روسيا تفرج عن سفينة مصرية محملة ب 63 ألف طن قمح بعد احتجازها أكثر من شهر    البنك المركزي المصري يصدر قواعدا جديدة لتملك رؤوس أموال البنوك وعمليات الإندماج والاستحواذ    الاقتصاد الأمريكي يضيف 175 ألف وظيفة في أبريل ومعدل البطالة يرتفع إلى 3.9%    «المركزي للتعمير» ينفذ محور الخارجة/ سوهاج بطول 142 كم    موظفون ب ميتا ينتقدون تحيز الشركة ضد المحتوي الداعم لفلسطيني    بعد الانتصار على التعاون، ماذا يحتاج الهلال للفوز بالدوري السعودي؟    غيابات مؤثرة تضرب بايرن ميونخ قبل مباراته أمام شتوتجارت    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    العناية الإلهية تنقذ شابا انقلبت سيارته في ترعة يالغربية (صور)    فيلم السرب.. أحمد السقا يوجه الشكر لسائق دبابة أنقذه من الموت: كان زماني بلوبيف    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    تخصيص 8 مكاتب لتلقي شكاوى المواطنين بالمنشآت الصحية في الوادي الجديد    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا مستمرة .. فيديو    الروس والأمريكان في قاعدة عسكرية واحدة .. النيجر على صفيح ساخن    أمين القبائل العربية: تأسيس الاتحاد جاء في توقيت مناسب    طليعة المهن    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    هل تتكرر قصة تشافي؟ توخيل: هذا ردي بشأن الاستمرار مع بايرن    استقبال حافل من جمهور مني الشاذلي لأبطال فريق الجودو.. فيديو    مدير مشروعات ابدأ : طرح مشكلات المستثمرين على موقع المبادرة وحلّها لإتمام أنشطتهم    ميكانيكي يشعل النار في أرض زراعية بأسوان بسبب خلافات جيرة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    تشيع جثمان عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف    بالإنفوجراف.. 8 تكليفات رئاسية ترسم خريطة مستقبل العمل في مصر    الأمين العام للأمم المتحدة: أشعر بالصدمة إزاء مقتل الصحفيين في حرب إسرائيل على غزة    إلهام شاهين تحتفي بماجدة الرومي بعد إحيائها حفلا بقصر عابدين: نورتي بلدك الثاني    باتمان يظهر في معرض أبو ظبي للكتاب .. شاهد    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    دعاء يوم الجمعة عند الغروب.. استغل اليوم من أوله لآخره في الطاعات    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    رغم تحذيرات دولية.. هل تقتحم قوات الدعم السريع الفاشر؟    حسن بخيت يكتب عن : يا رواد مواقع التواصل الإجتماعي .. كفوا عن مهاجمة العلماء ولا تكونوا كالذباب .. " أليس منكم رجل رشيد "    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    مُنع من الكلام.. أحمد رزق يجري عملية جراحية في "الفك"    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    الصحة: تكثيف الرقابة على أماكن تصنيع وعرض وبيع الأسماك المملحة والمدخنة    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    موعد بدء امتحانات الصف الخامس الابتدائي آخر العام 2024 محافظة القليوبية    أخبار الأهلي : اتحاد الكرة يعلن عن تطور جديد في أزمة حسين الشحات ومحمد الشيبي    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    محافظ الغربية يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يستقيم المعنى مع الحدث؟
نشر في الشعب يوم 09 - 03 - 2008


بقلم: د. بثينة شعبان

كيف يستقيم المعنى بأن المدمِّرة الأمريكية يو إس إس كول قادمة إلى الشواطىء اللبنانية من أجل دعم الاستقرار في المنطقة؟ ولكنّ المعنى يستقيم حين يقال إن المدمِّرة قادمة من أجل إلحاق الدمار بالمنطقة، فهذا كل ما فعله من قرّر إرسالها طوال هذا القرن الدموي. كما أن المعنى لم يستقم، حين رفدت الولايات المتحدة إسرائيل بملايين القنابل العنقودية قبيل نهاية الحرب على لبنان، «حرصاً على إحلال السلام»، فزرعت إسرائيل هذه القنابل لتسببّ كلّ يوم الموت لأطفال ورجال ونساء جنوب لبنان دون أن يحلّ السلام أبداً، ولم يحدث سابقاً أن حلّ السلام بالمدمِّرات، والقنابل العنقودية، والمجازر الدموية، كما أن المعنى لا يستقيم حين أرسلت ألمانيا غواصات نووية إلى إسرائيل عشية الحرب الأخيرة التي شنتها على شعب لبنان، كما أن المعنى لا يستقيم حين ترسل الولايات المتحدة مدمِّرة حربية في الوقت الذي تذبح فيه إسرائيل، على مرأى العالم المتحضر، أطفال فلسطين، وحتى الرضع لم يسلموا من محرقتهم، بينما تستخدم الولايات المتحدة كلّ سطوتها في مجلس الأمن كي تمنع حتى توجيه اللوم إلى إسرائيل، ولكن المعنى يستقيم، حين نقرأ تصريحات جلادي الشعب الفلسطيني، اولمرت، وباراك، وتسيبي ليفني، ونائب وزير الحرب الإسرائيلي متان فلنائي، بأنهم سوف يشنون محرقة كبرى على الفلسطينيين، وأن الفلسطينيين سوف يدفعون ثمناً باهظاً في المستقبل القريب. والسؤال هو «ثمناً باهظاً» لماذا؟ لإطلاق الصواريخ، كما يدعون؟ لقد ارتكبت إسرائيل في القرنين الماضي والحالي أبشع المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني، قبل اختراع الصواريخ وبعدها، هل كانت هناك صواريخ عندما ارتكبوا مجازر دير ياسين، وقبية، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وعندما يقصفون الأطفال في مدارسهم وهم يدرسون، وفي فرشهم بمنازلهم وهم نائمون؟ الحقيقة اليوم، هي أن هذا الحشد العدواني للقوة العسكرية الإسرائيلية، والأمريكية تهدف إلى الاستمرار بمخطط إبادة الشعب الفلسطيني إبادة جماعية، وذلك للاستيلاء على أرضه، ومياهه، وتاريخه. وفي الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل أبشع أنواع المجازر بحق الشعب الفلسطيني، الذي يعاني صنوف الحرمان والتعذيب والتنكيل منذ عشرات السنين تحت احتلالها العسكري البغيض، فإنها ترتكب جريمة تهويد القدس، وفتح كنيس في المسجد الأقصى، وتهجير الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، على حدّ سواء، من القدس، في محاولة لإجهاض حقوقهم التاريخية فيها، وتقوم إسرائيل بكلّ ذلك معتمدة على الضعف المستشري في أوصال الكيان العربي، وإغراقه بتفصيلات هامشية، لن يتذكرها أحد في المستقبل، كما أن أحداً لا يتذكر اليوم العوامل، التي آلت بالمسلمين إلى وضع حرقت فيه بيوتهم، ومساجدهم، ومكتباتهم، وُقتلوا وشرّدوا من الديار، وعانوا من القتل، ومحاكم التفتيش لأن قادتهم عجزوا عن إيجاد الحلول لاختلافاتهم، بل كانوا يمعنون، والعدو على الأبواب، في إغراق الأمة بالخلافات، وبحياكة المؤامرات، بما فيها التواطؤ مع العدو، لإضعاف بعضهم البعض، فانتهوا جميعاً نهاية غير محمودة العواقب.

كما كان شأن الاستعمار في القرن التاسع عشر، فإن استعمار القرن الواحد والعشرين، لا يختلف عنه بشيء سوى إضافة الطائرات إلى المدمرات، وباستخدام آلة إعلامية تحاول ذرّ الرماد في العيون، عبر الحديث عن قيم وأخلاق وأهداف إنسانية، ولكن أيضاً بربط بعض العرب مصير أمتهم بهذه الآلة العسكرية الهوجاء، القادمة لإخضاع العرب للمصالح الإسرائيلية، مبرّرين ذلك بأشكال مختلفة، ومبرزين أسباباً تلبسُ لبوسَ الوطنية، والمصلحة العامة، ولكنها في واقع الأمر تدمّر الأوطان والشعوب. والسؤال بعد كلّ الأسلحة التي تمتلكها إسرائيل في المنطقة، وبعد كلّ المجازر والجرائم التي ترتكبها يومياً بحقّ شعب فلسطين، الذي ظلّ عشرات السنين ينتظر عدالة الغرب وحمية العرب، هو: لماذا يشعر طغاة الديمقراطية الأمريكية بالحاجة لاستقدام المدمِّرات والأساطيل الحربية؟ وما هي حاجتهم للمزيد من تقنيات القتل والدمار، مما لا يمكن لهم نقله بالطائرات؟ لعلمي، ليس هناك في المنطقة من هو مستعدّ لتهديد المصالح الغربية بجيوشه وأساطيله وطائراته! إن كلّ هذا الحشد، وكلّ هذه المجازر الإسرائيلية اليومية، تشير إلى الاحتدام بين الحرب الصليبية، التي أعلن عنها بوش منذ سنوات، وبين التوق العربي للحريّة والكرامة، الذي يبدو أنه يأخذ هذه المرة أيضاً أشكال اعتداءات عسكرية جديدة تقوم بها كعادتها منذ قرنين القوى الغربية ضدّ المصالح والحقوق العربية، وقد تفعل ذلك خلال أيام أو أسابيع، ولكنّهم لو تأملوا أين ستأخذ العالم مثل هذه الجرائم، التي ترتكبها القوى الغربية ضدّ الشعب العربي، منذ تأسيس إسرائيل وحتى اليوم. فماذا يمكن أن يفعلوا أكثر من قتل الأطفال وهم رضّع، وقتل الأولاد وهم يلعبون كرة القدم (انظر جريدة الاندبيندنت البريطانية 29 فبراير 2008)، وحرق قلوب الآباء الذين يستصرخون العالم "دخيلكم أولادي"، والأم الفلسطينية المفجوعة، التي تخاطب ضمير العالم «المتحضّر»، والعالمين العربي، والإسلامي، وكذلك «الديمقراطي» جداً على حدّ سواء: "أو لا ترون كيف نُذبح، ماذا نفعل، لماذا تقبلون بهذا"، وبعد، كلّ هذا الألم الذي يذيب الجبال حوّل الفلسطينيون الأبطال الجدار العنصري إلى لوحة لمعاناتهم، حيث يعبّر الشعب الواقع تحت الاحتلال البغيض عن غضبه ومعاناته للعالم. وماذا سيفعل طغاة الديمقراطية الأمريكية أكثر من دعم وتمويل، وتسليح نظام الاستيطان الإسرائيلي للقيام بسجن جماعي لمليون ونصف مليون فلسطيني في غزة، ومثلهم في بقية فلسطين. ومع ذلك امتدت سلسلة بشرية من الأطفال، والنساء، والرجال، من رفح إلى بيت حانون ضدّ سلاسل الاحتلال، ورغم كلّ الغطاء الديمقراطي الأمريكي لجرائم إسرائيل، أصدرت محكمة الضمير في بروكسل بعد جلسات امتدت أيام 22 و23 و24 من فبراير حكمها ب "إدانة إسرائيل بجريمة الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وجريمة الإبادة خلال عدوانها على لبنان في حرب يوليو 2006، وتعهدت أحزاب ووفود دولية وبرلمانيون بتنفيذ الحكم. كما دعت الوفود في بروكسل إلى مقاطعة كلّ الشركات التي تتعاون مع إسرائيل في تدمير منازل الفلسطينيين، أو إشادة مستوطنات على أنقاض القرى والأحياء الفلسطينية. وترافق كلّ هذا مع دعوة وزير داخلية ألمانيا جميع الصحف الأوروبية بنشر الرسوم التي تحاول الإساءة للرسول العربيّ صلى الله عليه وسلم، بعد ان رأى انعدام أي موقف للحكومات العربية، والإسلامية، في الدفاع عن مقدساتها، ولذلك اندفع، وفق التقاليد النازية المتميزة بالهوس والتشنج، للتعبير عن عقيدته العنصرية، بعدم وجود المساواة بين البشر في الكرامة، وإذا كان لي أن أربط مع هذه الأحداث التي تجري في منطقتنا حدثاً واحداً، ولكنه معّبرٌ جداً على الساحة الأمريكية لإعطاء المصداقية لاستشفاف آفاق المستقبل، فإنني أريد أن أشير هنا إلى الصورة التي نشرها القائمون على حملة هيلاري الانتخابية للمرشح الرئاسي باراك أوباما، وهو يرتدي الزيّ الكيني أثناء زيارته إلى كينيا في عام 2006، وذلك للتشهير به عبر البوابات الإلكترونية التابعة للمرشحة هيلاري كلينتون، لأنه يحترم جذوره الإسلامية، بالطبع المطلوب هو تأجيج المشاعر العنصرية ضدّه، مع أننا رأينا الرئيس بوش منذ فترة وجيزة يرتدي العباءة العربية أثناء زيارته الأخيرة إلى المنطقة، وقبلها ارتدى القلنسوة اليهودية.

إن العرب مقبلون على أيام صعبة تحاول الولايات المتحدة ان تحسمها بطريقتها الدموية المعهودة من خلال القوة العسكرية الغاشمة بتقديم المزيد من الدعم لإسرائيل، بهدف تحطيم الكيان العربيّ كلّه دون استثناء، فالصراع قائم اليوم بين العرب الذين يكافحون من أجل حقّهم في الحريّة والكرامة، وبين من يحاول قهرهم بالحديد والنار الهمجية، بهدف احتلال أرضهم وإذلالهم ونهب ثرواتهم.

ولكن الإعلام الذي يحاولون استخدامه لإخفاء الحقائق وتشويهها يوصل بعضاً من واقع الأمور إلى كلّ أفراد الأسرة الإنسانية في كلّ مكان، وهي كفيلة بإعادة الثقة، بأن الحضارة البشرية لن تكون إلا لصالح الكرامة والعدالة، مهما كانت الأحداث في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة، فإن التهديد الذي يمثله قدوم المدمِّرة الأمريكية، سيقنع من لم يقتنع بعد، بضرورة التضامن العربيّ، وبواجب الوقوف مع الشقيق ضدّ قوى البغي والعدوان والاستيطان، والعنصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.