الفتاوى الأخيرة الشاذة التي ظهرت على الساحة والتي تبيح القتل وتسعى إلى تفكيك المجتمع وإشعال فتيل الفتن بين المصريين وتُكفر المعارضين، تدفعنا إلى إعادة النظر إلى أصحاب تلك الفتاوى ممن يسمون أنفسهم بالعلماء والذين باعوا دينهم بدنياهم وذوى الأفكار الغريبة التي لا تمت للإسلام بصلة. تكمن خطورة هؤلاء العلماء الذين يُطلق عليهم "علماء السلطان" أو "شيوخ السلطة" في أنهم يبثون سمومهم ويشعلون الفتن ويزهقون الأرواح بكلمات تخرج من أفواههم، هدفهم الأسمى إرضاء السلطة الحاكمة ليتقربوا إليها ويغتنموا من المناصب ما يشاءون وربما يرفعوا هؤلاء الحكام إلى مصاف الأنبياء، ولا مانع لديهم من إخراج معارضي السلطة من الملة إنْ هي اعترضت أو تمردت. شاء الله لمصر أن يبتليها على مر تاريخها بهؤلاء الأشخاص الذين يُفترض أن يكون لديهم قدر من العلم الشرعي ولكنهم يستعملونه بشكل أو بآخر لخدمة مصالح السلطة حتى وإن كان هذا لا يتماشى مع أخلاقيات ذلك العلم أو مع النصوص الشرعية, ويقومون بليّ أعناق النصوص لتناسب مصالح حكامهم ومن فوقهم. غالبا ما تستغل النظم الديكتاتورية هؤلاء الشيوخ المكانة التي يتبوؤها العلماء في نفوس الناس، وأيضا تستغل وجود علاقة لبعضهم بأجهزة أمنية ومخابراتية؛ في تحقيق أهدافها في القمع والاستبداد وذلك من خلال وسائل الإعلام. مباركة الانقلاب ودعمه شيوخ السلطة كانوا أول من أيدوا الانقلاب العسكري بل هم مَن أسهموا في حدوثه، فمنهم من أفتى بإهدار دماء الأبرياء وقتل المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ومنهم من قام بتأليه بعض الحكام، وإنزال بعض الوزراء منزلة الأنبياء والمرسلين. وأيضا منهم من حرّف الكلم عن مواضعه، فأعطوا الغطاء الكهنوتي لقادة الانقلاب حتى يكملوا مسيرتهم الخبيثة في حرب الإسلام والمسلمين، وفي مصادرة إرادة الشعوب وكبت حرياتها، ومنهم من حكم بالكفر على من يخرج ليقول للظالم "لا"، ومنهم من يعملون على مزيد من التحلل في المجتمع وتدمير الأسر من خلال ما يطلقونه من فتاوى ليس لها سند من شرع أو عقل، ومن ذلك آراؤهم الضالة المضلة التي توجب فسخ الخطبة والتفريق بين الزوج وزوجه لمجرد انتماء داخل دائرة الإسلام الذي أباح للمسلم الزواج من الكتابية يهودية كانت أم نصرانية، وغير ذلك مما لم نعرفه في مصر بل العالم الإسلامي من قبل! أصدرت جبهة "علماء ضد الانقلاب" بيانا تؤكد فيه للشعب المصري أنه لا يجوز شرعًا الأخذ عن أولئك العلماء ومقاطعتهم، وعدم استفتائهم في أي أمر يتعلق بالشريعة حتى يتوبوا إلى الله ويعلنوا الحق أمام الجميع؛ لأنهم أسقطوا عن أنفسهم وصف العلماء والدعاة، وكانوا كأعوان فرعون من السحرة، من الذين زينوا الباطل باسم الدين، وصوروا للجمهور الواقعَ على غير حقيقته، زاعمين أن ما قام به الانقلاب من الكبائر العظمى عمل مشروع بل واجب. أوردت الجبهة قائمة سوداء للعلماء الذين أسهموا بشكلٍ كبير في صناعة الانقلاب ومؤازرته، هذه القائمة ضمت 15 عالما وداعية، وهم: أحمد الطيب شيخ الأزهر، علي جمعة مفتي مصر السابق، مختار مهدي جمعة وزير أوقاف الانقلاب، أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عبد الله النجار أستاذ القانون بجامعة الأزهر، عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، شوقي علام مفتي مصر الحالي، أسامة القوصي داعية، مظهر شاهين خطيب مسجد عمر مكرم، سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، ياسر برهامي ودعاة حزب النور، محمد سعيد رسلان الداعية المتسلف، عمرو خالد واعظ، خالد الجندي واعظ. سِجل الأزهر في تبعية بعض شيوخه للسلطة ممتد إلى عقود طويلة مضت، فمنذ أن أخضع جمال عبد الناصر الأزهر لسلطة الدولة عام 1961م، وبعد مرور 40 عاما كان شيوخ الأزهر يحملون على دعم النظام الأمني الصارم الذي عزز حكم مبارك الذي دام نحو ثلاثة عقود، وبدأ خطباء على درجة أقل من التعليم الديني ينتشرون. من بين تلك الفتاوى الشاذة أصدر شيخ الأزهر الراحل "عبد الرحمن تاج" فتوى في عام 1954 بإسقاط الجنسية عن الرئيس السابق محمد نجيب، لأنه يتعاون مع قوى خارجية ضد بلاده. وأفتى شيخ الأزهر في عهد جمال عبد الناصر بأن "الإخوان" خوارج ويجب إقامة حد الحرابة عليهم، وحاول عبد الناصر أن يستجلب فتاوى من شيوخ آخرين لإهدار دم سيد قطب. أما في عصر السادات فقد أيد شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق اتفاقية "كامب ديفيد"، فيما كان للشيخ الراحل محمد سيد طنطاوي النصيب الأكبر من تلك الفتاوى المثيرة للجدل، كالفتوى الخاصة بجواز بناء الجدار العازل على الحدود بين مصر وغزة، وفتوى عدم جواز إطلاق صفة شهيد على منفذي العمليات التفجيرية في الكيان الصهيوني، والتي أطلقها في أوج اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. وبلغ الأمر في عام 2007، أن أفتى محمد طنطاوي، بأن الصحفيين الذين ينشرون شائعات عن صحة مبارك يجب أن يجلدوا 80 جلدة، وغيرهم من علماء السلطة وذوى النفوس الضعيفة والذين للأسف يحسبون على علماء الأزهر. الشيوخ العملاء يقول د. وصفي عاشور أبو زيد -مختص في مقاصد الشريعة الإسلامية-: "كان العلماء –ولا يزالون وسيظلون– أنواعا كما هي أنواع البشر، نجد منهم الصادقين والعاملين، ونجد منهم النفعيين والمصلحيّين، ونجد منهم المنافقين التافهين، ونجد منهم من يبيع دنياه بدينه، بل من يبيع دنياه بدنيا غيره؛ فلا كسب دنيا ولا ربح دينا". ويضيف" هذه سنة العلماء منذ القدم، ووجدت في الحديث ولا تزال موجودة وستظل كذلك"، مشيرا إلى أن علماء السلطة غالبا ما يكونون ضعاف النفوس وممن يبيعون دينهم بلا مقابل، ويخونون أمانة العلم بغير حساب، وكل همهم أن يرضى عنهم المستبد، أو يغنموا من وراء نفاقهم وتزلفهم، أو يأمنوا بطشه وعذابه، لذا يستغل الحكام المستبدون هذا ويقربونهم إليهم. ويوضح أبو زيد أن أولئك العلماء في كافة الحالات يشكلون الدين كما يشاء الحاكم لا كما يريد الله، ويطوّعون أحكام الشرعية لأهواء المستبدين ومصالح كراسيهم، لا كما أمر الله ويريد لخلقه. ويتابع قائلا: "تعد الحملة على معارضي الأنظمة المستبدة من قبل علماء السلطة قديمة، وبخاصة على التيار الإسلامي الذي يقف حجر عثرة أمام المشروع الصهيوأمريكي، والمشاريع الاستعمارية التي استطاعت أن تشتري ضمائر وذمم حكام عملوا لهم أذنابا وسماسرة". ابتزاز شيوخ السلطة ويشير إلى أنه في الستينيات من القرن العشرين كتب الأديب أحمد حسن الزيات مقالاً افتتاحيا في مجلة الأزهر الذي كان يرأس تحريرها، وكان في المقال كُفر واضح ظاهر ألا وهو تفضيل الوحدة الناصرية على الوحدة المحمدية!!، لافتا إلى أنه ثار الصالحون في العالم الإسلامي ومنهم الأستاذ أبو الحسن الندوي، وثار الشيخ محمود فايد وكتب مقالاً شديدا رد فيه على الزيات. ويستطرد أبو زيد قائلا "أفتى شيخ الأزهر في عهد جمال عبد الناصر بأن "الإخوان" خوارج ويجب إقامة حد الحرابة عليهم، وحاول عبد الناصر أن يستجلب فتاوى من شيوخ آخرين لإهدار دم سيد قطب". ويعرب عن أسفه لما يحدث هذه الأيام، إذ إنه عندما أراد المستبدون أن يُجهضوا مشروع الأمة وحلمها نحو الحرية والكرامة، استتبع عددا من الفارغين والتافهين ممن ينتسبون للعلم ويحملونه زورا، فأفتوا بالفتاوى نفسها، وألهوا الحكام، ونسبوا النبوة لبعض الوزراء، وكفّروا من يخرج معارضا، وإذا ماتوا فلا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين! وينوه أبو زيد أن بعض هؤلاء المحسوبين على العلماء لهم مخالفات مالية وأخلاقية، يعرفها هؤلاء المستبدون، فيقومون بابتزاز هؤلاء المشايخ العملاء، ومن عجب أن يقدم هؤلاء المزعومون ما يطلب منهم ويضيفون إليه ويزيدون عليه، مؤكدا أن جماهير المسلمين الواعية تلفظ هؤلاء، ولا تأخذ عنهم دينهم، ولا تستفتيهم في أي شأن من شئون الدين أو الدنيا، مشيرا إلى أن أولئك مذكورون في التاريخ باللعنة، ولهم في الآخرة عذاب شديد. الأفكار الهدامة ومن جانبه يقول الشيخ هاشم إسلام -عضو لجنة الفتوى بالأزهر-: "اخترقت الأزهر بعض الأفكار الهدامة كالشيوعية والعلمانية والماسونية وغيرها من الأفكار، وذلك من خلال البعثات إلى الخارج والحكام المستبدين خلال العقود الماضية والاحتلال الأجنبي الذي ترك أعمدة له في البلاد". ويضيف "هناك بين علماء الأزهر من يحملون هذه الأفكار والتي تظهر في تصريحاتهم كما حدث مع سعد الدين الهلالي بقوله إن عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم رسولان أرسلهما الله، وإذا دققنا النظر إلى هؤلاء نجد أن منهم مَنْ يسرق ومَنْ يرتشي ومَنْ يرتكب الفضائح في فترة من الفترات، ويقوم الحكام المستبدون باستغلالهم وتوليتهم مناصب معينة ليكونوا أداة في أيديهم ويفعلوا ما يريدون وحينها لا يستطيعون الرفض". ويتابع إسلام قائلا "أثناء ثورة 25 من يناير ظهرت فتاوى بأن المظاهرات حرام شرعا، وعندما نجحت الثورة ركب هؤلاء الشيوخ الموجة"، ولا يختلف الوضع بعد الانقلاب هناك من يدعم الانقلاب ويسانده ويقف مع الباطل في وجه الحق، فنجد أن هناك من أعطى قادة الانقلاب تفويضا بقتل المعتصمين بميداني رابعة العدوية والنهضة ويبيحون الدماء؛ لذا فإن أقل ما يقال عنهم إنهم قتلة. ويستطرد قائلا "العداء بين الحق والباطل متأصل منذ أن بدأت الخليقة، فالماسونية وهي البنت البارة باليهودية ظهرت في عهد عيسى عليه السلام وكانت تهدف آنذاك إلى قتل عيسى والحواريين، وعندما جاء الإسلام كان قويا فلم تستطع الماسونية مواجهتها كما كان في عهد عيسى". ويشير عضو لجنة الفتوى إلى أنه ظهرت مذاهب كثيرة انبثقت من هذا الفكر الماسوني الخبيث منها المذهب الشيعي والشيوعي والرأسمالي والعلماني وغيرها من المذاهب التي تحمل أفكارا ماسونية، مؤكدا أن الماسونيين قالوا قديما "مادام هناك القرآن والجمعة ومكة والأزهر فلا سبيل لنا على الإسلام والمسلمين، والمطلوب أن نفرغ الأمة منهم". اختراق الأزهر ويوضح أنهم نجحوا في أن يقتصر دور القرآن على الحفظ والتلاوة بدلا من أن يكون منهجا للحياة، وأصروا على أن يفرغوا الجمعة من محتواها ودورها في معالجة مشكلات المجتمع الإسلامي فوصلنا إلى التدخل في شئون المساجد وتسييس الدين وفرض مفهوم الإرهاب فأصبح يُنظر إلى كل ملتزم على أنه إرهابي! ويؤكد إسلام أنه كانت هناك محاولات لإفساد الأزهر والسيطرة عليه وبالفعل بدأ ذلك في عهد محمد علي الذي كان أول من ضم الأزهر إلى الدولة بعد إدراكه أنه رائد الثورات ويقف كل ظالم ومستبد، واستمر الوضع كذلك إلى أن جاء عبد الناصر وألغى هيئة العلماء من المنتخبة إلى المعينة وخضع لأول مرة إلى السلطة التنفيذية. ويقول "بعد ذلك بدأت الأنظمة تتكالب على الأزهر وبدأت تخترقه عناصر صوفية منها المعتدلة ومنها المنحرفة التي تصل إلى الشرك والإلحاد، كما ظهر مبدأ "التُقية" الشيعي الذي يظهر ما لا يُبطن، كما دخلت الشيوعية إلى مصر في عهد عبد الناصر"، موضحا أن حاملي هذه الأفكار الماسونية يتولون مناصب عليا وتكون بمنزلة البوق للنظم الديكتاتورية وأداة في محاربة الفكر الإسلامي.