أسعار اللحوم اليوم السبت 6-12-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بالأقصر    سعر الذهب في محافظه اسوان اليوم السبت 6 ديسمبر 2025،    رغم إغلاق ترامب مجالها الجوي، فنزويلا تستقبل طائرة ترحيل أمريكية    الطقس اليوم السبت 6 ديسمبر 2025.. انخفاض حاد في الحرارة وأمطار رعدية تضرب عدة مناطق    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    أولى جلسات محاكمة عصام صاصا فى مشاجرة ملهى ليلى.. اليوم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية رشوة الضرائب الكبرى    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    "قتل اختياري".. مسلسل يفتح جرحًا إنسانيًا عميقًا ويعود بقضية تهز الوجدان    ميرتس يدعو لتقاسم أوروبي موحّد لمخاطر الأصول الروسية المجمدة    ليفربول يسعى لتصحيح مساره في الدوري الإنجليزي أمام ليدز يونايتد    «توخيل» يطمئن جماهير إنجلترا: جاهزون لمواجهة كرواتيا وغانا وبنما في المونديال    منتخب مصر الأول يستعد لكأس للأمم الإفريقية بالمغرب    منتخب «طولان» جاهز للإمارات في كأس العرب اليوم    رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    مروة قرعوني تمثل لبنان بلجنة تحكيم مهرجان الكويت المسرحي بدورته 25    بشرى سارة بشأن ضريبة التصرفات العقارية.. وزير المالية يكشف التفاصيل    محاكمة كبرى لعمالقة السيارات الأوروبية في لندن.. بسبب التلاعب    إجراءات صارمة بعد فيديو السخرية من مدرسة الإسكندرية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    كشفتها الأجهزة الأمنيةl أساليب جديدة لغسيل الأموال عبر المنصات الرقمية    عائلة أم كلثوم يشاهدون العرض الخاص لفيلم "الست" مع صناعه وأبطاله، شاهد ماذا قالوا (فيديو)    «آخرساعة» تكشف المفاجأة.. أم كلثوم تعلمت الإنجليزية قبل وفاتها ب22 عامًا!    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    إعلام فلسطيني: طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف شرق مدينة غزة    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    بدائل طبيعية للمكمّلات.. أطعمة تمنحك كل الفائدة    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    شاهد لحظة نقل الطفل المتوفى بمرسى المعديات فى بورسعيد.. فيديو    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    النائب عادل زيدان: التسهيلات الضريبية تدعم الزراعة وتزيد قدرة المنتج المصري على المنافسة    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفنى عمره فى البحث والدراسة الجادة ليقدم النموذج الأمثل في البناء والرقى والحضارة
نشر في الشعب يوم 28 - 11 - 2013

ظل يكتب ربع قرن والمرض يجثو فوق صدره ليقاومه بالموسوعة الرائدة عن اليهودية
الحداثيون والليبراليون العرب اهتموا بالنموذج المادي و أنكروا الحدود باسم الحرية
رحل العبقرى الذى خلف وراءه الآلاف من الصفحات التى تعجز الأيام عن طيها..
روجيه دى باسكويه يؤكد على فشل النموذج المادى ويقول إن الإسلام هو الطريق الحقيقى للمفكر الأوروبى
هل يمكن أن ندخل المستقبل ومعه ماضينا، نحمله كهوية وذات، تحفظ لنا خصوصيتنا.. وتساعدنا على أن نجد اتجاهنا لا كعبء يثقل كاهلنا؟
يقول الدكتور «عبد الوهاب المسيرى»: هذه بعض ملامح من رحلة الانتقال فى الزمان والمكان والفكر، ثم العودة إلى الجذور.. رحلة طويلة شاقة نتيجة تأمل طويل فى الذات الإنسانية وفى الكون (واقتناع بفشل النموذج المادى فى تفسير ظاهرة الإنسان وإدراك لأهمية البعد الدينى فى حياة الإنسان).
الأطباء الأدباء!
ظاهرة قديمة حديثة عرفناها فى ابن سينا، وابن الهيثم، والفارابى، وعبد السلام العجيلى، محمد كامل حسين، إبراهيم ناجى، محمد الجوادى، والجراح الفرنسى موريس بوكاى صاحب كتاب (التوراة والإنجيل والقرآن فى ضوء العلم) وأخيرا وليس آخرا الجراح المصرى الدكتور «عمرو شريف» صاحب كتاب (رحلة عبد الوهاب المسيرى الفكرية.. قراءة فى فكرة وسيرته) من منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2006. ويقع الكتاب فى (583 صفحة).
والدكتور «عبد الوهاب محمد المسيرى» المولود فى دمنهور عام 1938، علم من الأعلام، ورائد من الرواد القلائل الذين أفنوا أعمارهم فى البحث والدراسة الجادة ليقدم لأمته النموذج المعرفى الأمثل للبناء والرقى والحضارة، وهو الباحث العظيم الذى زود العقل وأناره فعلا بعيدا عن الإفساد العقلى والتزوير والجهل. رحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى بعد معاناة شديدة مع المرض، ولكن الرجل استقبل أمر الله بكل الرضا بالقدر، وبذل كل ما فى طاقته من قوة للتغلب على المصاعب والآلام وكأنه يفر من قدر الله إلى قدر الله حتى فاضت روحه إلى بارئها.
الموسوعة اليهودية
الدكتور «عبد الوهاب المسيرى» الرجل الذى أنار العقل فعلا دون تشويش وإثارة وبلا عجرفة فارغة! إنه صاحب المؤلفات العبقرية.. رجل ظل يكتب ربع قرن والمرض يجثو فوق صدره ويلوى عنقه ويقعده بلا حراك وهو يكتب لينتهى من الموسوعة العظيمة عن (اليهودية)، ينتهى منها قبل أن يموت كما أخبره الطبيب الأمريكى، ثم يأنس إلى زوجته السنة الأخيرة ثم يرحل! ولكنه رحل فى الأوان المعلوم والأجل المحدد، رحل العبقرى الذى خلف وراءه الآلاف من الصفحات التى تعجز الأيام عن طيها..
المسيري وجمال حمدان
رحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى كما رحل العالم الفذ «جمال حمدان»، والذى لا نعلم جميعا لماذا وكيف قتل؟! نعم، يرحل الأفذاذ من الرجال فى هدوء ويخلفون لنا الحسرة والألم والانتظار! غير أن أعمالهم باقية وحبنا لهم لا ينقطع حتى نلقاهم غير خزايا ولا مفتوتين. والحمد لله رب العالمين الذى هيأ للدكتور عبد الوهاب نابغة هو الدكتور «عمرو عبد المنعم شريف» ليعد هذا الكتاب الرائع عنه وقد تركه (ليقدم لرحلته بنفسه) منهجا مفيدا. نعم، منهج مفيد لسبيين:
أولهما- أن نرى الدكتور «عبد الوهاب» من داخله وهو يعرض علينا باطنه.
ثانيهما- أن نتعلم كيف تكتب السيرة الذاتية بعيدا عن قصة الحياه الخاصة. وهى النوع السائد الذى يهتم به القارئ العادى لأنها قد تحوى بعض النقائص والعيوب وقد تجاوزها إلى ما لا يفيد كما يحدث فى الغرب!
العولمة وما بعد الحداثة
هذا من ناحية المنهج الذى أيده الباحث الدكتور «عمرو».
أما من حيث اختياره النماذج الدالة على المنهج، فهى تتحدث عن نفسها بوضوح، غير أن الباحث شملها بعنايته وأشعرك أنه معك فى كل سطر ولكنه لا يسيطر عليك ولا يقول لك قف أو انظر مطلقا، إنه يحرص على ألا تراه رغم أنه بجوارك. منهج متميز عظيم لا يقدر عليه إلا القلم الموهوب. نعم، لقد حاول الباحث أن يبسط لنا ما يقوله العالم الدكتور «عبد الوهاب»، والحقيقة أن مؤلفات الدكتور المسيرى تحتاج إلى من يبسطها لنا أو يشرحها خاصة فى زمن تسود فيه (العولمة وما بعد الحداثة وطمس الهوية) كما جاء بالفقرة قبل الأخيرة من الصفحة رقم (13) من الكتاب. وعلى المائدة الآن (150 ثمرة) قطفها فى أوانها الدكتور الجراح «عمرو شريف»! وما أحلى الثمرات التى قطفت! الوجبة دسمة للغاية ومخالفة لأبسط قواعد (الرجيم)!!
نموذج التدوير
ومن ألطف الثمرات أن يتكلم الدكتور «عبد الوهاب» عن نموذج التدوير الذى يجب أن يحل محل نموذج التبديد! هذا الأ نموذج الردىء السفيه الذى لا يدل إلا على سلوكيات منحطة لا تليق بالفرد، وعلينا أن نلقى بأقل القليل فى سلة المهملات أو صندوق القمامة وأن نُدوّر بقية الأشياء: (أوراق الجرائد - علب الأكل المحفوظ - قشر البطيخ ولبه - بقايا الطعام)، وكل شىء يمكن إعادة توظيفه! نحن أمام (مفكر) يريد إصلاح منظومة فسدت بفعل فاعل كانت تحكم المجتمع الدمنهورى -شأنه شأن المجتمعات التقليدية- إنه يرفض التبديد ويقدر نعمة الله، ولكن الأمر تدهور الآن وراح الأطفال ضحية الجريمة المنظمة التى تسمى «أعياد الميلاد»، فيذكر أن زملاء حفيده فى الفصل 25، وهذا يعنى أنه سيحضر 25 لعبة لزملائه فى عيد ميلاد كل واحد منهم، وهم بدورهم يفعلون الشىء نفسه فيصله فى عيد ميلاده عدد مخيف من اللعب البلاستيكية الجاهزة الحالية، فلا تنمى موهبة ولا خبرة، بل تمثل عبئا بيئيا كبيرا عند التخلص منها!
ويضيف: «عند عقد زفاف ابنى عرفت أنه سيتبقى الكثير من الطعام، فذهبت إلى السيد المدير المسئول فى الفندق وسألته عما سيحدث لبقايا مأدبة العشاء فأجابنى بعجرفة غير عادية garbage، أى «قمامة» فقلت له بهدوء شديد إنى ضد التبذير، وإننى سأحضر لك كراتين كبيرة وأوانى وحللا لأخذ ما تبقى لتوزيعه على المحتاجين فى المنطقة التى أسكن فيها، فنظر إلى بامتعاض شديد بحسبانى شخصا غير متحضر، ولكننى أصررت على موقفى فتحول الزفاف من لحظة تبديد وقمع إلى لحظة تدوير ورخاء ومشاركة».
المصرى المعتز بإسلامه وعقيدته
ذلكم هو «عبد الوهاب المسيرى» الذى وضع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصب عينيه فعلا وتم تفعيل الحديث فى الحقيقة والواقع؛ «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فضل طعام، فضل ركاب، فضل أى شىء) والأمة العربية الإسلامية ترمى -خاصة بلاد النفط- ما تبقى من الطعام مهما كان حجمه فى صناديق القمامة! ولقد اندهش الدكتور السفير «مراد هوفمان» وهو فى زيارته إلى بيت الله الحرام من هول ما يرى! وقال فى نفسه «الحمد لله الذى هدانى إلى الإسلام قبل أن أرى هذه السلوكيات»!
و«عبد الوهاب المسيرى»، طالب الدكتوراه أمام لجنة المناقشة فى جامعة كولومبيا بأمريكا، قدم نظرية «عبد القاهر الجرجانى» فى النقد والبلاغة، رغم أنه لم يسأل عنها وموضوعه «مسائل فى الشعر الرومانتيكى الإنجليزى»، ولكنه أصر على أن يسمعهم نظرية النقد والبلاغة فى الأدب العربى!! وقد سمعوا له ومنح الدكتوراه بامتياز! ذلكم «عبد الوهاب المسيرى» الدمنهورى المصرى المعتز بإسلامه وعقيدته وتراثه الأدبى والأخلاقى ولم لا؟ وهو الذى أصر على أن يرتدى الجلباب فى أثناء تودعيه عائدا إلى بلده. وكثيرا منا يخجل من أن يرتدى جلبابه وهو يقضى من السوق حاجاته!!
الحياة بدون الصلاة لاقيمة لها
الحياة بدون الصلاة والزكاة لا معنى لها، وكانت مفاهيم المجتمع التقليدى ترفض الرغبة فى المتعة فى حد ذاتها بدون هدف أخلاقى أو عملى! أما الآن فالفرح مثلا أصبح هو اللحظة غير الإنسانية التى يتم فيها استعراض الثروة والتباهى بها وتزداد فيها حدة الصراع الطبقى بعد أن كان اللحظة الإنسانية التى يتم فيها إسقاط الحدود الاجتماعية مؤقتا، ويتم فيها تقليل حدة الصراع الطبقى ليعبر الجميع عن إنسانيتهم المشتركة.
ويعد الدكتور «المسيرى» أن (التراحم) كإطار مرجعى نهائى يظهر فى موقف الفقراء من الزكاة؛ فهم يعدونها حقا، وهى حق فعلا للفقراء قد أمر به رب العزة وفصّله رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما كانت كلمة الشرف فى التجارة كلمة مرجعية نهائية!! ولما وقعنا فى قبضة التعاقد خسرنا الثراء والدفء والسعادة!
مفهوم التعاقد .. ومفهوم التراحم
ويروى الدكتور «المسيرى» قصة المرأة الأمريكية التى أرادت الخروج من بيتها فاستدعت أمها لتجلس مع طفلتها، وعندما عادت أخرجت دفتر الشيكات لتعطى أمها شيكا بقيمة عشرة دولارات أجرا لها!! لقد ضيع مفهوم التعاقد مفهوم التراحم، وكثيرا جدا ما نخرج من عالم التراحم إلى عالم التعاقد! وتتحول الأشياء من (كيف) إلى (كم)، أى من قيمة إنسانية إلى قيمة محددة (ثمنية) وأصبحنا نفض غلاف الهدية ونعرضها على الملأ!! (ليعرف الناس جميعا قيمة وثمن الهدية) إنك لا يمكن أن ترى الأشياء بوضوح إلا من خلال القلب؛ فكل الأمور الجوهرية غير مرئية، وكل الأمور الجوهرية هى الأمور الإنسانية وما عدا ذلك فأمور طبيعية مادية.
الأشكال الحضارية الحديثة
كل ما أريد تأكيده هو أن المجتمعات التقليدية كانت تحتوى منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها إلى مزيد من السعادة، وأن الأشكال الحضارية الحديثة (عادة المستوردة) ليست الأشكال الحضارية الوحيدة، بل هى أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئا، والأهم من هذا أنها قد تكون أكثر تجذرا وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. إن المشكلة التى تواجهنا هى: هل يمكن أن ندخل المستقبل ومعه ماضينا، نحمله كهوية وذات، تحفظ لنا خصوصيتنا وتساعدنا على أن نجد اتجاهنا لا كعبء يثقل كاهلنا؟
كانت جدتى «نازلى» -رحمها الله- تعد نفسها فى السنوات الأخيرة من حياتها (المنزل العودة)! «تعبير يدل على قمة الإيمان» فبدأت فى توزيع ما تبقى لها من أشياء الدنيا ومرة لمحت فى دولابها الخشبى (المتهالك) [كأنه يتحدث عن أمى رحمها الله] قماش كفنها الأبيض والأخضر، ويمكن مقارنة ذلك بموقف الأمريكيين من الموت ورفضهم الشديد له وخوفهم العميق منه، ويعتبر هذا علامة على (عدم النضج )! لاحظ هذه الكلمة جيدا.
طعم المرض والموت
ذقت طعم المرض والموت لا كمقولات مجردة، وإنما كتجربة عشتها بنفسى وتعرضت للطب التعاقدى فى أمريكا!! أنا الذى لم أعد أحدا فى مرض إلا نادرا، تعلمت أهمية أن يقف المرء إلى جوار الآخرين فى لحظات الشدائد، ومن السمات الأساسية فى الحضارة الغربية الحديثة بل أهم سلبياتها النسبية المعرفية والأخلاقية؛ أصبح الإنسان بلا مرجعية، شخصا غير قادر على الحكم، فالنسبية تنزع القداسة عن العالم وتجعل كل الأمور متساوية فالظلم مثل العدل. تآكلت المعايير الأخلاقية والاجتماعية وترك الإنسان بلا معيارية (أى بلا مقاييس يحتكم إليها. أصبح للرجل عشيق لا عشيقة!!
إنكار الحدود باسم الحرية
الغريب أن الزوجة والأولاد موافقون وسعداء! وأى تدخل سيكون إهدارا للحرية والحق فى الاختيار، وعلى المعترض أن يتحلى بسعة الأفق! (مجتمعات ثرية يائسة).
تأمل هذه الجملة القصيرة «35% من شباب أمريكا مصابون بأمراض نفسية»، الفنون أصيبت بالعفن وأصبحت تعنى التحرر من الحدود الإنسانية ذاتها (نسمع من مدة طويلة عن المرأة المصرية التى تحاول جاهدة أن تطبق هذه الأفكار). وكنتيجة لإنكار الحدود باسم الحرية المطلقة والإبداع غير المتناهى. [والكلام مهدى على الجملة إلى رواد الحداثة وما بعد الحداثة من أمثال كمال أبو ديب وعلى حرب ومحمد عابد الجابرى، ومحمد أركون، وأحمد عبد المعطى حجازى، وغيرهم].
رحلة الانتقال فى الزمان والمكان
هذه بعض ملامح من رحلة الانتقال فى الزمان والمكان والفكر ثم العودة إلى الجذور رحلة طويلة شاقة نتيجة تأمل طويل فى الذات الإنسانية وفى الكون واقتناع (بفشل النموذج المادى فى تفسير ظاهرة الإنسان وإدراك ماهية البعد الدينى من حياة الإنسان).
فشل النموذج المادى
إن اعتراف الدكتور (عبد الوهاب المسيرى) بفشل النموذج المادى اعتراف يضعه فى القمة بين أبناء عصره وجيله وبلا منازع، بل هو بهذا الاعتراف يؤكد براعته كباحث وأستاذيته كعالم؛ لقد استطاع الدكتور «عمرو شريف» بمنهجية رائدة أن يجعلنا نعيش مع الدكتور «عبد الوهاب المسيرى» لحظات تأمله وقلقه وحيرته وتساؤلاته.
خطونا معه خطواته الأولى فى التعليم الإلزامى ثم الثانوى ودخلنا معه جامعة الإسكندرية وزرنا معه مكتبة البلدية والتى عرفها جيل الرواد من أدباء البحيرة مثل الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله، والأستاذ سعد الدين وهبه، والأستاذ أمين يوسف غراب وغيرهم.
زرنا معه مكتبة البلدية وتعرفنا إلى ملامح المجتمع الدمنهورى كمجتمع تقليدى، وعرفنا عن قرب صنعة الأب والجد وكيفية التعامل مع من فوقهم من البشر، ومن هم دونهم كذلك. تعرفنا إلى ملامح الزمن الجميل الذى مضى ولم يبق منه إلا رائحته تشمها فى الآباء أو الأجداد.
كم تمنيت فى قرارة نفسى وأنا أعرض لهذا الكتاب الجميل الأخاذ أن يكون «عبد الوهاب المسيرى» لا يزال حيا حتى أقول له ما قاله سفير السويد السابق بالمغرب للصحفى السويسرى الأشهر «روجيه دى باسكويه» أو (سيدى عبد الكريم حاليا)؛ قال فى معرض حديثه معه: «الإسلام هو الطريق الحقيقى للمفكر الأوروبى»، وهو بهذا يؤكد ما قاله الدكتور «عبد الوهاب المسيرى» بفشل الأنموذج المادى، وأهمية البعد الدينى فى حياة الإنسان. لقد سقطت النماذج كلها إلا النموذج المعرفى المستمد والقائم على القرآن الكريم والسنة المطهرة، نموذج معرفى متكامل بذاته، نموذج حضارى فعلا.
الأمم من حولنا تسقط
بقى لنا أن نعرض الإيمان العقلانى الذى أكد لنا الدكتور عبد الوهاب أنه أساس إيمانه، بل زاد فى وصفة وقال: «يمكن أن يوصف بأنه جاف»، وقال أيضا إنه لا يشعر بشىء يشبه شعور الصوفية ولا ينفعل دينيا إلا نادرا.
ما عرضنا له هو كلام الدكتور «المسيرى» فلا كلمة واحدة تخص الباحث ولا تخصنى إلا أشارنا إليها من قبل، فالمتحدث هو الدكتور عبد الوهاب المسيرى الذى أجبرنا على:
أولا- فحص معرفتنا.
ثانيا- التوقف عن الهزل.
ثالثا- أن نعتبر أن الأمم من حولنا تسقط، ولكن أننا كأمة نذبل؛ لأننا الأمة التى أراد الله لها أن تكون الأمة ألشاهدة على الأمم.
سقطت كل النماذج المعرفية المادية ولم يبق إلا النموذج القائم على الأخلاق والمستمد من كتاب الله وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- إنهم يبحثون الآن عن تفعيل المفهوم الأخلاقى فى جميع الأنشطة (سياسية - اقتصادية - اجتماعية... إلخ) تأسيسا لما قاله سيد المرسلين: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ثنائية الإنسان
سنحاول الآن أن نتكلم عن سبب الهزة النفسية التى أصابت الدكتور «عبد الوهاب» قبل إداركه ثنائية الإنسان، وقد يختلف البعض معى بخصوصه، والاختلاف أمر قائم بين عباد الله مادامت السموات والأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
بيئة برجوازية متدينة
عاش «عبد الوهاب المسيرى» فى بيئة برجوازية متدينة، شأنه فى ذلك شأن معظم الناس فى الدلتا، يعلمون بالزراعة بشكل عام، والبعض منهم يعمل بالتجارة وهم قلة باستثناء مدينة دمنهور والتى عرفت بالتجارة من قديم.
ويقول فى سيرته غير الذاتية إنه جوّد القرآن، وهذه نتيجة البيئة الدينية التى نشأ فيها «عبد الوهاب المسيرى»، ولقد ذكر الدكتور «نظمى لوقا» -وهو من أبناء دمنهور- أن والده أصر على تعليمه العربية الفصحى من خلال حفظه القرآن الكريم عن طريق محفظ الكتاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.