ارتبط اسم محمد دحلان بالاتهام بالعمالة للعدو الصهيوني والإدارة الأمريكية والتآمر على المقاومة الفلسطينية ومحاولة فرض سياسة الاستسلام على الشعب الفلسطيني وإفشال المصالحة الداخلية. ولم يتوقف دور دحلان على الساحة الفلسطينية الداخلية فقد لعب دحلان دورًا كبيرًا في تنفيذ الأجندة الصهيونية بالبلدان العربية، وهذا ما كشفته حركة حماس عقب سيطرتها على مقر جهاز الأمن الوقائي الذي كان يرأسه، وأظهرت هذه الوثائق محاولات للوقيعة بين العديد من البلدان العربية والتجسس على بعض القيادات والمؤسسات الحيوية بها، بالإضافة إلى إنشاء خلايا مسلحة في عددٍ من البلدان العربية. وعقب اغتيال القيادي بكتائب القسام محمود المبحوح بمدينة دبي بالإمارات أشارت أصابع الاتهام إلى تورط عددٍ من الفلسطينيين العاملين في شركة مقاولات يملكها دحلان في توفير المعلومات ومساعدة جهاز الاستخبارات الصهيونية الموساد في تنفيذ هذه العملية. وفي تحركٍ جديد لميليشيات دحلان كشف الحاكم العسكري بالعريش على التلفزيون المصري عن تورط ملثمين فلسطينيين تابعين لحركة فتح جناح محمد دحلان في أحداث العريش التي راح ضحيتها 4 أشخاصٍ منهم نقيب في القوات المسلحة. وكان عشرات المسلحين بأسلحة آلية ثقيلة اقتحموا شوارع مدينة العريش مستقلين سيارات دفع رباعي لاند كروزر، وتجمعوا حول تمثال الرئيس الراحل أنور السادات في وسط المدينة محاولين تدميره وأطلقوا عليه النيران ثم توجهوا إلى قسم شرطة ثان العريش وأطلقوا عليه قذائفهم ليشتبكوا مع قوات الشرطة والجيش الموجودة داخله، وكان من الملفت كثافة العدد والتجهيزات التي استخدمها المهاجمون، رافعين شعارات ورايات ذات دلالة دينية. وانتهت المعركة بعد إرسال القوات المسلحة تعزيزات إلى مكان الاشتباك وطاردت الملثمين فأصابت عددًا منهم، واعتقلت آخرين لتمسك بأول الخيط لمعرفة مَن يقف وراء الأحداث، وقد أثارت مسارعة دحلان بنفي علاقته بالأحداث واتهام حماس بالوقوف وراءها قبل اتهام الحاكم العسكري له مزيدًا من الشكوك حول ضلوعه فيها. تأتي هذه الأحداث بعد يومين من خروج دحلان من الأراضي الفلسطينية إلى الأردن بعد أن اقتحمت قوات الأمن الفلسطينية منزله، واعتقلت كل حراسه الشخصيين، وصادرت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ويعكس ذلك جزءًا من الخلافات داخل حركة فتح؛ حيث قررت اللجنة المركزية للحركة فصله من كل مناصبه في الحركة وإنهاء أي علاقةٍ له بها. ولا يخفى على أحد العلاقة الوطيدة التي تربط دحلان والصهاينة، حتى إن الوثائق تثبت أن الصعود السريع لدحلان في مناصب حركة فتح والسلطة كان برغبةٍ صهيونية، وقد كان عند حسن ظن أسياده به، فكان لجهاز الأمن الوقائي الذي كان يترأسه الدور الأكبر في ملاحقة المجاهدين وتعذيبهم وإمداد الصهاينة بمعلوماتٍ عنهم مكَّنتهم من اعتقالهم واغتيالهم، كما كان له دور كبير في محاولات إسقاط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية واتفاقات المصالحة المتتالية بتشكيله ميليشيات تقاتل بكل قوة لإسقاط حماس نيابة عن الاحتلال، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية لدى عبوره بمعبر رفح، وبمجرد اندلاع حرب الفرقان بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني انتقل إلى مدينة العريش المصرية مع ميليشياته وبالتنسيق مع الصهاينة والنظام المخلوع في مصر؛ ليسيطر على القطاع بالقوة إذا ما هُزمت المقاومة، لكنَّ آماله باءت بالفشل على صخرة صمود المقاومة والشعب الفلسطيني، وإذا كان هذا تصرفه مع أعدائه فلم يسلم القريبون منه من سُمه فقد كانت له محاولات للانقضاض على الرئيس الراحل ياسر عرفات بانقلابٍ على نظام حكمه. أبعاد أحداث العريش وأسبابها في هذا التحقيق: بدايةً.. يرى الدكتور طارق فهمي الخبير في مركز دراسات الشرق الأوسط أن مرحلة ما بعد الثورة شهدت فراغًا أمنيًّا إستراتيجيًّا بسيناء ومناطق التماس في المنطقة "ج" و"د"؛ حيث أصبحت هذه المناطق مرتعًا للكثير من الأعمال غير المشروعة من تهريب وتجارة سلاح وغيرها من الأعمال المشبوهة، وهذه المنطقة مرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بالفلسطينيين إما من خلال مجموعاتٍ من أهالي غزة تقيم في الأراضي الفلسطينية أو العلاقات الطبيعية بين بدو سيناء والفلسطينيين. ويضيف أن الدلائل والشواهد المباشرة تؤكد تورط بعض الفلسطينيين في هذه الأحداث، مؤكدًا أن الكيان الصهيوني هو الطرف الوحيد المستفيد من هذه الأحداث؛ لأنه في حاجةٍ دائمًا لإثبات عدم القدرة المصرية على السيطرة على حدودها، وأن أمن الكيان مهدد من هذا الاتجاه ما يعطيه ذريعة للتدخل لحماية مصالحه وأمنه، مشيرًا إلى أن هناك سوابق تثبت هذا الأمر، كما أن تصريحات قيادات الأجهزة الأمنية الصهيونية تشير إلى هذا التوجه من خلال حديثها عن ضرورة حماية الفناء الخلفي لدولتهم، وضرورة التدخل يومًا في هذه المنطقة لما تمثله من تهديدٍ للأمن الصهيوني الداخلي. ويتابع: التحقيق في أحداث العريش يجب أن يسير في عددٍ من الاتجاهات في نفس الوقت مثل الدور الصهيوني والأيادي الخفية لأجهزتها الاستخبارية وبعض التنظيمات الفلسطينية الصغيرة الشاردة محدودة العدد غير المرتبطة في الغالب بأطراف خارجية وتنظيمات مصرية غير مصنفة حتى الآن. وعن اتهام الحاكم العسكري بالعريش لمحمد دحلان يوضح أن قدراته ليست كبيرةً ليقوم بمثل هذه العمليات، لكنه قد يكون على علمٍ ببعض الأمور أو له علاقة بالأحداث وحديث الحاكم العسكري لا بد وأنه بُني على معلوماتٍ أولية لديه تحتاج إلى مزيدٍ من البحث والتحقيق للوصول إلى الحقيقة كاملةً. ويطالب السلطات المصرية بتحديد المصالح المصرية المباشرة بمنطقة شمال سيناء وإعادة هيكلة العلاقة مع البدو لضمان الحفاظ على مصالح مصر واستقرار الوضع الأمني في المرحلة المقبلة، ومنع تكرار مثل هذه الأحداث. هدف صهيوني ويؤكد المهندس عبد العزيز الحسيني عضو اللجنة المصرية لمقاطعة البضائع الصهيونية أن هذه الأحداث لا تُلبي أهداف أي جهةٍ سوى الأهداف الصهيونية، فالصهاينة وأتباعهم يسعون إلى توتير الأجواء واختلاق مشاكل أمنية في هذه المنطقة المهمة من الأراضي المصرية. وعن اتهام الحاكم العسكري لدحلان بالوقوف خلف هذه الأحداث يقول: إن دحلان معروف أنه خادمٌ للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ويُنفذ سياساتهم على طول الخط، بل إنه أكثر الأطراف الفلسطينية ارتباطًا بالمشروع الصهيوني، ولكن السؤال الآن موجه إلى الحاكم العسكري لماذا ترك الجيش والقوى الأمنية تنظيم أمني مسلح تابع لمحمد دحلان المعروف بعلاقته مع الكيان يعمل في سيناء بعد الثورة، فلو كان توجه النظام المخلوع يحتضن محمد دحلان فمن غير المقبول لنظام ما بعد الثورة السماح بمثل هذا الأمر. ويدعو القوات المسلحة أن تتحرك سريعًا للقبض على هذه الخلايا وعدم السماح لها بالعمل في سيناء مجددًا والتحقيق في القضية وإعلان النتائج وتوسيع احتمالات الاتهام، فمن غير المستبعد تورط تنظيمات متطرفة في هذه الأحداث أيضًا، ومن غير المقبول اتهام المقاومة فليس لها مصلحة في ذلك، ومهمتها فقط مقاومة الاحتلال، كما يجب تأمين الحدود بالشكل المناسب فتح ملف اتفاقية كامب ديفيد للسماح للقوات المصرية بالوجود بقوةٍ أكبر في أرض سيناء لمواجهة هذه التهديدات. صاحب المصلحة يوضح اللواء طلعت مسلم الخبير الإستراتيجي أن ما حدث في العريش عمل خطير يمثل تحديًا كبيرًا للوضع الأمني، بالإضافة إلى التحديات الأمنية الموجودة من قِبل الثورة، وفي مقدمتها توتر العلاقات بين قوات الأمن والشرطة التابعة للحكومة من جهة، والبدو من جهة أخرى، وربما يكون للأحداث الأخيرة علاقة بهذا التوتر. ويؤكد أن القيود المفروضة على الوجود العسكري للجيش المصري في هذه المنطقة المهمة تضيف مزيدًا من العقبات أمام السلطات المصرية، وتضعف القبضة الأمنية فيها، مشيرًا إلى أن الوسائل التي استخدمها المهاجمون ليست جديدةً واستخدمت في أحداث سابقة، لكن الجديد هذه المرة هو كثافة التسليح واجتماع كل هذه الوسائل في عملية واحدة والتنظيم في تنفيذ الهجوم. ويضيف: لو صحت المعلومات حول اتهام القيادي السابق بحركة فتح محمد دحلان في هذه الأحداث فقد يكون الهدف منها توريط حركة حماس أو حركة فتح بها، وإشعال العلاقة بين الطرف الفلسطيني والسلطات المصرية ولا يصبُّ هذا الأمر إلا في صالح الكيان الصهيوني، ومن غير المستبعد أن يكون الكيان هو مَن يقف خلف هذه الأحداث. معلومات ناقصة من جانب آخر يرى اللواء الدكتور محمد قدري سعيد خبير الشئون العسكرية بمركز (الأهرام) للدراسات السياسية والإستراتيجية أن المعلومات المتوفرة في أحداث العريش ناقصة وغير كافية والتصورات التي تم الإعلان عنها غير مقنعة، وتدور حولها الكثير من التساؤلات التي يجب الإجابة عليها. ويضيف أن العلاقة المصرية مع فتح جيدة ولا توجد بها أية مشاكل ما يدعو إلى المطالبة بالكشف عن كل ملابسات الحادث، خاصةً أن التوترات بهذه المنطقة تكررت أكثر من مرة ولا توجد خطة واضحة لمواجهتها، خاصةً أن أي توتر في هذه المنطقة يمثل خطورةً شديدةً لما تمثله شبه جزيرة سيناء من أهمية إستراتيجية لمصر واستقرارها، بينما تحاول العديد من الجهات إحداث توترات فيها لأغراض خاصة قد تصل إلى الانفصال إذا ما استمرت هذه الأحداث دون الكشف عن المتورط الحقيقي فيها. ويؤكد أن الأسلحة والتجهيزات التي كانت بحوزة المهاجمين تشير إلى وقوف مجموعات مسلحة موجودة منذ فترة في المنطقة وراء هذه الأحداث، وتحاول انتهاز انشغال مصر بالقضايا اليومية لاختراق الوضع الأمني وإضعاف مستوى الثقة في مؤسستي الأمن الداخلي المتمثلة في الشرطة والأمن الخارجي "الجيش"، بالإضافة إلى إحراج مصر ووضع العراقيل أمام القوات المسلحة التي تحكم مصر في المرحلة الحالية. ويطالب بالاهتمام بوضع منطقة العريش والتصدي لأية محاولات لتوتير الوضع الأمني وزيادة وجود القوات المسلحة، وتجهيزها بكل الأدوات التي تساعدها على مراقبة أية تحركات غير قانونية كالمروحيات وطائرات الهيلكوبتر، ووضع خطة مستقبلية للدفاع عن هذه المنطقة ومواجهة أية توترات.