بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية الكاردينال موريللا Morella)) من الذين ساهموا فى أعمال مجمع الفاتيكان المسكونى الثانى (1962-1965) ، وقد تم إختياره يوم 19 مايو 1964 ليترأس أمانة سر لجنة الحوار مع غير المسيحيين ، التى تفرعت منها بعد ذلك اللجنة البابوية للحوار مع المسلمين . وفى 15 يونيو 1969 أصدر وثيقة تتضمن توجيهاته للعاملين الكنسيين فى الحوار مع المسلمين جاء فيها ما يلى – علّها تعاون المسلمين المشاركين فى لجان ذلك الحوار المنبت على رؤية الوجه الآخر للعبة الحوار الكنسى مع المسلمين : ضرورة التواجد الكامل مع الآخر ، وهذا التواجد يتطلب أن نعيش معهم نفسياً في عالمهم دون أن نكف عن أن نكون مخلصين لأنفسنا ولعقيدتنا . ضرورة تغيير موقفنا الماضي القائم علي التحقير و الإزدراء. لابد من معرفة ثقافة المسلم ووسطه الإجتماعي – الثقافي ، وتاريخه ، أفراحه وأحزانه. علينا أن نعمل على تغيير عقليتنا كمسيحين في تناول هذه المهمة وإلا لأصبحت مستحيلة . علينا أن نسمع من المسلم رأيه في الإسلام عبر العصور حتي في الأوساط التي نزع عنها الإسلام ، وأن نتعلم الإستماع إليه .. فقد يعارضنا الإسلام على تطهير إيماننا وعقيدتنا وأن نكتسب وعياً أكثر حيويه بوجود الله في حياتنا . هناك موقفان لابد منهما أثناء الحوار: أن نكون صرحاء وأن نؤكد مسيحيتنا وفقاً لمطلب الكنيسة . أخطر ما يمكن أن يوقّف الحوار : أن يكتشف من نُحاوره نيتنا في تنصيره ، فإذا ما قد تم إستبعاد هذا الموقف بين الكاثوليكي وغير الكاثوليكي فإنه لم يُستبعد بعد بين المسيحي والمسلم ؛ وإذا ماتشكك من نحاوره في هذه النيه علينا بوقف الحوار فوراً مؤقتا ً، وهذا التوقف المؤقت لا يعفينا من تأكيد مواقفنا بوضوح . سيفقد الحوار كل معناه إذا قام المسيحي بإخفاء أو التقليل من قيمة معتقداته التي تختلف مع القرآن . علينا معرفة لماذا الإسلام يرفض أو يدين سر الخلاص وفقاً لما تعلنه الكنيسة. علينا أن نفهم تماماً أن الإسلام دين وأمة وثقافة وحضارة ، وأياً كان تنوع حصاد الإسلام علينا التعرف على خاصيته الحقيقية ، ذلك لأن "أمة النبي" مازالت تمثل مرجعاً روحياً يلتف حوله الجميع ، ولكن لايجب أن نغفل أن في يومنا هذا كثير من الشباب يود كسر هذا القيد ولا يعني ذلك أنه يرفض الأمة أو الدين برمته .. إن الحضارة التقنية تُهدد الإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى ، وعلينا أن ننتقد في الإسلام ما يمثل مساساً بالحرية الشخصية . إن القرآن بالنسبة للمسيحي يتضمن الفكرة التي وضعها فيه مُحمد على أنها من الله وأن عليه تبليغها ، وهذه الفكرة مرتبطة بمفاهيم وحقبه زمانية محددة وخاصة ما يعكسه القرآن من معرفه بالحقائق المسيحية .. ولدينا فِهم القرآن للتوحيد وهو فِهم يمكن أن يتقبل عدّة تفسيرات جديدة ، وعلى المسلمين أن يتوصلوا إليها عبر الحوار مع المسيحين . لايجب على المسيحي أن يناقش مصداقية أو أصالة الحديث النبوي فلن يستمع إليه أي أحد . أن عدم ممارسة المسلم لأركان الدين الخمسه لا تعني أنه لا يتمسك بدينه . أن القرآن يؤكد من جهه أن الله له مطلق الحرية على الإنسان ، ومن جهه أخرى يؤكد أن للإنسان مطلق الحرية على أفعاله – وكل علم الدين الإسلامى يتأرجح بين هذين القطبين ، ومن ذلك يجب ألا ننسى خضوعه لله . يجب تفادي الدخول في مناقشات حول ما يرد في القرآن بشأن المسيح والمسيحيه، ولنترك المسلم يتساءل عنها كيفما شاء وعلينا أن نتذكر أن قبولنا لسر المسيح يُمثل سر إيماننا . على جميع المسيحين تفادي الحديث عن مُحمد أثناء الحوار بأي إستخفاف وعدم كشف أنهم يحقرون الإسلام أو ما يحيطون به مُحمد من تبجيل . علينا بعدم التوغل في خلافات المذاهب الإسلامية وألا نفاضل بينها فالكنيسة هي التي تقدم بذلك من خلالنا وبواسطتنا . يجب ألا ننسى أن أكثر من ثلاثة أرباع العالم الإسلامي يقع خارج نطاق اللغة العربية. أن العالم الإسلامي في كل البلدان يسير نحو الحداثة ويبحث عن نماذجه في الغرب الأوروبي أو الأمريكي ، وهذا البحث عن الثقافه الغربية وأنماطها خير أرضية للحوار ؛ وأول فئة يجب التركيز عليها هم الطلبة الذين يدرسون بالخارج إذ عادة ما يكونوا قد بدأوا يتحررون من إسلامهم ، فعلينا إحتضانهم ومعاونتهم على العثور على الإيمان بالله دون أي إنتقادات . كما يوجد حالياً كثير من المسلمين الذين يحاولون تهميش إسلامهم نظراً لتكوينهم وتشربهم الثقافه الغربية ، وهؤلاء أكثر مما نتخيل . إذا ما إلتقينا ببعض هؤلاء الذين تشربوا مختلف أشكال المادية الغربية لايجب علينا أن ننتقدهم على أنهم غير مبالون أو ملاحده . علينا إدراك أن الفكر الإسلامي شديد التوغل في عقلية المسلم فهو يبحث عن العصريه وليس عن رفض الدين كليه . من أهم عقبات الحوار ما قمنا به في الماضي ضد الإسلام والمسلمين ، وهذه المرارات عادت للصحوة حالياً ، وقد أُضيفت الآن قضية إسرائيل وموقف الغرب منها ، ونحن كمسيحين نعرف ما هي مسئوليتنا حيال هذه القضية وعلينا أن نبحث دائماً عن توجه إنساني خاصة أن حل هذه المشكلة ليس في أيدينا . أن الموقف الحيادي هو دائماً أسلم المواقف إلي جانب الصراحه . لايكفي أن نقترب من المسلمين بل يجب أن نصل إلي درجة إحترام الإسلام على أنه يُمثل قيمه إنسانية عاليه وتقدماً في التطور الديني بالنسبه للوثنية. علينا بعدم تكرار أفكارنا المسبقه عن الإسلام أثناء الحوار ، ومنها أن الإسلام دين قدري ( المكتوب) ؛ أو أن الإسلام دين الخوف ، أو أنه لا توجد قيم أخلاقية في القرآن أو أنه لا تو جد قيم أخلاقية أسرية ، أو أن الإسلام دين مُتعصب قد إنتشر بالسلاح ، أو جمود الإسلام . على المسيحين الإستماع إلي ما يتم في الإسلام حالياً من تحديث بلا تعليق ومتابعة ما يتم في مجال التحديث للمجتمع المدني – وذلك ما يسعدنا . علينا مراعاة تصور المسلم عن المسيحية ورأب خلافاتنا العقائدية التي كثيراً ما إستغلها المسلمون ، لذلك يجب تفادي المناقشات حول الخلافات والتمسك بالنقاط المشتركة والتوغل منها . مراعاة سوء فهم المسلم للعقيدة المسيحية لأن العبارات الواردة في القرآن عن المسيحية تشوهها فهم ينفون التثليث وتجسد الله في المسيح ،وأي حوار في هذا المجال سيواجه بالفشل ما لم يغير المسلم من موقفه . في أي حوار يجب على المسيحي أن يقنع المسلم بأن المسيحية قائمة على التوحيد وألا يناقش أية تفاصيل فأي كلام سيقوله المسيحي تبريراً للعقيدة لن يمكنه أن يقنع به المسلم الذي لا يرى في الثالوث إلا المساس بالتوحيد ، ويستند في ذلك إلي صورة التوحيد . وقد أعطى الكاردينال كونج محاضرة في الأزهر في 31 مارس 1965 حول الطابع المطلق للتوحيد في المسيحية وإنه إله واحد ، وكم كانت دهشة الحاضرين كبيرة وسعادتهم أكبر وهم يسمعون أحد كبار كرادلة الكنيسة يؤكد ذلك ، ولا يجب فهم هذا الموقف على إنه إنكار للعقيدة المسيحية أو أن المسيحي عليه أن يتناسى عقيدته وأسرارها وخاصه أسرار الخلاص : إن ذلك ليس إلا تكتيكاً يخدم أغراضنا لأن الله واحد لكنه واحد في ثلاثة أقانيم ، وهكذا سيقوم المسلم بفهم الكنيسة وتقبلها . ضرورة القيام بفصل المسيحية في حد ذاتها عن العالم الغربي ومواقفه المُعادية ومواقفه الإستعمارية فالمسلم لم ينس ذلك بعد . على من يقوم بالحوار من المسيحيين فصل ما هو دنيوي عما هو ديني في المواقف السابقة للكنيسة والغرب من الإسلام والمسلمين والبحث عن نقاط مشتركة . أفضل وسيلة لشرح طبيعة الكنيسة هو وضعها في إطار عالميتها ومطالبتها بوحدة الناس جميعاً لخدمة الله وهكذا فإننا نقترب من مفهوم المجتمع الفاتيكاني الثاني . مازال المسلم يشك للآن في نوايا المسيحي ، وهى أصعب نقطة في الحوار لذلك لا يجب على المسيحي أن يُعرب عن عدم إكتراثه بذلك فحسب وإنما عليه أن يستمع إلي نقاط الإعتراض ، مع تمسكه في قرارة نفسه بكل عقائده الكنسية . أن الناس جميعاً ما زالت تبحث عن إجابات لأسئلة من قبيل من نحن ؟ وما المصير؟ وما جدوى الإنسان ؟ إلخ .. ويجب إدارة الحوار بحيث تقدم خلاله إجابات لهذه التساؤلات . يجب الإعتماد على الغرس الثقافي ، ولا يجب إغفال الدور الذي يقوم به الغرب في العالم الثالث من تغيير حضاري . لقد سبق لمثل هذا الحوار بين العرب المسيحين والمسلمين أن بدأ في الماضي ، في دمشق (القرن الثامن) وقرطبه (القرن الثانى عشر) وأقرب من ذلك في الشرق الأوسط ( في القرن التاسع عشر) وهو مازال يتواصل ونأمل أن يزداد في كل مكان تتواجد فيه المسيحيه و الإسلام ، ولن نكُف أبداً عن تأكيد أهمية الحوار الثقافي . لابد من إشتراك الجميع في هذا الحوار وليس العاملون في الكنيسة وحدهم. الإعتماد على تقارب وجهات النظر والنقاط المشتركة مع العمل على طمس خلافات الماضي. يجب توضيح أن من ضمن رسالة يسوع المسيح فادي البشر ، رسالة نبويه ( كما يقول المسلمون ) كمرشد للإنسانيه جمعاء لتحقيق ملكوت الرب ، وأنه "النبي" المنتظر الذي سيأتي ليحكم العالم. المسلمون يبجلون مريم العذراء أم يسوع ، وعلينا أن نقبل ذلك ، وإن كنا لا نتوقف عند هذا الحد في أم الله. أهمية الصلاة كمدخل للآب والمسيح و الروح القُدس ، ويجب مراعاة الإمتناع عن الصلاة مع المسلمين بصلاتهم هم .. وإن كان من الممكن التواجد في صلوات تلقائية كتحقيق الهدف الواحد الذي هو أن نصبح جميعاً مؤمنين (أى مسيحيين). وبعد كل ما تقدم من لؤم وخديعة فى التعامل من أجل تنصير المسلمين، لا يسعنى إلا أن أتساءل عن جدوى ذلك الحوار، ولماذا لا يوقفه المسلمون، أو على الأقل لماذا لا يفضحون نواياه المعلنة بكل صراحة وصلف بدلا من المشاركة فيه وتقديم التنازلات التى تمس الإسلام والمسلمين ؟!