دافع رئيس الوزراء العراقي جواد نوري المالكي عن مبادرته للمصالحة الوطنية، داعيًا إلى "تعميق مفاهيم بنودها بما يساعد على إنجاحها"، ولكن هذه الرؤية المتفائلة للمالكي اصطدمت بتصاعد أعمال العنف في العاصمة بغداد ومناطق متفرقة من العراق، كان آخرها هجوم في كركوك أوقع قتلى وجرحى، إضافةً إلى الاستقالة المفاجئة التي تقدَّمَ بها ممثل جامعة الدول العربية في العراق الدبلوماسي المغربي مختار لماني للأمين العام للجامعة عمرو موسى. ونقلت وكالات الأنباء عن المالكي قوله في مؤتمر للمنظمات الأهلية من أكاديميين وناشطين في المجتمع المدني في بغداد كلمته: "إنَّ المصالحة لا يدخلها إلا من اعترف بالآخر ورضِيَ به شريكًا ورفض بشكل قاطع كل التمايزات القائمة على أسس من الطائفية والعرقية والحزبية الضيقة".
ولكن استقالة لماني تُلقِي ظلالاً سلبيةً على جهود المصالحة هذه، وأوضح مسئولو الجامعة أنَّ الدبلوماسي المغربي المخضرَم قد تقدَّم بطلب الاستقالة الأسبوع الماضي، إلا أنَّ موسى لم يبتَّ فيها بعدُ، وقال أحد الدبلوماسيين: إنَّ لماني- الذي عُيِّن في منصبه ربيع العام الحالي- عزا استقالته إلى عدم وجود مخصصات مالية كافية لإدارة مكتبه في بغداد.
إلا أن قناة (الجزيرة) الفضائية نقلت عن دبلوماسيٍّ آخر قوله إنَّ لماني قد تقدَّم باستقالته "بسبب شعوره بالإحباط من بُطء عملية المصالحة وعدم وضوح الرؤية فيما يخص الدور العربي في العراق.
وكان لماني- الذي رفض التعليق على أنباء استقالته- وصل إلى القاهرة أمس قادمًا من بغداد، قبل أنْ يَتَوَجَّه إلى مدينة جدة السعودية؛ حيث سوف يشارك في اجتماعات وزراء الداخلية دول الجوار العراقي التي تعقد غدًا الإثنين.
من جهته قال العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز- في مقابلة مع صحيفة (السياسة) الكويتية، نُشرَت أمس السبت-: إنَّه لا يعتقد أنَّ حربًا أهليةً سوف تندلع في العراق، وأضاف: "المنطقة العربية لنْ تشهد حروبًا بين المسلمين على أي خلفية مذهبية كانت أو غير مذهبية ولن تطغى طائفة عندنا على أُخرى"، وأوضح: "هذا أمر غير وارد وعلى عكس ما تقوله بعض التحليلات"، ولكنه لم يعطِ مزيدًا من التفاصيل حول هذا الملف.
وحول اجتماعات الغد المُخَصَّصَة لوزراء داخلية دول الجوار العراقي في جدة قالت وكالة (رويترز) للأنباء إنَّها تأتي لتحسين التنسيق الأمني بين هذه الدول في مسعى لمنع العنف الطائفي في العراق من الانتشار، وقال مسئولون سعوديون إنَّ ممثلي الدول التي ستحضر الاجتماع والتي تضم إيران وتركيا ومصر وسوريا والأردن والبحرين سوف يُوَقِّعُون على بروتوكول أمني "لمكافحة الإرهاب" بما في ذلك تدابير لمكافحة التسلل عبر الحدود.
وتساور السعودية ودول أُخرى- مجاورةً للعراق- مخاوف من احتمال انتشار العنف الطائفي الذي نشب في العراق بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في العام 2003م وإثارة توترات داخل أراضيها.
على الصعيد الميداني عثرت الشرطة العراقية على 47 جثةً مجهولةَ الهوية في شوارع العاصمة بغداد وعلى 4 جثث أخرى في مناطق متفرقة في ديالي، كان معظمها لأشخاص مقيدي الأيدي وعلى جثثهم علامات تعذيب، ليرتفع عدد الجثث التي تم العثور عليها خلال الأيام الأربعة الأخيرة إلى نحو 200 جثة. فيما حصدت أعمال العنف في الساعات ال24 الماضية عشرات القتلى والجرحى العراقيين، ففي العاصمة بغداد قتل 8 عراقيين بينهم 3 ضباط شرطة وجنديان وجرح 50 آخرون في انفجار 3 سيارات مفخخة استهدفت دوريات للشرطة والجيش العراقي والقوات الأمريكية في حي الدورة وساحة الطلائع والزعفرانية، كما قُتِلَ عراقيان في هجومين منفصلين آخرين في بغداد أيضًا.
وفي بغداد أيضًا قال مصدر بوزارة الداخلية العراقية إنَّ مُسَلَّحين قد اغتالوا رجل الأعمال محمد شهاب الدليمي بعد أن نصبوا له كمينًا بوسط بغداد، وفي بعقوبة قُتِلَ 3 من أفراد الشرطة في انفجار قنبلة أثناء مرور دورية للشرطة في هذه البلدة الواقعة شمال شرق بغداد. وفي كركوك قالت الشرطة إنَّها قتلت مُسلَّحَين بعد أن صدَّت هجومًا كانا سوف ينفذانه على نقطة تفتيش تابعة لهم إلى الجنوب من هذه المدينة، وأصيب أيضًا شرطيان في الهجوم، ولكنَّ هجومًا آخر تم تنفيذُه استهدف مقرَّ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في المدينة صباح اليوم الأحد 17 سبتمبر 2006م.
وفي الرمادي غرب بغداد قُتِل 4 مدنيين وأصيب 8 آخرون في انفجار سيارة ملغومة استهدفت دوريةً عسكريةً للاحتلال الأمريكي، كما تبنَّى الجيش الإسلامي في تسجيل مصوَّر- لم يتسنَّ التأكد من صحته- هجومًا بعبوة ناسفة على مدرَّعة أمريكية في الرمادي.
وأخيرًا وفي الديوانية أعلن مصدر في الجيش العراقي أنَّ عمليات المداهمة في هذه المدينة الواقعة جنوب العراق أسفرت عن اعتقال 25 شخصًا من المطلوبين الأمنيين والعثور على كميات كبيرة من الأسلحة، مشيرًا إلى أنَّ حظر التجول ما زال ساريًا على السيارات فقط.