الفاتحة على روح سقراط الفيلسوف اليوناني ، ودعاء له بالرحمة والمغفرة بعد مرور 2380 عاماً على رحيله .. فهو القائل (تكلم .. حتى أراك) .. أتذكر هذا وأنا أرى وأسمع فتاوى المشايخ والدعاة السلفيين وتصريحات المتحدثين الإعلاميين والرسميين لتلك الحركة .سنتغاضى عن رأيهم في الآثار والتماثيل الفرعونية التي لم يهدمها الصحابي عمرو بن العاص حين فتح مصر أو غطاها بالشمع كما يقترحون إذا ما وصلوا لسدة الحكم ، وسنتفهَّم فرحتهم واستعجالهم بممارسة دورهم الدعوي قبل أن يُشرِّعوا قوانين برلمان شكلوا فيه نسبة ملحوظة ؛ وبهذا لن نستغرب اقتحام أحد دعاتهم حفلاً غنائياً للمطرب هشام عباس ومطالبته بإلغائه لأن به رذائل وهو نفس الداعية الذي رد الجميل لجامعة القاهرة حين استضافته فوصفها بأنها أُسِست لتغييب شرع الله منذ مائة سنة ، وبالتالي سنتفهَّم ظهور جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر ، رغم إنكار السلفيين انتمائها لهم والقول بأنها دعاية مضادة ، وسنتجاوز عن سلوكهم ضد المسيحيين الذين لن يهنئونهم بعيد الميلاد المجيد لوجود حاجز نفسي بينهما كما ذكر الأصيل رئيس حزب الأصالة السلفي .. لن نتوقف كثيراً أمام تصريحات متحدث الدعوة السلفية بالإسكندرية تجاه أدب محفوظ ووصفه بأدب (الرذيلة) ، أو مهاجمة أعضاء الجماعة السلفية لستة أضرحة بقليوب وهدمها بدعوى أنها حرام شرعاً فيما وصفوها بغزوة الأضرحة ، لن نتحدث عن رأيهم بعمل النساء المصريات اللاتي تنزلن غالبيتهن للعمل مساهمةً منهن في مصروف البيت ولدواعي اقتصادية قبل دعاوى التحقق والبحث عن الذات والمساواة وتمكين المرأة .وبالمثل .. سنتفهم تلك الحالة أكثر حين تغازل قطاعات في مجتمعنا تلك الصحوة الدينية ذات النكهة السلفية ، كشكوى موظفي وزارة الثقافة لوزيرهم بطباعة أشعار كفافيس التي وصفوها هُم أيضاً بأنها أشعار تحث على (الرذيلة) ، أو بقيام 65 مضيفة من مضيفات مصر للطيران برفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة يطالبن فيها بإصدار حكم قضائي يلزم كل من وزير الطيران ورئيس الشركة بالسماح لهن بارتداء الحجاب وهن اللاتي تعاقدن على هذه الوظيفة بشعورهن الهفهافة ، وكذلك تناثر أخبار عن تنشيط الدراما الدينية ببطولة الفنانات التائبات (من إيه؟) والعائدات للعمل الفني في تلك المسلسلات .في جُعبة الأخوة السلفيين فقرات بدأوا في في أدائها بتصريحاتهم وممارساتهم آنفة الذكر ، وسيستمرون فيها .. خاصة وأن مشايخ السلفية المصرية لا يقاومون شهوة الحديث والكلام لخروجهم من خلفية دعوية عمادها الخطابة والتحدّث ، وبالتالي سيتحدثون ويتحدثون .. فيبينوا عن أنفسهم ، فنراهم ونتذكر فيهم قول نبينا الكريم (ص) : (وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصاد ألسنتهم) .. ففضلاً أيها المشايخ والدعاة تكلموا وتحدثوا عن تحريم عمل المرأة الذي سيواجه بالرفض من الرجال قبل النساء لخصومته للواقع ومقتضياته ، أو لتتحدثوا عن هدم أضرحة الحسين والسيدة وسائر آل البيت النبوي (معاذ الله ولا قدّر) المتشرِّفة مصر بهم واللذين يلجئ المصريون لهم لطلب العون والمدد للصبر على شدائد المعيشة وضنكها ، وبالتالي سيقف حب المصريين الذين ينتمون للمذهب السني (وليسوا شيعة) لآل البيت النبوي ونفورهم من التشدد والغلواء سداً أمام مد هذا التدين الصوري . إن الشفائف وتلك التفاصيل الصغيرة هي كعب أخيل الشخصية المصرية .. تماماً مثل سيجارة الصبح على غيار الريق .. مزاج مصري لا يمكن الاستغناء عنه رغم استنكار الزوجات : (طب بل ريقك يا أخويا الأول قبل ما تدخن !!!) ، وأبداً لا يُبَل الريق ولا يُضبط المزاج إلا بإرتشاف تلك الصغيرة وهي نفسها التي يتأفف المصريين في نهار رمضان من امتناعهم عنها رغم حرمانهم من الطعام والشراب والجنس طوال فترة صيامهم ، فيضيق خُلقهم بسبب الشوق لتلك الصغيرة التي على ضآلتها تعد أحد دواعي البهجة .قد يصبر المصري على الجوع والعطش ولكنه لا يستغنى عن دواعي البهجة وآليات المقاومة لكافة الاحباطات الأخرى وسائر منغصات الحياة وهو ما سيبحث عنه المصريين في وعيهم الجمعي تديناً وثقافةً وأسلوباً للمعيشة ، خاصة بعد أن يشعر الذين أدلوا بأصواتهم للأحزاب السلفية ليضمنوا جنة الآخرة بافتقادهم وحنينهم وشوقهم لرؤية جنة الدنيا الموعودة التي قامت من أجلها الثورة خلال فترة البرلمان القادم بما قد يجعل المزاج المصري على اختلاف أطيافه ومفرداته خط أحمر .