لا شك أن الانترنت كوسيلة إعلامية أسس لأوضاع مهنية وعلاقات عمل جديدة ، وأرسى حقوقا غير مسبوقة للصحفيين والإعلاميين في كل أنحاء العالم، ورغم مرور نحو عقدين من الزمان على ظهور تلك الوسيلة الإعلامية إلا أنها حتى الآن لم تخضع لقوانين تنظيمية تحافظ على حقوق العاملين فيها وتحترم حقوق المجتمع في نفس الوقت. وعدم وجود كيانات تنظيمية وتشريعات قانونية للعمل عبر الشبكة، جعل الانترنت وسيلة خارج إطار القوانين، ورغم حرصنا جميعا كصحفيين على حفظ مساحات الحرية غير المحدودة على شبكة الانترنت، إلا أن ذلك لا يعني بالتأكيد الحرص على الفوضى، وإهدار حقوق الآخرين، فكان يجب من وضع إطار قانوني يحمي حقوق الصحفيين العاملين على الشبكة، ويحافظ على حق كل إنسان في إبداء الرأي والتعبير، وفي نفس الوقت يحمي حقوق المجتمع، في الرد والتصحيح والتقاضي. وكان هناك من الأسباب المنطقية التي تدعو إلى تدشين هذا القانون، لعل أبرزها أن المواقع الالكترونية الإعلامية أصبحت جزء لا يتجزأ من العملية الإعلامية المعاصرة، الأمر الذي يحتم على الحكومات دعمها وتحصينها ضد أي انتهاكات أو ضغوطات قد تواجهها، وتساعد في توفير الظروف المناسبة لنجاح هذه المواقع كوسائل إعلامية. كما أن المواقع الالكترونية الإعلامية تواجه حاليا مشكلة عدم الاعتراف القانوني بها، الأمر الذي يتيح فرص كبيرة إلى إحباطها أو تجاهلها والتضييق عليها وفق قوانين أخرى ليس لها علاقة بالنشرة الالكتروني. وتنظيم الإعلام الالكتروني يضمن التدخل الايجابي للجهات المختصة لدعم المواقع الالكترونية وتعزيز عملية التوسع والانتشار لهذه المواقع سواء من خلال إعطاءها حق الحصول على المعلومات وتقديم وسائل الدعم التقني والتدريب وتأمين ربط جيد مع شبكة الانترنت وتامين حماية المواقع من الخروقات وحماية حقوق الملكية الفكرية للموقع وبالتالي وضعه في شكل من إشكال التنمية الاقتصادية بفتح أفاق جديدة للتوظيف والعمل، كما أن عملية التنظيم للنشر الالكتروني يحافظ على الهوية الوطنية والقيم المجتمعية. ولذلك ركزت أهداف لائحة النشر الالكتروني التي قدمتها نقابة الصحفيين الالكترونيين المصرية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأوصى بدراستها، على مجموعة من الأهداف التي تحمي الحريات وتحافظ على حقوق المجتمع في الوقت ذاته، وكانت أبرز هذه الأهداف دعم الإعلام الإلكتروني الهادف بتأصيل القيم المهنية، وتنظيم مزاولة نشاط النشر الإلكتروني في مصر، وحماية المجتمع من الممارسات الخاطئة في النشر الإلكتروني، وبيان حقوق وواجبات العاملين في النشر الإلكتروني، وحفظ حقوق الأشخاص في إنشاء وتسجيل أي شكل من أشكال النشر الإلكتروني، وحفظ حق المجتمع في الدعوى لدى الجهات المختصة في حال الشكوى، كما أكدت على حرية التعبير والإبداع من خلال دعم ثقافة الحوار والتنوع، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان؛ المتمثلة في حرية التعبير المكفولة للجميع وفق أحكام القانون، وتحقيق التنوع في المحتوى الرقمي وجودته شكلاً وموضوعًا. ووضعت اللائحة قواعد ميثاق الشرف في النشر الالكتروني التي ركزت على مجموعة من النقاط التي تؤكد على مبادئ حرية التعبير وحماية المجتمع فكان من ضمن هذه المبادئ : الالتزام باحترام حرية التعبير والمسئولية واحترام حريات الآخرين وحقوقهم، والالتزام باحترام مبدأ السيادة الوطنية، والالتزام بمبدأ حرية النفاذ إلى المعلومات، بمعنى حق المواطن في استقبال ما يشاء من ما تنشره المواقع الإلكترونية، والالتزام بحقوق الملكية الفكرية، واحترام كرامة الإنسان وحقوق الآخر في كامل أشكال ومحتويات المواد والخدمات المنشورة، واحترام خصوصية الأفراد والامتناع عن انتهاكها بأي صورة من الصور، والامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز بكافة أنواعه. كما أكدت اللائحة على ضرورة مراعاة أسلوب الحوار و آدابه، واحترام حق الآخر في الرد، ومراعاة حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة، وحماية الأطفال والناشئة من كل ما يمكن أن يمس بنموهم البدني والذهني والأخلاقي أو يحرضهم على فساد الأخلاق أو الإشارة إلى السلوكيات الخاطئة بشكل يحث على فعلها، والالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع ومراعاة بنيته الأسرية وترابطه الاجتماعي، والامتناع عن نشر كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والأنبياء والرسل والمذاهب والرموز الدينية الخاصة، والالتزام بالهوية العربية، واحترام خصوصيات المجتمع العربي، الالتزام بالموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية. ولذلك كانت لائحة النشر الالكتروني هي الوسيلة المثلى لوضع أطر وقوانين تنظيمية للنشر عبر شبكة الانترنت، بما يضمن حماية الإعلام وحقوق العاملين فيه والحفاظ على الحرية المسئولة التي تراعي حقوق المجتمع وقيمه ومبادئه. ========= * رئيس مجلس نقابة الصحفيين الالكترونيين