مع انطلاق احتفالات المائة الأولي من ميلاد نجيب محفوظ "11ديسمبر 1911" فإن الكثير من الكتب والدراسات والرسائل الجامعية في مصر والوطن العربي والعالم والتي جعلت من نجيب محفوظ محورا لها تفرض السؤال العنوان لابداع محفوظ وكل ما صدر من كتابات عن عميد الرواية العربية: ماذا يعني الرجل للرواية العربية؟ يري د. حسين حمودة ان نجيب محفوظ يعني الكثير جدا للرواية العربية فهو المؤسس الأول لها بالمعني الفني المكتمل. طبعا كانت هناك أعمال كثيرة لكتاب كثيرين قبل محفوظ. لكن الروايات التي كتبها بعد مرحلته التاريخية أي التي تنتسب لفترة الأربعينيات كانت هي النقلة الفنية الكبيرة التي رسمت المسار التالي أو المسارات التالية في تطور الرواية العربية بالإضافة إلي ذلك كانت هناك نقلات أخري أسهم فيها محفوظ اسهاما أساسيا بروايته "أولاد حارتنا" في نهاية الخمسينيات ومثلت نقلة كبيرة ثم رواياته التي أصدرها في الستينيات اللص والكلاب. الشحاذ. ميرامار. وقد مثلت نقلة أخري كذلك ثم "الحرافيش" التي كانت نقلة ومغامرة أخري كبيرة بالإضافة إلي مغامرات أخري كبيرة بالإضافة الي مغامرات فرعية انطوت عليها أعمال مثل "حديث الصباح والمساء". وأتصور ان نجيب محفوظ لم يقنع بدور المؤسس وانما ظل صاحب تجربة متجددة يتساءل عما قدم من قبل ويفكر فيما يمكن أن يقدمه بعد ذلك. ومن هنا فما قدمه نجيب محفوظ للرواية العربية يعتبر مجموعة اضافات وليس اضافة واحدة هو باختصار كاتب مسكون بسؤال التجاوز لذلك ظل يتجاوز نفسه باستمرار وظل يقدم لنا وللرواية العربية كنزا بعد آخر. كاتب له رؤية ويذهب د. حامد أبو أحمد إلي أن نجيب محفوظ كان له دوره الكبير في تطور الرواية العربية لأسباب كثيرة. فقد استطاع أن يؤصل هذا الفن في أدبنا العربي الحديث وكذلك علي المستوي العالمي كما ان ابداعاته التي تمثلت في مجموعة من المراحل ادت الي ظهور مدارس وأجيال أفادت جميعها من أعمال محفوظ ثم ان نجيب محفوظ لم يكن مجرد كاتب موهوب لكنه كان كاتبا له رؤية وله موقف وعلينا ألا ننسي انه خريج قسم الفلسفة مما كان له تأثير كبير في انتاجه الروائي وكان نجيب علي ارتباط حميم بالرواية العالمية وأذكر انه قال لي في حوار نشر عقب فوزه بجائزة نوبل انه علي صلة قوية بالأدب العالمي وكان لهذا دوره في أن يكتب محفوظ من موقع انه كاتب روائي في المقام الأول. لذا كان لابد أن يحصل علي التقدير العالمي الذي حصل عليه. يعني الكثير ويري د. يوسف نوفل ان نجيب محفوظ يعني الكثير بداية من الناحية التاريخية حيث سجل طبيعة المرحلة التي شهدت ميلاد الجيل الذي أصل للسرد العربي الحديث. نحن نعلم انه كان قد سبق جيل محفوظ أجيال أخري نستطيع القول في شأنها انها بين ممهد ورائد الممهدون قدموا صورة بسيطة لتصويرهم السردي. أما الرواد فقد حاولوا أن يتأثروا بالسرد الأوروبي الحديث ويطبقوه في أدبنا العربي الحديث حتي أتي جيل ما اسميه جيل نجيب محفوظ لأنه صار أبرزهم وأشهرهم ظهر هذا الجيل في الثلاثينيات وحقق وجوده في الأربعينيات وقد قدم فنا يفوق ما قدمه الجيل الرائد قبله من أمثال طه حسين وهيكل والتيمورين ورفع هذا الجيل شأن السرد العربي. وفي بداية نشأة هذا الجيل كانت درجة محفوظ لا تختلف عن درجات اقرانه وزملائه ورفاق دربه أمثال عبدالحليم عبدالله والسحار وعادل كامل وباكثير وصلاح ذهني وغراب والبدوي وغيرهم بل ان بدايات هذا الجيل لم تكن تنطق بالأسبقية لنجيب محفوظ وربما قدمت عليه بعض ابناء جيله وكان ذلك في السنوات الأولي لظهور هذا الجيل ثم ما لبث محفوظ ان شق طريقه الصحيح واتجاهه الي الواقعية بتطبيقاتها المختلفة فاعتلي قمة جبلية بلا نزاع ومن هنا تأصلت في أدبنا العربي الحديث ظاهرة اسمها ظاهرة نجيب محفوظ كما تأصلت بالمثل ظاهرة المنفلوطي حينا وطه حسين حينا آخر لكن ظاهرة محفوظ ظلت متألقة متوهجة معظم ما تبقي من سنين عمره. والجميل منذ اعتلي نجيب محفوظ عرش السرد العربي ونجوميته وتألقه الدائم انه لم يفارق الحياة إلا وكانت هناك نجوم أخري في السرد في أقطار الوطن العربي وبلغ الأمر بعدد من هولاء النجوم انهم صاروا علي مستوي المنافسة الحادة والجادة مع نجيب محفوظ واكتفي بنموذجين هما السعودي عبدالرحمن منيف والليبي ابراهيم الكوني وهذا كلام علمي تماما بل انه من الممكن أن نقول ظاهرة الكوني وظاهرة منيف مثلما نقول ظاهرة محفوظ ورغم الحضور الشعبي والوجداني لمحفوظ فإن الفرصة لم تحجب عن هذين المعلمين الأدبيين لكن ذلك لا يمنع من أن نقول ان نجيب محفوظ قامة فنية فريدة وعالمية. كبير جدا وتستعيد د. كرمة سامي أيام صباها حيث كانت مبهورة بإبداع نجيب محفوظ تقول: كنت أجلس بالساعات مع رواياته فهو كاتب كبير جدا لكني أريد أن أنبه الي انه لم يكن وحده كان بجواره كوكبة لا نريد أن نهدر حقها في الاحتفاء بها وبكل ما قدمته أنا أرفض النظرة الواحدة للأمور أين الاهتمام بيحيي حقي الذي قدم للمكتبة العربية العديد من الكتب في مجالات متنوعة وكانت مصريته في الكتابة نابعة من انه عرف الشعب المصري أقدر قيمة محفوظ في حياتنا الابداعية لكنني أحزن للتركيز علي مبدع واحد يخلق نوعا من الإحباط في نفسيات بقية المبدعين أو في نفسيات نقادهم وقرائهم في أقل تقدير.. وتروي المبدعة هدي جاد واقعة حدثت عقب صدور مجموعتها سكر نبات عن دار المعارف مررت علي مكتب نجيب محفوظ وتركت نسخة بها رقم هاتفي وفوجئت به يتصل بي في يوم أتذكره جيدا كان يوم ثلاثاء في تمام الساعة الثامنة مساء دق جرس الهاتف. وقال: ان نجيب محفوظ قرأت ثلاث قصص من المجموعة أذهلني الأسلوب والمضمون كاد يغمي علي مما سمعته من أستاذنا محفوظ وكنت أحضر ندواته في كازينو أوبرا ونادي القصة ومكتبه بالأهرام وكازينو قصر النيل أعتز بأني تلميذة لنجيب محفوظ فقد كان الرجل يتمتع بإنسانية عالية وخفة ظل لا تباري وقد زعم البعض انه لم يكن متدينا وهو ما ينفيه الحس الديني العالي الذي تعبر عنه ابداعاته بالإضافة إلي انه كان طليعيا يكتب ابداعا طليعيا ومع تقدم العمر فإنه لم يفقد هذه الخاصية الطليعية في ابداعه وعلينا أن نراجع آخر أعماله منذ قصصه القصيرة الأولي حتي حصل علي أكبر جائزة أدبية في العالم. الرائد الحقيقي وفي تقدير الروائية كوثر عبدالدايم ان نجيب محفوظ هو الرائد الحقيقي للرواية العربية فقبله لم يكن لهذا الفن كيان انما هي محاولات تبدأ بزينب هيكل التي أرخت السينما المصرية بها لبداية الرواية غير ان النظرة لهذا الفن لم تكن مشجعة لمن ينتمي اليه كي يستمر ويبدع حتي ان هناك من كتب الرواية وهيكل نفسه باسم مستعار. أما نجيب محفوظ فقد أصل نفسه لهذا الفن ساعده علي ذلك كثرة قراءاته في الأدب العالمي إبان عمله الوظيفي ولم تكن بدايته سهلة فقد ظل يكتب دون أن يستطيع نشر ما يكتب ولا يتحمس الناشرون لكتاباته. كانت البلاد في بدايات أعمال محفوظ ترزح تحت نيران الاحتلال الانجليزي الذي أفسد كل شيء جميل في بلادنا لكن نجيب محفوظ ظل يقرأ ويكتب ويتلاحم مع مجتمعه ولم تكن قراءاته في الأدب العالمي سببا في الخروج من جلده بل غاص في التاريخ الفرعوني لبلده. قبل أن يكتب خان الخليلي بداية لمرحلة الواقعية الطبيعية وأبرزها بالطبع ثلاثيته الرائعة وما تلا ذلك من أعمال. أما عن أثره في الرواية العربية فقد كان بحق قدوة للأدباء العرب الناجحين في الالتزام والاصرار والصدق وقبل ذلك الغوص في البيئة المحلية لكل منهم ويؤسفني انني لم أتابع حركة الرواية العربية الحديثة عن كثب لكني قرأت للبعض ولمست ذلك التأثير الذي أشرت إليه.