تشهدت العلاقات المصرية السعودية خلال العقود الخمسة الماضية حالات من الشد والجذب بحسب المواقف المحلية والدولية , حيث بدأت تلك التوترات تطفو على السطح فى 26 سبتمبر 1962 عندما قام الرئيس عبد الناصر بإرسال القوات المسلحة المصرية لدعم الثورة اليمنية حيث كانت المملكة وقتها تؤيد الإمام اليمنى المخلوع ولكن سرعان ما انتهت تلك الأزمة بالصلح بين عبد الناصر والملك فيصل فى مؤتمر الخرطوم بعد نكسة 1967 بعدما ساهمت السلطات السعودية فى نقل الجيش المصري من اليمن ... واستمرت تلك العلاقات فى أبهى صورها حتى بعد رحيل عبد الناصر وتوجت بالدور السعودي في حرب أكتوبر .. إلا أن تلك الحالة لم تستمر طويلا بعد الحرب نتيجة لتوجة السادات للسلام مع إسرائيل . وقادت السعودية الدول العربية 23 /4/ 1979 فى حملة عربية شاملة إنتهت بمقاطعة مصر عربيا وتم نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وكانت هى المرة الأولى والأعنف فى تاريخ التوترات بين البلدين الشقيقين الأكبر فى الدول العربية وقالت المملكة فى بيانها وقتها " نظرا لأن حكومة مصر قد قبلت التمثيل الدبلوماسى مع الصهاينة وبدأت فى إنشاء علاقات طبيعية معهم دون مراعاة الحد الأدنى من المطالب التى تتطلع الأمة العربية من خلالها إلى تحقيق السلام العادل والشامل، فإن المملكة السعودية قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع جمهورية مصر العربية"و فى المقابل شن السادات، هجوما على حكام السعودية، مؤكدا أن موقف السعودية يعود إلى الاحتجاج على أمريكا، لأنها تخلت عن شاه إيران ويمكن أن تتخلى عنهم، وإثبات زعامة لا يستطيعون تحمل مسؤولياتها أمام العالم العربى. واستمرت تلك القطيعة ما يقارب 10 سنوات حتى نهاية الثمانينيات وعادت بعدها العلاقات العربية المصرية وتمت إعادة الجامعة العربية لمقرها الرئيسي بالقاهرة والمنصوص عليه في ميثاق تأسيسها .. واستمرت العلاقات ما بين شد وجذب فتارة تطفو إلى السطح وفى أحيان كثيرة تتم تسوية الخلافات بعيدا عن الضجيج الإعلامي وجسد عصر الرئيس المخلوع قمة التواصل والتوافق بين السياسة المصرية والسعودية والتي تمثلت في المشاركة المصرية إلى جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة فى حرب الكويت عا م 1990 وما تلاها من دعم سعودي للنظام المصري سياسيا وكان هذا النظام يتغاضى عن الكثير من المشاكل التى تتعلق بالمواطنيين المصريين العاملين بالمملكة بل كانت هناك قضايا أكثر إلحاحا وكانت تثار إعلاميا ثم يتم التعتيم عليها أو منع النشر .. إلى أن تراكمت آلاف المشاكل بلا حل ولم تتغير تلك المواقف حتى قيام ثورة 25 يناير وهنا وجد المضارين من المصريين أن عصر تكميم الأفواه قد انتهى وبدأت عائلات المسجونين والمعتقلين فى تنظيم الإعتصامات والإضرابات أمام السفارة السعودية مطالبين العاهل السعودي بتحديد مواقف ذويهم وتوفير المحاكمات العادلة لهم والنظر لهم بعين الرحمة .. كما توجهت تلك العائلات للمجلس العسكري ليكون حلقة الوصل بصفته الحاكم فى البلاد ولكن التداعيات والسجالات فى الداخل المصري لم تمكن أى جهة وترك الأمر للشعب وهنا تقدمت العديد من المنظمات الحقوقية والقوى المدنية وقامت برفع دعاوى قضائية اختصموا فيها العاهل السعودي وطالبوه بسرعة الإفراج عن المصريين المعتقلين بالسعودية مع توفير المحاكمات القانونية العادلة للمحكوم عليهم .. وكان من هؤلاء المحامى المصري أحمد الجيزاوي صاحب تلك الأزمة الشهيرة بعد أن قامت السلطات السعودية باعتقاله فى منتصف أبريل الماضي عند وصوله لمطار جدة بصحبة زوجته لآداء فريضة العمرة وتم إتهامه بحيازة مواد مخدرة وهو ما نفاه الجيزاوى وتم شحن القضية إعلاميا بشكل غير مسبوق عبر صفحات التواصل الإجتماعى وفى الوسائل المرئية والمقروءة وهو ما دعا الجماهير تخرج مشحونة للسفارة السعودية وبشكل غير مسبوق ولا يمنع هذا من وجود مندسين داخل تلك الإعتصامات والتظاهرات يقومون بعمليات الشحن بشكل مستمر للوصول بالأمر إلى ما وصل إليه وإحداث القطيعة والتواصل بين البلدين الشقيقين وحتى لا تصل مصر لبر الآما ن وبدلا من الإنشغال بالوضع الراهن تم الزج بنا فى دوامة جديدة , هذا بجانب قضية تم تفجيرها مؤخرا من الجانب السعودى وهى قضية جزر البحر الأحمر والتى تقع تحت السيادة المصرية وتقول المملكة أنها محتلة . ومما زاد من الاحتقان بين الجانبين هو شعور الثوار المصريين بعدم وقوف أشقائهم العرب معهم خلال ثوراتهم على الظلم والفساد بل وقيام بعض الدول العربية بإرسال محامين للدفاع عمن يرى المصريين أنهم قاموا بالثورة لتصحيح الأوضاع والقضاء على الديكتاتورية والفساد... وبالقطع كانت قضية الجيزاوى الأخيرة مرتبطة كل الارتباط بالحالة الثورية التى تعيشها مصر وأخذب أبعادا إعلامية أكبر من حجمها وتعامل معها الجانب السعودي والمصري من حيث كرامة كل طرف دون النظر للخسائر المادية والمعنوية التي سيتكبدها الطرفين إذا حدثت القطيعة . وكانت ردود الأفعال الرسمية من الجانبين المصري والسعودي على قدر من المسئولية , فأكد المشير على عمق العلاقات المصرية مع الأشقاء فى السعودية وأن ما حدث لن يؤثر على تلك العلاقات وكذا كان موقف الحكومة رغم قيام السعودية بإغلاق السفارة وسحب السفير للتشاور . وعلى الجانب الآخر قالت الرياض أن عملية سحب السفير لم تكن بغرض قطع العلاقات ولكن لتجنب الإحتكاكات فى الوقت الراهن وللتشاور فى العديد من القضايا وكان القطان قد غادر القاهرة منذ أيام قلائل متوجها للرياض قبل أن يلتقى نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية . وفى نفس السياق أصدرت الجامعة العربية بيانا أشادت فية بعمق العلاقات المصرية السعودية وأن ما حدث سحابة صيف .. وقد جاء البيان بعد اتصالات ولقاءات مكثفة تمت بين الأمين العام للجامعة والعاهل السعودي توصلا خلالها إلى ما جاء بالبيان . ولم تكن الصحف السعودية غائبة عن القضية بل جاءت معظم تعليقاتها بعد سحب السفير متوازنة وركز معظمها على عمق العلاقات وقالت صحيفة "اليوم" إن ما يجب أن يعيه الشعب المصري الكريم أن هناك من يحمل أجندات غريبة في صفوف النخبة المصرية، تحاول تدمير العلاقات ما بين السعودية ومصر وهدم جسور المحبة التى تمّ بناؤها من خلال تراكم العقود" وتحت عنوان "المملكة تحترم أشقاءها لكنها لا تقبل الإساءة" قالت صحيفة "الوطن" في كلمتها "لم يكن أي طرف يتمنى أن تصل العلاقة بين المملكة ومصر في يوم من الأيام لهذه الحال التي يتم على إثرها استدعاء سفير المملكة من مصر وإغلاق السفارة، والقنصليات في كل من الإسكندرية والسويس". وأشارت "الوطن" إلى أن المأمول من عقلاء مصر استدراك الوضع وعدم انجرار الإعلام نحو تصعيد قضية تجاوزت حدودها لتصل إلى الإساءة لعلاقة تاريخية بين بلدين شقيقين، خاصة وأن المطلوب كان التكاتف من أجل صالحهما وصالح المنطقة بأكملها. و رأت صحيفة "الندوة" أنه في ظل الاحتجاجات وأعمال الشغب التي استهدفت السفارة السعودية يبقى من الصعب تمامًا أن تقوم السفارة والقنصليات بواجبها المناط بها والمتمثل في القيام بالمهام الدبلوماسية والقنصلية ومن بينها تسهيل سفر العمالة المصرية والمعتمرين والزائرين إلى المملكة.