الخطوط المسموح له بها، كما فصلت وزارة الأوقاف 12 ألف من الأئمة، وطالبت الوعاظ والأئمة بالحصول على شهادات من المعاهد المعترف بها من الحكومة. وفي حين سمحت الحكومة المصرية للجماعة السلفية التي تدعم النظام الحالي بتشغيل حوالي 7 آلاف مسجد، إلا أنها أعلنت في سبتمبر الماضي عن خطط لاستعادة السيطرة على هذه المساجد أيضًا؛ بسبب دعوة خطباء فيها إلى الامتناع عن شراء السندات الحكومية ذات الفائدة، بحسب المجلة. وتنقل "إيكونوميست" عن الباحث المصري "عمرو عزت" قوله: "إن جهود الدول للسيطرة على المساجد مضللة وخطيرة، وذلك لأن المؤسسات الدينية ستفقد الشرعية مع مرور الوقت، ما يدفع المواطنين العاديين لتبني الأفكار المتشددة، ومن خلال تأدية الدول دور الإمام، فهي بذلك تفرض الأخلاق، ربما لاسترضاء المحافظين الدينيين، فعلى سبيل المثال صعدت الدولة حملاتها ضد الشذوذ، كان آخرها حملة ليلية على حمام للشواذ جنسيًّا بالقاهرة قادت بعدها العشرات من العراة إلى السجن".