رغم اشتهار سوهاج بالآثار الإسلامية .. إلا أنها تمتلك كنوز أثرية إسلامية لا يعلم عنها الكثير ومنها مسجد سيدي جلال الدين أبو القاسم الطهطاوي . وتشتهر مدينة طهطا السوهاجية بمساجدها العامرة بأولياء الله الصالحين ويأتي في مقدمتهم الإمام العارف الزاهد سيدي جلال الدين أبو القاسم الطهطاوي الذي يصل نسبه للرسول صلي الله عليه وسلم. شيد مسجده بقلب مدينة طهطا من الجهة الغربية والتي تكتظ بالسكان والتفافهم حول المسجد، وتظهر المأذنة ذات الطوابق الثلاث بعمارتها الإسلامية ويراها القادم من علي أشراف المدينة، وللمسجد بابين أحدهما رئيسي يؤدي إلي صحن المسجد والذي تشاهد فيه ضريح الشيخ "أبو القاسم" بإضاءته ذات اللون الخضراء والذي ينتشر بجنبات المسجد، كما تظهر النقوش الإسلامية بروعتها علي الجدران والأعمدة، وينفصل عن المسجد الميضأة وبجانبها رواقان أعلى الباب الجانبي، وأخذنا استراحة بالمكتبة لنطالع الكتب القديمة والتاريخية. وذكر مؤرخون وفي مقدمتهم أحمد رافع الطهطاوي في (كتاب الثغر الباسم في مناقب سيدي أبي القاسم)، ومحمد عبده الحجاجي في كتابه (شخصيات صوفية في صعيد مصر في العصر الإسلامي)، أنه استهل حياته سائحًا هائمًا في الجبل المقابل لطهطا والمعروف (بجبل الساهرة) لا يأكل إلا من عشب الأرض وينتقل من مكان إلى مكان متدبرًا في صنع الله تعالى ولا يفتر لسانه برهة عن ذكره تعالى. وقال مؤرخوه: "وذات يوم حينما فرغ من صلاته وجد شخصًا واقفًا خلفه ومعه طعام فقدمه إليه وقال له: كل وارجع إلى بلدك، فقد أذن لك في الأكل وحان وقتك، فقال له أبو القاسم: من أنت؟ فقال: أخوك الخضر، فأكل وشرب من تلك العين التي كانت بجواره ثم خرج إلى الناس وعلت شهرته وتألق كعلم من أعلام التصوف في القرن الثامن الهجري، وقد أيده الله سبحانه بالكرامات وأجرى على لسانه الحكم ونوابغ الكلم". وقصده الناس من مختلف مدن الصعيد للتلقي منه والتبرك به وهو لا يستقر في مكان أو بلد يتجول ويسبح في مدن الصعيد وخاصة قنا التي كان يزورها باستمرار لزيارة ضريح أستاذه عبد الرحيم القنائي. ويقول عنه الإمام العالم شمس الدين الراعي: أنه قد حضر إليه أكابر علماء مصر وعلى رأسهم الإمام المجدد (للمائة الثامنة للهجرة) سيدي سراج الدين البلقيني، وأضمر كل منهم حاجة في نفسه فتحدث معهم وأجاب على كل ما سألوه من علوم كثيرة ثم أتحفهم بالحكم والمأثورات، وحدثهم عما أضمره كل واحد منهم فقاموا احترامًا له وسألوه الدعاء. ويذكر أحمد رافع أن الشيخ عاش حياة لا تعرف الفتور أو الكسل بل يهدف إلى بناء الفرد الصالح. وتوفي رحمة الله في محرم عام 762ه في عصر السلطان المملوكي قلاوون عن عمر يناهز التسعين عامًا ليدفن في زاويته. ولم يترك آثارًا علمية مكتوبة إلا أقواله وحكمه التي استقرت في أذهان وقلوب المريدين على مر السنين، وهي في علوم الطريق التي تدل على رسوخ قدمه في التصوف الصحيح وكذلك حكمه التي من القلب بلسان التصديق.