يري كثير من المتابعين للمشهد المصري الذي تتدحرج أحداثه بسرعة بالغة وفقاً لنظرية كرة الثلج التي يتزايد حجمها بشكلٍ لافت مرئي للنصيب الأعظم من جموع المشاهدين داخل مصر وخارجها ، بينما يتعامي عن رؤيته من يَصدُق فيهم قول الشاعر ( ولَيسَ يَصِحُ في الأذهانِ شئ ٌ.. إذا إحتاجَ النهارُ إلي دليل } كَهذا المُكابر الذي فقد البصيرة فأصبح يُنكر سطوع الشمس بينما هي قابعة في كَبِد السماء يراها دونه جميع الناظرين وتخطف أشعتها عيون المشاهدين ويُحس بدفئها منْ حَرَمه القدَر نِعمة البصر . والحقيقة التي تبدو في المشهد المصري واضحة بَيِّنَةً جليَّة هي أن نجم الإنقلاب بدأ في الأفول وشمسه قاربت الغروب ونضارته تتجه نحو الذبول ، وأن ربيعه المصطنع يوشك أن يضحي خريفاً رغم آلة إعلامة الجبارة التى سَلَّطها بكامل أسلحتها وفرسانها ومقاتليها ومُموليها ( الذين يدفعون ببذخٍ وسخاء ) فى كافة وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمسموعة والمرئية وبإلحاحٍ مُكثَّف ثقيل على جموع الشعب المصرى ليل نهار منذ نجاح ثورة 25 يناير 2011 الناصعة النقية التى قادها شباب الأمة وأطهر وأنقى عناصرها بعفوية وتلقائية ووطنية ، وبدأها برفضه لكل ما كانت ترزح فيه مصر من فساد وصل إلى الأذقان وبلغت فيه القلوب الحناجر ثم تعالى سقف مطالبه شيئاً فشيئا حتى أسقط الطاغية الذى جثم على أنفاس الشعب ثلاثين عاما فى ثمانية عشر يوماُ فقط ، إجتثت خلالها ثورة الشباب أقوى مفاصل دولة الفساد إمبراطورية الشرطة وأمن الدولة التى ما لبثت أن تجمَّعت مع كل فلول الفساد فى الداخل والخارج والنظام السابق من أجل وأد هذه الثورة التاريخية الخالدة فى مهدها وقبل أن يكتمل نموها ويشتد عودها مُستهدفةً إجهاض كل ما حققته الثورة بدءاً بإلغاء كل ما افرزته صناديق الإنتخاب من مشروعات دستورية ومجالس نيابية وأول رئيس منتخَب للجمهورية تكالبت عليه كل قوى الشر فى الداخل والخارج لسرعة إسقاطه قبل أن يجتذب جموع الشعب حوله بعد أن تَبَدَّى لهم جديته فى اقتحام الصعاب وتجاوز الخطوط الحمراء بالسعى لتحقيق الإكتفاء الذاتى من القمح فى سنوات أُحادية قليلة وإنتاج السلاح والغذاء وتعمير سيناء والخوض الجدى فى مشروعات قومية وتحقيق الهوية ، فنجحت فى شل حركته وتقييد حريته ووضع كافة إمكانيات أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية فى الخندق المعادى له ليبقى كرجل تم تكبيله من يديه ورجليه بسلاسل حديدية وألقى به فى وسط أمواج البحر العاتية وطُلب إليه السباحة لإنقاذ السفينة المصرية الجانحة وهو على هذا الحال ليُثبت عجزه الكامل وفشله المؤكد فى إدارة شئون البلاد مصداقاً لقول الشاعر ( ألقاهُ فى اليَمِّ مكتوفاً وقال لهُ 00 إياكَ إياكَ أن تبتلَّ بالماءِ ) ، والغريب أن الكثيرين من أتباعه وأنصاره كانوا عبئاً ثقيلاً عليه وبدلاً من أخذهم بيديه وتخفبف الضغوط عليه إذا ببعضهم يدفعه دفعاً إلى القاع بغباءٍ مُنقطع النظير كالدُب الذى سعى لإنقاذ صاحبه من حشرة على أنفه فقذفها بحجرٍ ثقيلٍ فقتلها وهشم معها رأس صاحبه 00 وقد نجحت هذه الخطة الشيطانية التى كانت الآلة الإعلامية الجهنمية الكاذبة الخادعة الفتاكة أول أدواتها فسلَّطهاعليهم بأمضى أسلحتها من شائعاتٍ قوية وأكاذيب ذكية وافتراءاتٍ فلكية وخطة خداعٍ شيطانية إستهدفت عقول جموع المصريين حتى نجحت بإلحاحها فى اكتساب تعاطف شريحة واسعة من الشعب ودغدغة مشاعرهم بطنطنةٍ صارخة قوية وأقوال ناعمة شاعرية وأفعال خبيثة تمثيلية ووعود خادعةٍ إنشائية لعبت على جميع الأوتار وغازلت جميع الأطياف وناشدت كل الأصناف باختلاف ألوانهم وأفكارهم ومشاربهم وعقائدهم ، فاجتمع حولها الفرقاء فى ظرف استثنائى تم نسج خيوطه بدهاء شديد حجب عن المشهد أى صورة وأخرس أى صوت للآخر الذى غاب بإرادته أو بغيرها عن الساحة الإعلامية الفسيحة وآلتها الجهنمية الجبارة التى احتكرها الإنقلاب وزبانيته وبطانته لنفسه دون منازع أو مُنازل0
وليس يُساور النصيب الاعظم من المتابعين للمشهد المصرى فى الداخل والخارج ادنى شك فى أن ربيع الإنقلاب قد ولَّى سريعاً وبعجلةٍ تصاعًديَّة تتجاوز عجلة الربيع العربى التى تسعى قوى عديدة داخلية وخارجية عربية ودولية جاهدة ليس لإيقافها فقط لتحويلها إلى عجلة تنازلية تعود بعقارب الزمان ليس إلى ما كانت عليه الأحوال المصرية قبل الخامس والعشرين من يناير 2011 من فساد وجهل واستبداد فحسب وإنما إلى عقود إلى الوراء وإلى حالة من الفساد أعلى ومن القهر أنكى ومن الإستبداد أبغى ومن الظلم أعتى ، وأن بشائر خريف الإنقلاب التى لا تًخطئها عينٍ ترى أن السحر بدأ ينقلب على الساحر عملاً بالمثل الشعبى ( مَن حفر حًفرةً لأخيه 00 وقع فيها ) ، وبدأت سحابة الغَىِّ والضلال تنقشع ووجه الإنقلاب القبيح ينكشف وعوراته تتبدَّى للجميع ، وعاد جهاز الشرطة والأمن من بين ما عاد ( وبصرف النظر عن تغيير المسميات من أمن الدولة إلى الأمن الوطنى ) إلى أسوأ بكثيرٍ مما كان يراه الجميع سيئاً من قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 من قتلٍ وقهر واستباحة للأنفس والأموال والأعراض والأمن والاستقرار والإجتراء على بيوت الله بالإقتحام والحرق وعلى كتابه الكريم ، والأدهى والأمرْ أن تمكن بعض رجاله من إعتلاء منصات القضاء لنرى ما نراه اليوم من انتهاكٍ لهيبتها وعدالتها وقداستها ، ولنرى بعض رموزه الشائخة تتصدَّر الشاشات لتتحفنا بما لم نراه أو نسمع به من قبل من نفايات القول وبذاءات اللسان ، فهذا خبيراً أمنياً ( وما أكثر الخبراء والمحللين والنشطاء السياسيين فى هذه الأيام التعيسة ) ينادى بضرب المتظاهرين ( بالجزمة ) ، وذاك قرينه الخبير الأمنى الآخر ينادى بضرب أى متظاهرٍ بالرصاص ( بين عينيه ) ، وهذا هو الجيش المصرى الذى تجرى محبته فى العروق المصرية مجرى الدم وتحتل مكانته الوجدان وتسكن الثقة به فى قلوب جموع المصريين على مدار التاريخ ويراه الملاذ الأخير لهم وقت الشدائد ، نراه ينجرف دون ما أى داعٍ ولا مًبررٍ ولا منطقٍ ولا حجة للتصدى لجماهير محبيه من المصريين الثائرة على الفساد والغاضبة من هزل الحكومات والرافضة لعجيب الأحكام والقرارات والمتظاهرة ضد الظلم والقهر والإعتقالات وانتهاك الأنفس والحرمات والإجتراء على الحرائر والعفيفات ، مًستخدماً أسلحته وذخيرته لا ضد العدو المعروف لنا جميعاً وإنما ليعمل فى أهله قتلاً وسحقاً وإفزاعاً واعتقالاً وترويعاً ، حتى كدنا أن نفقد عِفَّتنا وأن تًنتهك عًذريتنا وأن تًسلب منَّا أعز ما نملك ( كرامتنا ) ولا تتبقى لنا مساحة من الثقة فى أى قطاعٍ مصرى بعد القضاء والجيش 0
وربما كان من سوء طالع الإنقلاب أن قَلَبَ من بين ما قَلَب سُنَّةً من السُنَنِ الكونية وهى سُنَّة التواصل بين فصول السنة الأربعة ، فحمل إلينا فى نفس يوم ربيعه ومولده بشائر خريفه وآيات أُفوله حيث تزامنت مقدمات موجات خريف الإنقلاب مع مولده على مرأى ومسمع الجميع فى داخل مصر وخارجها ليعترف بشرعية الوليد الجديد من بين دول العالم عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة عربياً ودولياً ، بينما اعتبرته الغالبية العظمى منها وليداً مشُوهاً غير شرعى وُلِدَ سِفاحاً من رحمٍ نجِس ، وقَدَّر بعض المتخصصين يوم مولده أن هذا الوليد لا يمكن أن تُكتب له الحياة وأنه قد استخرج فى آنٍ واحدٍ شهادتى مولده التى سجل تاريخها فى الثالث من يوليو 2013 وشهادة وفاته التى تاريخها القريب فى علم علَّام الغيوب قد تواتينا فجأةً وخارج أى حسابات منطقية أو أن تتأجل إلى أسابيع كثيرة إو شهور قليلة لا يمكن لعمر الإنقلاب أن يتجاوزها ، فالشاهد أن هذا الوليد يأبى بكل إصرارٍ وشمم إلاَّ أن يُنهى حياته بنفسه بقدر من الرعونة والطيش كبير ومن الغباء مُنقطع النظير ، وكأنما أقسم بأغلظ الأَيمان أن يقضى على نفسه بالموت السريع ( بيده 00 لا بيد عمرو ) 0
ولعل أبرز شواهد موجات الخريف العاصفة هى تلك المتناقضات المتباينة الصارخة بين الأقوال والأفعال المًتواترة المًتدفقة والتى جاء مردودها سريعاً مُتنامياً فى جميع أرجاء الشارع المصرى الذى تخرج جماهيره بشكلٍ متصاعد ملحوظ بعد أن كشف الإنقلاب عن نيته وزالت أوراق التوت عن عورته منذ الإنقلاب وإلى يومنا هذا متواصلة دون ما انقطاع ، فبعيداً عن الإجراءات الأمنية الغاشمة المتجاوزة لكل القوانين والأخلاق والأعراف ، والأحكام القضائية المُسَيْسة التى شابها الجور والإنحراف ، ولجنة الخمسين البهية التى أضاعت الحق والدين والهوية ، وحملات الكذب والإفك والبُهتان الإعلاميَّة ، نرى قائد الإنقلاب يتحدث إلينا بنعومة ألفاظه ومعسول كلماته وأحلامه ورؤاه المنامية وألحان عباراته العاميَّة التى رُبما تليق بالأدباء والشعراء والبعيدة كل البعد عن النبرة العسكرىة ، وهو يُغَلِّف حديثه غالباً بغطاء الفروسية الذى يحمل كل معانى النُبل والتضحية والشجاعة وإنكار الذات ، يُعطى نفسه الحق دون كل من لهم الحق دونه بأن يُخاطب الشعب مباشرةً قائلاً بلسان الفرد وضمير المُتكلِّم ( أدعوكم للخروج للتظاهر لتعطونى الحق والأمر أن أُواجه العنف والإرهاب المُحتَمَل ) ، وبعد أن فعل فعلته التى فعلها عاد فى لقائه بضباط الجيش والشرطة ليحول عباراته ويُبَدِل كلماته فى جرأةٍ مُتناهية على الجميع لِيُذَكِّرهم بأنه قال ( ندعوكم للخروج للتظاهر لتعطونا الحق والأمر بأن نواجه العنف و00000 ) لِيُحَوِّل بكل بساطة ( أدعوكم إلى ندعوكم ) وببساطةٍ أكبر ( لتعطونى إلى لتعطونا ) وبجرأة مُتناهية ( أن أواجه إلى أن نواجه ) فى محاولة منه لمسح الذاكرة ومسخ العقول فى صورة من صور النفاق الصريح والكذب المُباح فى وضح النهار على الجميع ، فبعد أن طلب التفويض لنفسه ولشخصه ، قلب الأمر ليجعله تفويض للجيش وللشرطة ، وبعد أن أخذ التفويض بالتظاهر خرجوا علينا بقانون منع التظاهر، ثم يقول قائد الجيش فى حديث آخر بالعامية ( تِتقِطِع إيدينا لو اتمَدِّت على مواطن مصرى واحد ) ثم نسمع ونقرأ ونشاهد من يقول بأن عدد القتلى ( 6800 ) وأن عدد الجرحى والمفقودين ناهز ( 20000 ) ورأينا الإشادة والتكريم للقتلة ولم تُقطع يد أحد بل حتى لم يُعاتَب أحد ، ولو توقفنا أمام تشبيه الجنرال قلب الأسد للجيش بالأسد ( وأن الأسد لا يأكل أولاده ) وقارناه بالواقع المشهود لوجدنا الأسد يأكل أولاده وبناته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته ، الأمر الذى يؤكد بصورة مُفزعة مع شواهد خريف الإنقلاب أن شهية الأسد أصبحت مفتوحة بشكل يفرض على قلب الأسد أن يستوعب احتمال أن الأسد من المُمكن أيضاُ أن يأكله أبناءه !!