وإذا كانت ثورة 25 يناير لم تزل تتألق فكيف يزاح من فعلوها ومن ساندوها ومن يطالبون بإنقاذ ما أرادت وما ضحت من أجله فقد جاء المرسوم بقانون الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة الخميس والخاص بمباشرة الحقوق السياسية بمثابة أحدث تجسيد لما صاحب ثورة الخامس والعشرين من يناير من إعلاء لقيم لروح المواطنة والمساواة ولمبادئ الحرية والديمقراطية وسيادة القانون بكل ما يعنيه ذلك من تغير شامل في مجمل الحياة السياسية في مصر. أن من أبرز ملامح هذا المرسوم " الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية " ما تضمنه من تعديلات تمثل استجابة حقيقية لطموحات لطالما راودت الشعب المصري في سعيه من أجل تحقيق انتخابات برلمانية وحياة سياسية سليمة تليق بشعب كان أول من عرف الحياة الديمقراطية والبرلمانية في منطقته ، تماما كما كان أول من قام بمثل هذه الثورة السلمية التي ابهرت الدنيا على اتساعها. ربما كان من الملامح الهامة التي عكسها هذا القانون الجديد المنظم لمباشرة الحقوق السياسية بشكل يتماشى مع قيم الحرية والديمقراطية التي سالت من أجلها دماء شهداء الثورة والتي احتضنتها القوات المسلحة لشعب مصر منذ اللحظة الاولى هو استجابة القانون الجديد لمطلب الشعب فيما يتعلق بتنظيم قواعد مشاركة منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية في متابعة كافة العمليات الانتخابية وهو الأمر الذى يفعل مشاركة المواطن المصري والمجتمع المدني في أمور حياته السياسية ، فضلا عن كونه يعد بمثابة ضمانة إضافية على سلامة ونزاهة العملية الانتخابية. أن تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية حرصت على تكريس روح المواطنة والمساواة وعدم السماح بأي ممارسات يمكن أن تؤدى للفرقة بين أبناء الجسد المصري الواحد ، حيث أكدت التعديلات على حظر أي دعاية انتخابية أو استخدام لأى شعارات أو رموز ذات طابع ديني أو تميزي على أساس الجنس أو الاصل . وقد كان واضحا كذلك إدراك واضع التعديلات لأهمية أن تتحقق أحد أهم مقومات نزاهة الانتخابات والمتمثلة في إشراف القضاء على كافة عمليات الاستفتاء والانتخابات وهو مطلب بالغ الأهمية على خلفية ماعانه الشعب من عمليات تزوير فاضحة لا رادته في الانتخابات المتعددة . كما بدا الحرص الواضح من جانب واضع القانون الجديد فيما يتعلق بضمان أن تسود المساواة فيما بين المتنافسين في الانتخابات ، حيث تم التأكيد بين أمور أخرى على مراعاة العدل في الدعاية الانتخابية بأجهزة الإعلام الرسمية بين المتنافسين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم .حيث ان القانون صدر علي النحو التالي ونختار منها المادة (3) مكرر «أ» أن اللجنة العليا للانتخابات تشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية نائبين من نواب رئيس محكمة النقض يختارهما مجلس القضاء الأعلى ونائبين آخرين لرئيس مجلس الدولة يختارهما المجلس الخاص لمجلس الدولة ورئيسين لمحاكم الاستئناف يختارهما مجلس القضاء الأعلى علي أن تكون هذه اللجنة العليا شخصية اعتبارية عامة يمثلها رئيسها الوضع الذي نري أن هذه اللجنة تفقد استقلاليتها وحياديتها، وقد جاء في تعديل القانون المقدم من منظمات المجتمع المدني مع الأحزاب في الباب الثالث الخاص باللجنة العليا في مادة (16) أن هذه اللجنة هي لجنة قضائية مستقلة محايدة وغير قابلة للعزل وتشكل من رئيس وثمانية أعضاء بحيث تقوم الجمعية العمومية لمستشاري محكمة النقض بترشيح الرئيس وأربعة من الأعضاء من بينهم نواب رئيس محكمة النقض بشرط أن يكون جميع الأعضاء غير قابلين للعزل ويتفرغوا تفرغا كاملا لعضوية اللجنة بالإضافة إلي عدم تولي الأعضاء أي مناصب في الدولة أو الترشح لعضوية أي من المجالس التمثيلية لمدة عامين بعد انتهاء مدة العضوية أو خمسة أعوام من تاريخ الاستقالة أيهما أطول. وذكر في مادة (3) مكرر «و» من مرسوم المجلس الأعلي أن تتولي اللجنة العليا للانتخابات عددا من المهام المنوط لها القيام بها ومنها تشكيل اللجان العامة وإعداد الجداول الانتخابية ومراجعتها وتحديثها مع وضع القواعد التنظيمية للدعاية الانتخابية، في حين جاء في مادة (17) من مشروع الأحزاب، إن من اختصاصات هذه اللجنة تقسيم الدوائر الانتخابية وفق قواعد محددة يراعي فيها المساواة بين الدوائر فيما يتعلق بعدد السكان لضمان عدم الإخلال بمبدأ التمثيل المتساوي للسكان بالإضافة إلي إعداد الجداول الانتخابية وفقا لبيانات بطاقة الرقم القومي بالسجل المدني ووضع قواعد لتصويت المصريين العاملين بالخارج وهو ما لم تتضمنه مذكرة المجلس العسكري، علاوة علي وضع جدول زمني للعملية الانتخابية وتحديد عدد اللجان العامة والفرعية وتعيين رؤسائها. وحدد المجلس العسكري في مذكرته الخاصة بتعديلات القانون أن تكون مدة اللجنة العليا للانتخابات ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد في حين رأت الأحزاب أن تكون هذه المدة ست سنوات بحيث تمر بأكبر عدد من الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية وحتي المحليات، فيما جاء في مادة (3) مكرر «د» إن اللجنة تجتمع اجتماعا صحيحا بحضور رئيسها وأربعة علي الأقل من الأعضاء علي أن تكون مداولاتها سرية وتصدر قراراتها بأغلبية أربعة من تشكيلها علي الأقل وهو الأمر الذي ترفضه القوي والأحزاب حيث المطالبة بأن تكون هذه المداولات معلنة ومطروحة للحوار. تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية هو الأول من نوعه في مكافحة الفساد للحملات الانتخابية ان التعديل الذي أجري علي هذا القانون كان مجرد تعديل من الناحية الشكلية فقط ففي مادة (3) مكرر «أ» تضم اللجنة شخصين بحكم منصبهما وهما رئيسا محكمتي استئناف القاهرة والإسكندرية بالإضافة إلي قاضيين يختارهما مجلس القضاء الأعلي ومجلس الدولة الأمر الذي يفقد اللجنة استقلاليتها وحياديتها أن رفع وزارة العدل يدها عن اللجنة جاء شكليا فقط ووضح ذلك في مادة (3) مكرر «ط» والتي تنص علي أن رئيس اللجنة يشكل أمانة عامة لها برئاسة مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي ويكون أمينا عاما للجنة. ضرورة أن تكون هذه اللجنة العليا دائمة بحيث تكون لجنة واحدة لكل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وهو ما يؤكد وجهة نظري في أن تكون مدتها ست سنوات بحيث تضم جميع الانتخابات المشار إليها. أن طول مدة هذه اللجنة خاصة إذا كانت جديدة يؤدي إلي ثقة الشعب فيها والاقتناع بقراراتها وتصديقها. القوي السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بضرورة الضغط لتنفيذ رؤيتهم في هذا القانون ويتم اتخاذ مواقف موحدة في هذا الشأن بحيث إنه في حالة عدم الاستجابة لرؤيتهم ومراعاتها تتخذ جميعها قرارا بعدم خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، فلابد أن يكون هناك اتساق بين ما جاءت به الثورة وما نطالب به في قوانيننا السياسية. أن إلغاء وجود أشخاص من مجلسي الشعب والشوري داخل اللجنة العليا للانتخابات وهو في حد ذاته خطوة جيدة، خاصة أنها كانت من أهم النقاط المثيرة للقلق فيما يخص تشكيل هذه اللجنة وحياديتها. ضرورة وجود ضمانات دستورية تضمن حيادية هذه اللجنة واستقلالها، بينما جاءت وجهة نظرها فيما يخص مدة اللجنة بأن تكون ثلاث سنوات حتي لا يفرز طوال هذه المدة فسادا جديدا نحن في غني عنه ان وعد المجلس العسكري بإلغاء حالة الطوارئ قبل الانتخابات القادمة حسبما طالبت الأحزاب بذلك والجميع في انتظار القرار وصدق الوعد. أن الانتخابات شأن دائم ومستمر وليس مؤقتا فلابد من وجود لجنة عليا للانتخابات ذات اختصاص دائم ووجود دائم وذات استقلالية فلا تكون تابعة لوزارة ما، وهو ما يوضح أن ما طالبت به الأحزاب والقوي السياسية فيما يخص اللجنة العليا للانتخابات مطالب مشروعة وعلي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاستجابة لها. أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من المفترض أنه يدير البلاد لفترة مؤقتة وبناء عليه يجب عدم وضع قوانين سوف تستمر لمدة أطول من فترة حكمه، علاوة علي ضرورة عرض هذه القوانين علي الرأي العام للحوار والمشاركة فيها ولكن المجلس العسكري عودنا علي اتخاذ القرارات بعيدا عن الحوار العام ومستمر في فرض رؤيته علي الشعب وهو نفس أسلوب الحزب الوطني حيث يدعو الأحزاب والقوي للحوار علي قوانين مهمة في وقت ضيق ودون جدول أعمال متفق عليه فبدلا من أن يكون هناك اتفاق مسبق بين أطراف الحوار حول آلياته لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه يقوم المجلس العسكري بفرض سياسة الأمر الواقع وهنا لابد من أن تتخذ الأحزاب موقفا موحدا في إطار من التنسيق بينها. أن فكرة أي لجنة يكمن في هدفها بأن تكون مستقلة ولا تدخل لأي طرف في عملها والأهم هو ضمان استقلالية هذه اللجنة في ظل ضوابط معروفة خاصة أن عصر التدخل قد انتهي فعليا.